يمثل مفهوم الدولة فضاءا بحثيا مستمرا في أدبيات العلوم السياسية بشكل أساس وفي مناخات العلوم الإنسانية على نحو يظهر تارة ويتوارى أخرى، وإذا كانت الدراسات المتصلة فيما يخص الدولة قد شهدت نوعا من الانحسار بتأثير من الدراسات التي ذهبت الى التأكيد على أهمية دراسة المجتمعات بوصفها الفاعل الأكثر تأثير مع صعود اللبرلة الرأسالمية، الا أننا نشهد بزوغا واضحا لدعوات متنوعة للعودة إلى الارتكاز على الدولة بوصفها الحاضن الأكثر نجاعة في تجارب متعددة ،والمنادون بأهمية الرجوع الى تقديم الدراسات فيما يخص الدولة يستندون الى مقاربات متنوعة ،سواء من خلال مقاربة ماكس فيبر الذي أكد على أهميتها، أم من خلال نوربرت الياس الذي ربطها بسيرورة التحضر، أم من خلال ايلي تشارلز الذي أكد على أهميتها في حفظ النظام في المجتمعات النامية ،من خلال هذا الأخير ،يمكن مقاربة مفهوم الدولة في عراق ما بعد 2003مع التذكير المستمر بتوصيف ماكس فيبر للدولة بكونها المحتكر الشرعي للعنف، تقوم فاعلية الدولة في جوهرها على بناء مؤسسات ذات فاعلية واضحة في قبال مسار ضدي يقوم على فواعل أخرى شخصية أو غير شخصية تركز على بناء السلطة بوصفها غاية وليست أداة من ادوات الدولة، نجد أن الفاعل السياسي في عراق ما بعد 2003 عمل باستمرار على استعارة مفهوم الدولة بوصفه مفهوما فارغا، بعبارة أخرى، تمّ توظيف المفهوم على نحو شكلاني بعيدا عن التعالقات البنيوية والوظيفية التي يختزنها مفهوم الدولة ، الأمر الذي أدى الى وصول البلد الى حالة انسداد سياسي بسبب هيمنة الفاعل الشخصي وعمله المستمر على تفريغ الفاعل المؤسساتي الذي تستند إليه الدولة في احتكارها الشرعي للعنف من جهة ، وفي تنظيمها لإدارة الصراع السياسي من جهة من غير أن تكون طرفا فيه .
د. مؤيد ال صوينت