21 May
21May

كتب : باسم العوادي الناطق باسم الحكومة

واحدة من أبرز مصدايق القوة الجيوسياسية هي عندما تمتلك الدول مصاديق القوة الناعمة في حضورها الإقليمي وان كانت لا تتظاهر شعبويا بذلك. 

وعلى خلاف مسيرة العراق السياسية السابقة حيث كان العراق يحضر القمم والمؤتمرات العربية متمترسا بالقوة الخشنة من مواقف قومية متطرفة، وتكتلات سياسية مع دول عربية على حساب اخرى، تجعله جزءا من محور او قائدا له ضمن عموم قيادات القمة، مع التباهي العسكري، والسخاء غير المحسوب أو الإسراف في الإنفاق بل في تبذير المليارات نقدا وعينا، على دول عربية او افريقية، والابتعاد عن الولوج في القضايا الداخلية والتركيز على القضايا العربية بنمط قومي شعاراتي دعائي، يتجه العراق اليوم الى نمط آخر وفلسفة سياسية مختلفة تماما عن السابق مرتكزا على فلسفة القوة الناعمة والتأثير الفعال بعيدا عن الشعاراتية الديماغوجية ومركزا على عناصر القوة الاقتصادية والدبلوماسية.

وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان أهم ميزتين حظيت بهما قمة جدة، وكان العراق هو المحرك الفاعل بهما، تتضح صورة القوة الناعمة التي يتلمس العراق طريقه نحوها.

أولا - وقتت قمة جدة ضمن اجواء سياسية إقليمية هادئة بنيت على واقع مصالحة جريئة عربية واسعة أسس لها الإتفاق الأخوي ( الايراني - السعودي )، وإذا وضعنا في الاعتبار ان بغداد هي التي احتضنت وعلى مدى سنتين جلسات التقارب الايراني السعودي، وكانت عتلة التجسير والعامل الوسيط، وبذلت الجهود الكبيرة ليتحقق هذا الإتفاق وان كان وقع خارج بغداد، يكون العراق هو المحرك الأساسي لخلق هذه الأجواء  الإيجابية التي سادت القمة والتي تطرق لها كل قادة البلدان العربية مدحا وثناء في كلماتهم، باعتبارها منجزا إقليميًا يؤثر على مجمل دول المنطقة ويتعداها الى اطراف العالم الاسلامي وغيره.

 ثانيا - فيما كانت الميزة الثانية هي عودة سوريا لمجلس الجامعة العربية وحضور  قمة جدة ممثله برئيسها بشار الاسد، وكان العراق فاعلا أساسيا في هذه العودة وعضوا فعالا في اللجنة الرباعية التي هيئت أرضية العودة بقرار مجلس الجامعة يوم ٧ آيار، ناهيك عن الأدوار  الناعمة التي قام بها العراق ومنها دعم لبنان بالوقود في لمحة يتغلب فيها الجانب الانساني العربي، وان كان يحمل في طياته صبغة سياسية باعتبار لبنان قاعة امتحان ساخنة للتقارب الايراني السعودي، ووقوف لبنان على قدمية يعطي دفعة سياسية قوية لاستمرار أجواء التفاهم والتقارب الإقليمي الذي يعد مصلحة وطنية عراقية عليا.


ثم كانت المفاجأة في تحول فلسفة السياسية العراقية الخارجية من الشعبوية الشعاراتية (سابقا)  الى الواقعية السياسية القائمة على أساس ان الجامع الحقيقي لمصالح العرب هو الاقتصاد الجمعي وتشابك المصالح الإستثمارية والمالية لتكون المختبر الحقيقي للشعارات القومية الواسعة التي كانت تنتهي مع أول خلاف سياسي لأنها غير مبنية على مصالح حقيقة مشتركة عمادها الترابط والتشابك الاقتصادي


لا مستقبل جماعي بلا تكتل اقتصادي:

ان عنصر التكتل الاقتصادي الفاعل في جوهر فلسفته يرتكز على بناء الأمم والشعوب العربية والرفع من مستواها الاقتصادي في تشابك وترابط عناصر التجارة وتبادل السلع والاستثمارات الكبرى المتبادلة بما ينعكس على الشعوب والمجتمعات اكثر مما ينعكس على الساسة والسياسة.

ان الترابط السياسي والامني والعسكري والقومي الذي لايبنى على ركائز اقتصادية واستثمارية لايمكن  له ان  يستمر ، لان مفاهيم السياسية والامن والعسكرتارية هي بالأعم الأغلب مصالح سياسية ستراتيجية عليا  تخطط لها الحكومات والاجهزة الخاصة  بعيدا عن  اشراك  طبقات المجتمع وحركة رأس المال فيها، فتكون هذه الستراتيجيات معرضة  للزوال او النقض مع اي تغير  في القناعات او تغيير الانظمة، فيما ان الستراتيجيات الاقتصادية مرتبطة بحركة المال والتجارة وسوق العمل والانتاج  وبهذا فهي مرتبطة عضويا بالمجتمعات العربية اكثر  من غيرها، وان كانت فكرة التكتلات الاقتصادية تحتاج الى صبر ومطاولة ونضج سياسي واستعداد للقبول بالآخر بعيدا عن مجموعة من مرتكزات ذهنية سابقة. 



الأفكار السباقة قوة ناعمة:

ان تكون سباقا بعالم السياسة  بطرح الأفكار الجريئة الجديدة يعني انك فاعلا وتمتلك الثقة بالنفس وبالدولة وبالمستقبل، ولاشك ان هذا المسار سيجلب إنتباه الآخرين عاجلا أم آجلا، وكل هذه عناصر قوة ناعمة يقرأها الكثير بوضوح لا لبس فيه.


الشراكة المنتجة لا الزعامة السياسية:

ومن الضروري التاكيد ان فلسفة العراق الجديدة لا تبحث عن زعامات سياسية لقيادة الامة العربية تلك الزعامة التي قادت من امتطاها الى الانتحار السياسي، تلك الزعامة التي تخلق محاور متقاطعة بين البلدان العربية، تلك الزعامة التي تحول الاقتصاد الى بقرة تحلب يوميا بالمال لادامة نزاعات وحروب بين الاشقاء على اساس الاختلاف في التوجهات القومية، بل الفلسفة الجديدة مبنية في تحول العراق الى قطب اقتصادي يترابط مع اشقائه في خلق فرص استثمارية ومشاريع كبرى عابرة للحدود الوطنية لخلق علاقات مصالح حقيقية مبنية على أرقام مليارية واقعية لا تنكسر أمام أي موجة خلاف سياسي عابر او بسيط.


اجمالا يشق العراق أولى خطواته في مشوار القوة الناعمة التي لا تخلق محاور ولا تستفز الآخرين ولا تهدد دولهم او مصالحهم بل تعينهم على تاصيلها، والأهم هي ان تكسب ثقتهم بالصدق والفعل والاعتدال لا بالتظاهر والشعارات.

 


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن