21 Oct
21Oct


تحرير: د.عقيل الخزعلي 

المقدمة 

يقف العراق اليوم عند مفترق طرق حساس وتاريخي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والسيطرة في واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا في العالم، لذلك، وبسبب موقعه الجغرافي المركزي وموارده الطبيعية الضخمة، وخاصة النفط، يُعتبر العراق لاعبًا رئيسيًا في الجغرافية السياسية للمنطقة. إلا أن هذا الموقع جعله أيضًا عرضة للأعاصير الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي تهدد استقراره وسيادته، وهذا مايستوجب تسليط الضوء على دور العراق في هذه الديناميكيات المعقدة وتحديد موقفه الراهن في ظل هذه التحديات، مع تقديم رؤية موضوعية للوضع القائم والموقف المطلوب.

 أولًا: موقع العراق في الجغرافية السياسية Political Geography

يتمتع العراق بموقع جغرافي استراتيجي يجعله همزة وصل بين آسيا وأوروبا، وله حدود مشتركة مع دول رئيسية: (إيران، تركيا، السعودية، الكويت، الاردن، سوريا)، إلى جانب موقعه القريب من دول الخليج. هذا الموقع يمنحه أهمية جيوسياسية كبيرة، لكن في الوقت ذاته يضعه في قلب الصراعات الإقليمية، كما أن العراق يمتد على مساحة غنية بالموارد الطبيعية، أهمها النفط، ما يجعله محورًا للاستثمارات الدولية، وهدفًا للتدخلات الخارجية. فضلاً عن ذلك، فإن التنوع العرقي والديني في البلاد يزيد من تعقيد المشهد السياسي الداخلي والتربّصات الاقليمية والدولية. 

ثانيًا: العراق في المعادلة الجيوسياسية Geopolitics

في العقود الأخيرة، تحول العراق إلى مسرح رئيسي للصراعات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، وبين القوى الإقليمية، إذ أنه وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، شهدت البلاد انقسامًا في النفوذ بين القوى الغربية وحلفائها من جهة، والقوى الإقليمية وأذرعها من جهة أخرى. كل ذلك تسببَ في تأجيج الصراعات وتعطيل التنمية السياسية الديموقراطية والنهوض الاقتصادي الشامل والمستدام. لقد دفع العراق الأثمان باهضاً بفعل توجّهات (إقليمية ودولية) لجعله ساحة للتنافس والتصفيات العالمية والاقليمية. 

ثالثًا: الجيواستراتيجية للعراق Geostrategy

لقد أضحى العراق، بموارده النفطية الضخمة وموقعه الجغرافي، عنصراً استراتيجياً مهماً في السياسات الدولية، حيث تعتمد الدول الكبرى على العراق كجزء من استراتيجيتها في مواجهة بعضها البعض، ورغبتها في جعله ضمان خط دفاع أول ضد توسعات خصومها في المنطقة. من ناحية أخرى، تتبع بعض الدول الاقليمية والكبرى استراتيجية “الحرب بالوكالة” من خلال دعم الجماعات المسلحة والفواعل السياسية في العراق لتعزيز نفوذها الإقليمي وتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون الدخول في مواجهة مباشرة. لقد جعل هذا الوضعُ العراق في موقف حساس؛ فهو من جهة يحتاج إلى دعم الدول الكبرى لضمان استقراره وأمنه، ومن جهة أخرى، لا يستطيع قطع علاقاته مع الدول الاقليمية التي تملك تأثيراً كبيرًا بحكم وحدة الامتداد الجغرافي والديموغرافي والتاريخي والحضاري بل والمصيري أيضاً!.

 رابعًا: التحديات الجيوفضائية للعراق Geospatial Challenges

يواجه العراق تحديات جيوفضائية عديدة تتعلق بإدارة موارده الطبيعية وحماية حدوده، والذي  تُستَخدَم فيه تقنيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لمراقبة الحدود والسيطرة على الممرات المائية والموارد النفطية. وفي الوقت الراهن، فأن العراق بحاجة إلى تحسين قدراته في هذا المجال لمراقبة التحركات غير القانونية على حدوده مع دول الجوار، والسيطرة على عمليات تهريب الأسلحة والارهاب والمخدرات وادوات الجرائم المنظمة.

 خامسًا: المجال الحيوي للعراق 

يعتبر العراق جزءاً من المجال الحيوي لبعض دول الجوار، حيث تعتبره جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية، لذلك تسعى هذه الدول إلى ضمان استقرار العراق كجزء من حماية مجالها الحيوي في مواجهة التحالفات الإقليمية المعادية، من هنا فالعراق بحاجة إلى إعادة تعريف مجال حيويته الخاص، حيث يجب أن يركز على استعادة سيادته الوطنية الكاملة ومنع تدخل القوى الخارجية من خلال تعزيز اقتصاده المتنوّع المستدام وسيطرته الكاملة على أراضيه وأجوائه ومياهه، وفرض سيادته الداخلية والخارجية بحزمٍ مشوبٍ بالمرونةِ والحكمة.

 سادسًا: الصدوع الاستراتيجية للعراق Strategic Fault Lines

يقع العراق في محاور الصدوع الاستراتيجي للدول الكبرى والقوى الاقليمية الصاعدة والمحاور المتنازعة والمتحاربة، لذلك؛ تعمل كل هذه الجهات الى جذب العراق – طوعاً أو كرهاً – للدوران في فلك مصالحها الاستراتيجية، مما يضيف عبئاً إضافياً على العراق، ولكن على الرغم من ذلك، فهناك فرصة قوائية للعراق لاستثمار هذا الموضوع للحصول على مكتسبات وطنية استراتيجية على ضوء مصالحِهِ الحيوية العليا وسيادته الوطنية الشاملة. 

سابعًا: ما هو الموقف المرُتجى 

يتطلب الموقف الراهن تبني سياسة توازن دقيقة بين القوى الإقليمية والدولية، من خلال السعي الوطني لتعزيز وحدته الداخلية عبر تسوية الخلافات الطائفية والعرقية وإيجاد حلول سياسية شاملة تُرضي جميع الأطراف – بأقصى إتاحة وإمكان -، ومن أجل تحقيق ذلك، يقتضي الامر الآتي: 

  • تعزيز السيادة الوطنية من خلال تحييد التدخلات الخارجية، واعتماد سياسة خارجية مستقلة تخدم مصالح العراق الوطنية.
  • الاستفادة من الموارد الطبيعية وتطوير اقتصاده الشامل بشكل يمكنه من الاستفادة من موارده النفطية والغازية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بعيداً عن الاعتماد المفرط على أي قوى الخارجية.
  • تطوير المؤسسات الاستخبارية والأمنية والعسكرية من خلال بناء قوات أمنية قوية قادرة على حماية الحدود ومكافحة الإرهاب والجماعات والعصابات المسلحة، ما يعزز من استقراره الداخلي.
  • تعزيز الدبلوماسية الذكيّة من خلال اتباع سياسة خارجية متوازنة تعتمد على الحوار مع جميع الدول الإقليمية والقوى الدولية اساسها احترام السيادة وترسيخ المصالح المشتركة.
  • الاستثمار في التكنولوجيا من خلال استخدام التكنولوجيا الجيوفضائية لمراقبة موارده وحدوده بشكل أفضل وإقحام الرقمنة والذكاء الاصطناعي كجزء اساس لعملية التنمية الوطنية، مما يعزز من قدرته على إدارة موارده وحماية أراضيه.

 وبالمحصلة، بات من الواضح أن العراق في عين الأعاصير الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وعليه أن يتبنى سياسة متوازنة تعزز من استقراره الداخلي وتمنع من تأثير القوى الإقليمية والدولية عليه، إذ يمتلك العراق إمكانيات هائلة، سواء من حيث موقعه الجغرافي أو موارده الطبيعية، لكنه يحتاج إلى قيادات حكيمة براغماتية قادرة على استغلال هذه الإمكانيات لتعزيز سيادته الوطنية ومكانته الدولية وتحقيق استقراره الاقتصادي والسياسي. المحتويات 

المقدمة 1أولًا: موقع العراق في الجغرافية السياسية Political Geography. 1

ثانيًا: العراق في المعادلة الجيوسياسية Geopolitics. 1

ثالثًا: الجيواستراتيجية للعراق Geostrategy. 2

رابعًا: التحديات الجيوفضائية للعراق Geospatial Challenges. 2

خامسًا: المجال الحيوي للعراق. 2

سادسًا: الصدوع الاستراتيجية للعراق Strategic Fault Lines. 2

سابعًا: ما هو الموقف المرُتجى. 3

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن