كتب : علاء الطائي
تلقي وسائل الإعلام أضواءها على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والفعاليات المختلفة والتي تؤثر في حركة الأمة وتاريخها ومن قواعدها الأساسية كونها تمثل إتصالاً وثيقاً بالعلاقات المختلفة والأفراد والجماعات وتؤثر في نظام الجماعات وتاريخها من هنا ينبغي عليها ان تكرس جهودها للتفتيش عن حقائق الأمور من أجل توسيع آفاق المعارف الإنسانية ورفد المواطن من فهمه لطبيعة الحياة العامة وماحدث من تبدلات اجتماعية وثقافية في الآونة الأخيرة من عمر العراق لكن العديد من وسائل الإعلام أن بلغت أبعد غاياتها وأذكت الطائفية ونكأت على جراح العراقي وكان بعضاً من وسائل الإعلام نصيباً حيث أسهمت في رسم معالم العراق الحديث وساهمت في صنع عدد من قراراتة على المستوى السياسي وفي الحركة الثقافية والفنية وغيرها وقسماً منها مارس دوراً راشداً ومؤثراًمن خلال العديد من الفعاليات الوطنية والمجتمعية وعلى هذا الأساس لا يمكن صياغة استراتيجية اعلامية عراقية لتفعيل دور الإعلام في بناء العراق الجديد بغير تأمل لحال الاعلام فيه اليوم.
نظرة سريعة الى واقع الامور والمطروح من منافذ اعلامية مكتوبة ومرئية ومسموعة ستؤشر الى حقيقة مفادها ان عدداً من الاعلام العراقي يعيش حتى هذه اللحظة حالة من فقدان الهوية.
فهذا الاعلام وبعد عقدين من الانفتاح على كل الروافد المتاحة والادوات الكافية التي تجعل منه اعلاماً بمستوى المسؤولية، ما يزال يعمل بذات الادوات القديمة، وهو ايضا لم يستطع ان يجاري التدفق الهائل من المعلومات والاحداث ولم يتمكن من الدفاع عن مشروعه الجديد في التغيير رغم كل الظروف المؤاتية التي صار يمتلكها، من حرية للتعبير وديمقراطية لم يشهد البلد من قبل، وعدم الرضوخ الى مقص الرقيب او منعه وعبر قراءة سريعة للاعلام العراقي، نجد ايضا ان دور هذا الاعلام في كل احداث العراق ما زال لايرتقي لدوره المأمول وبعضاً منه صدى لوسائل اعلام اخرى، فيقوم اعلامنا بنقله حرفيا ويصلنا فارغاً لا يمت الى ارض الواقع بصلة.
اعلام ما يزال في تفاصيله ومفاصله الكبيرة والصغيرة يعتمد على ما يأتينا من الخارج، بينما المواطن ينتظر ما يحاكي واقعه وينقل معاناته، فكيف الحال وهذا الاعلام مطالب لان يكون بمستوى استراتيجية لاعادة بناء العراق وترسيخ المؤسسات فيه على الاسس الديمقراطية الصحيحة.
ان عدداً من المشاكل تواجه الاعلام العراقي، يتوجب على المعنيين حلها قبل الانتقال الى المرحلة الاعلى وهي كيفية استخدام هذا الاعلام في اعادة بناء الدولة ومؤسساتهاواستعادة ثقة المتلقي العراقي، فهو من يتوجه اليه الاعلام اولا واخيرا. ومن دون هذا المتلقي، لن تطبق استراتيجية إعلامية صحيحة.
وإن المتلقي تعوّد ان لا يثق بوسائل الاعلام المحلية على مدى عقود من الزمن ولم تعمل وسائل الاعلام الجديدة على خلق شعور الثقة لديه رغم الحرية التي تتمتع بها. فمن الضروري دراسة الاسباب عبر استطلاعات ميدانية للوقوف على الاسباب لغرض معالجتها.
وبالذات المشاكل التي تتعرض لها شبكة الاعلام العراقي الذي تم انفاق ملايين الدولارات عليهما منذ زمن حكومة الدكتور اياد علاوي والى يومنا هذا، الا ان النتيجة مع كل الامكانيات الهائلة التي تم صبها في هذا الرافد لم ترق هذه المؤسسة الحيوية للمأمول منها.
فالمشاهد العراقي يميل الى خارج المحلي من الفضائيات ليجد ضالته من الخبر والتحقيق والندوة وأحياناً يتلقى اخباراً من قنوات تدس السم في العسل وبالإمكان أن نسوق عشرات الأمثلة هنا لتبيان حجم الاخفاق الذي حصل قبل التغيير.
ندرك من ذلك ايضا ان المشكلة الحقيقية لوسائل الاعلام العراقية ليس في قصور الامكانيات المادية او في حجم الحرية المتاحة وانما في الايمان باستقلالية تلك القنوات وتوفير الاجواء المناسبة للعمل الاعلامي المحترف والمهني، وذلك ياتي من شعور الجميع بضرورة العمل من اجل هدف معين من خلال الاستفادة من الامكانيات المتاحة بحرفية عالية وحس وطني متقدم.
من هنا يمكننا الحديث عن عناصر استراتيجية إعلامية عراقية لمرحلة اعادة بناء الدولة ومؤسساتها أولا: ضرورة وضع مخطط بياني للاتجاهات الإيديولوجية الموجودة في العراق اليوم.
لا يمكن وضع استراتيجية إعلامية عراقية لتفعيل دور الإعلام في بناء الواقع الجديد بغير رسم خرائط معرفية دقيقة تحيط بكل ألوان الطيف من الاتجاهات الإيديولوجية الفاعلة في العراق. وهذه الخرائط المعرفية ستقيم لنا الوزن النسبي لكل تيار واتجاه. الهدف منها العون على معرفة الواقع الذي نريد تغييره، وكذلك على تحديد ملامح التغيير واتجاهاته.
هذا يتطلب اجراء مسوحات ميدانية ودراسات لكافة التيارات المتواجدة في العراق، ودراسة نقاط الالتقاء والتنافر والعداء بينها، وكيفية نظرتها الى دور الفعاليات المختلفة في المجتمع، وموقفها من عملية التغيير في المجتمع، وموقفها من كيفية ايصال المعلومة الى المتلقي وغيرها من التفاصيل .
وهكذا نستطيع ان نقدم صورة موضوعية لواقع الحال، بشكل نقدي وموضوعي ايضا. وهذا بحد ذاته سيعطينا فكرة واضحة عن كيفية التوجه الى كل الشرائح الموجودة مع محاولة ايجاد افضل سبيل لمخاطبتها والوصول اليها.
ثانيا: دراسة الماضي والحاضر والمستقبل
وفي تقديرنا أن الإعلام العراقي يمكن أن يلعب دورا هاما في الدعوة إلى الدراسة العلمية للتراث الماضي بأنماطه المتنوعة، من خلال التأكيد على ضرورة ممارسة التأويل بمناهجه المتعددة حتى يتواءم النص التراثي - حتى لو كان نصا دينيا - مع متغيرات العصر.
ومن ناحية أخرى لابد من اصطناع منهج علمي ونقدي في دراسة الحاضر. وهذا المنهج لابد أن يكون تكامليا لا يفصل بين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة - ليس ذلك فقط - بل لابد أن يكون منهجا نقديا، يركز على السلبيات، ويسمي الظواهر بأسمائها. وتبقى ضرورة استشراف المستقبل العراقي في ضوء قراءة دقيقة لتغيرات بنية المجتمع العربي والعالمي من حوله.
ولعل من ابرز سمات عالمنا اليوم الذي تاخر عن ركبه الاعلام العراقي الداخلي، قضية العولمة.
وهنا يمكننا ان نركز على بعض العناوين ودراستها بصورة جيدة لمعرفة كيفية التعامل معها من خلال استراتيجية اعلامية تؤدي الى الاتجاه الذي نريده :
مشكلة التطرف الفكري في المجتمع العراقي الجديد المشكلات الناجمة عن الإرهاب والاحتلال
التفرقة بين المشروع الوطني لعراق مستقل واطروحات المقاومة والإرهاب
التنمية واتجاهاتها
دور الشباب في المجتمع الجديد
عسكرة المجتمع كناتج من نواتج تفشي الارهاب والمجاميع المسلحة
مشاكل الاطفال في العراق نتيجة لغياب الجو الامني الصحيح وانعكاساته المستقبلية
ثالثا: عملية تخطيط اعلامي : تشترك فيها كل الدوائر الاعلامية في الوزارات والصحف وكل ما يمت للاعلام العراقي بصلة. وهنا لا بد من وضع وتحديد الاهداف تنفذ عبر وسائل وبرامج ودراسات.
رابعاً: دراسة الجمهور المستهدف : بدون الجمهور لا اعلام، ولا استراتيجية، ولا بنية تحتية ولا اهداف.
الاولوية هي الجمهور في اي عمل نقوم به.
الاعتماد هنا على ما سنتمكن من ايصاله الى هذا الفرد، الاقناع، اسلوب الحوار، الوصول الى ذهن حامل شهادة الدكتوراه والى الامي غير المتعلم، والى من تريد عصابات الارهاب كسبه والى الذي يحارب الارهاب. المعادلة ليست بسيطة وبحاجة الى دراسة واحاطة باساليب الحرب النفسية والاعلام والاعلام المضاد.
العقد الاعلامي الوطني العراقي
وهنا، ارى اعادة بنود ما اصطلحت عليه مجموعات اعلامية قبلنا، بدون ان يرى عقدها النور ولا التطبيق، وربما سنكون بنقاشاتنا اوفر حظا منهم في عقد وطني لرسم استراتيجية تشتمل على المفردات والمفاهيم التالية وطرحها بصيغتها الاخيرة على الحكومة العراقية للخروج بعقد شرف وطني باتجاه استراتيجية العمل الاعلامي لاعادة البناء :
عدم إستخدام المنابر الإعلامية للتحريض على الطائفية والفرقة، والدعوة الى التقريب بين أطياف الشعب العراقي ودحض الطائفية والتفرقة التي ستودي بالعراق ووحدته.
عدم استخدام مفردات تشيع أجواء الفرقة والكره بين أبناء الشعب العراقي بجميع مكوناته والامتناع عن استخدام المفردات الطائفية.
الدفع باتجاه ثقافة التسامح ورتق ما تمزق من النسيج الوطني والاجتماعي بسبب الجرائم الإرهابية التي استهدفت العراقيين جميعاً.
الإلتزام بالصدق والموضوعية والحياد في نقل وتداول الأخبار والتقارير الإعلامية بما ينسجم مع مصلحة الوطن وهذا يشمل الوسائل المحلية والدولية العاملة في العراق.
ان تكون هناك موازنة وطنية وشفافة في التغطيات الاعلامية من أجل إنجاح الاستراتيجية الاعلامية الجديدة.
شجب عمليات الإختطاف والتفجير والقتل للمدنيين وأفراد القوات المسلحة والعاملين الأجانب في العراق وعدم الترويج لتهديدات ومطالب الإرهابيين بجميع أنواعها.
عدم الوقوع في فخ الجماعات الارهابية التي تحاول من خلال عمليات القتل والتفجير إثارة الرعب في أوساط الشعب العراقي مهما كان مصدره.
عدم إظهار صور أشلاء ضحايا العمليات الإرهابية في التقارير الاخبارية واية صور اخرى تثير مشاعر الغضب لدى المواطنين.
ان تكون المرجعية في استقاء الأنباء وبثـّـها على أساس المصلحة الوطنية اولاً ثم المصلحة المهنية.
ان تعمل وسائل الاعلام وعلى نطاق واسع للتثقيف بان يكون القانون هو المرجع الأساس في الحياة العامة. .تشكيل لجنة متابعة لغرض الوصول الى صيغة اتفاق مع الحكومة العراقية وتحويل العقد الى قانون.