١-الجسر يعرّف بأنه المنشأ الذي يستخدم للعبور من مكان الى آخر بينهما عائق مائي أو وادي أو أرض وعرة ويساهم في إختصار المسافات للوصول الى الهدف أو الالتفاف أو تقليل الجهد والوقت (كله خير) كما يقولون
٢-في عالم الشعر يكون الجسر مثل الحب يربط بين قلبين وربما من هنا نشأت فكرة (أقفال الحب)التي تعلق على الجسور تعبيراً عن الوئام أو الرغبة في الوئام وهي الامنية التي تتوسل لها القلوب بأوهام وأشباح وتمائم ونذور تدفع بها على ساحل الشوق في كل المجتمعات لجهة إنسانية المشاعر والاماني المشتركة
٣-في عالم التربية والفكر يرمز الجسرالى (المعلم) الذي ينقل الاجيال من الامية الى العلم ويحول نهر الجهل الى نهر العلم والحياة ويصل بين الشيخ والمريد ولو بجدية وصرامة تبررها حلاوة الاهداف وسموها
٤-في عالم الدبلوماسية والمفاوضات يشير الجسر الى العبور الى الاخر للتغلغل في تغيير القناعات أو إسنادها أو تشتيتها ومن هنا جاءت(تجسير الهوة) كتعبير عن (تقريب وجهات النظر) بين المتحاورين عن بعد او قرب في المسافات او الاهداف او الميول والخرائط والامنيات
٥-في المنام يكون الجسر رمزاً للهدى وسلامة المقصد او الهدف يبعث على الاطمئنان وليس جرحاً في الارض كما يراه رواد الفضاء وهم يتأملون الارض وتضاريسها من شاهق بعيد
٦-(حين تركنا الجسر)رواية عبد الرحمن منيف كان الجسر فيها مفردة تعبر عليها أرتال من الهذيان والترميز المدهش في سرد ممتع يفرغ ما في الفرد والشعب من خزانات الخيبة والكبت والاضطهاد وفيها يكون الجسر (الملاذ)الذي يلوذ به أبطال المواجهة يتكلمون عليه وعنده ويتأملون وينتظرون اشارات العبور عليه
٧-يرى الكثير من النقاد والباحثين ضرورة وأهمية الجسر والوقوف عنده والكتابة عنه كما سرد عبد الرحمن منيف رائعته التي تشبه(الشيخ والبحر) لهمنغواي خصوصاً انها جاءت بعد هزيمة حزيران ببعض السنين لينشر الضوء على تلك الهزيمة النفسية والعسكرية في ترميز متشعب لايحصر الهدف في جغرافيا محددة وانما يتمدد به على عرض الساحات والفهم ليتخلص من الرقابة والاستغراق في محليات تطوق الابداع وتقهره أطراف القرى النائية عن التأثير والاحتجاج
٨-لماذا نترك الجسر ولم ننسفه وبقينا ننتظر الاوامر وحين جاءت الاوامر كانت أوامر بالانسحاب وترك الجسر وتركناه ونحن في حيرة وحسرة نخشى من الالتفاف من على الجسر في ثغرة تشبه (حين تركنا الجبل)في معركة أحد فأنكشفت ظهور المسلمين للالتفاف والضرب من الخلف بهجوم شبه مميت
٩-الجسر الذي افتتحه السوداني قبل أيام بين مدينة الكريعات ومدينة الكاظمية والذي كان حلم المدينتين من عقود وهما المدينتان الغارقتان بالسرد الدموي(للشهداء)على ضفتي دجلة الخير
الجسر الذي أسماه السوداني جسر(الحرية)معلناً انعتاق المدينتين من أقفال القسوة التي اقفلت على ذراعيهما حد الكسر من مستبد لئيم فكان يوم الافتتاح يوماً للعبور على الجرح والظلم والذاكرة والاستبداد فتسارعت على عبوره ذكريات وأطفال ونعوش مقدسة و(آه)مجروحة من زمان
١٠-ستبقى الوصية الاساس والاولى لكل العابرين هي وصية انسانية بطعم لبناني يقول(الجسر اللي تقطعه لاتقطعه) ربما ستحتاجه في طريق العودة الى الضفة الاولى او الرجوع الى الذات أو تركه شاخصاً لحكاية او قصة لبطل وربما شاهداً على الرغبة في انتصار البناء على رغبة الهدم النائمة في قلوب السنين وهي تتحين الفرصة للانقضاض بشهوة الاباحة في التلاشي والاستئصال المجنح للأشياء ولأسباب غارقة في الذات تتشهى العبث ولو بالاحلام ولتترك الجسر لعبور القراصنة وليمنعوا الشمس من الشروق فتبقى تنتظر على شبابيك الفقراء المقفلة
النائب عباس الجبوري
عضو لجنة العلاقات الخارجية