قد يخالط الشك قُرّاءْ كثير من الوثائق المدونة رسيماً عند تدوينها لحقائق لا يستوعبها العقل الرشيد ، أو تستهجنها عقول المنصفين، وحتى القرائن والمصاديقيُشَكَكْ بها عندما تكون وسيلة اثبات اللامعقول انسانياً من الافعال، ولكنه لا يخطر ذلك على بال من يقرأ النصوص الدينية السماوية، فهي صكوك إلهية، وكثيراً ما تكون أسساً للسلوك الإنساني العقائدي عند المؤمنين أو المتذرعين بها.
وللمقاربة الموضوعية المحددة لتفسير السلوك الإرهابي لإسرائيل والتنبؤ به لابد أن نبحث في الاصول الفكرية لهذا السلوك. وباختصار شديد نقول ان الحركة الصهيونية التي انشأت الكيان الصهيوني على ايديولوجية ذريعتها تفسيرهم للعقيدة التوراتية المحرفة – كما ورد في القرآن الكريم : "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ..." (النساء:46) – ارتكبت عبر تاريخها المعاصر افدح المذابح والجرائم الإرهابية ، وهذا الإرهاب منصوص عليه "دينياً" ومبارك من قبل "ربهم"، بل مطلوب منهم كأمانة يجب أن يؤدوها للرب، ويتجلى السلوك الإرهابي بالمعنى المعاصر في النصوص التوراتية، كالذي جاء في سفر التثنية : " قُومُوا ارْتَحِلُوا وَاعْبُرُوا وَادِيَ أَرْنُونَ. اُنْظُرْ. قَدْ دَفَعْتُ إِلَى يَدِكَ سِيحُونَ مَلِكَ حَشْبُونَ الأَمُورِيَّوَأَرْضَهُ. ابْتَدِئْ تَمَلَّكْ وَأَثِرْ عَلَيْهِ حَرْبًا. 25فِي هذَا الْيَوْمِ أَبْتَدِئُ أَجْعَلُ خَشْيَتَكَ وَخَوْفَكَ أَمَامَ وُجُوهِ الشُّعُوبِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. الَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يَرْتَعِدُونَ وَيَجْزَعُونَ أَمَامَكَ". (التثنية: 2/25) .
وايضاً : "فدمرناها كَمَا فَعَلْنَا بِسِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، قضينا على الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ" (التثنية: 3/6) .
وكذلك : "وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا"(التثنية: 20/16) .
ومنها: "وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (التثنية: 20/13 ، 14) .
وفي نفس السياق جاء : "فَخَرَجَ سِيحُونُ لِلِقَائِنَا هُوَ وَجَمِيعُ قَوْمِهِ لِلْحَرْبِ إِلَى يَاهَصَ، 33فَدَفَعَهُ الرَّبُّ إِلهُنَا أَمَامَنَا، فَضَرَبْنَاهُ وَبَنِيهِ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ. 34وَأَخَذْنَا كُلَّ مُدُنِهِ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، وَحَرَّمْنَا مِنْ كُلِّ مَدِينَةٍ: الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ. لَمْ نُبْقِ شَارِدًا. (التثنية: 2/32-34).
وجاء في نفس السفر : "ثُمَّ تَحَوَّلْنَا وَصَعِدْنَا فِي طَرِيقِ بَاشَانَ، فَخَرَجَ عُوجُ مَلِكُ بَاشَانَ لِلِقَائِنَا هُوَ وَجَمِيعُ قَوْمِهِ لِلْحَرْبِ فِي إِذْرَعِي. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: لاَ تَخَفْ مِنْهُ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهُ إِلَى يَدِكَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ وَأَرْضِهِ، فَتَفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلْتَ بِسِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي حَشْبُونَ. 3فَدَفَعَ الرَّبُّ إِلهُنَا إِلَى أَيْدِينَا عُوجَ أَيْضًا مَلِكَ بَاشَانَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَارِدٌ" ... "فَحَرَّمْنَاهَا كَمَا فَعَلْنَا بِسِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، مُحَرِّمِينَ كُلَّ مَدِينَةٍ: الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ". (التثنية: 3/1-3 ، 6).
ويذكر التوراة كلمة (َحَرَّمْنَاهَا) كثيراً وهي معنى آخر للقتل (حرمناهم من الحياة) .
وما تقدم من النصوص التوراتية يفسر لنا اقدام الصهاينة على اقتراف مذابح دير ياسين 1948 وقانا 1996 وغزة 2014 وما يقترفه الآن في غزة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في 2023 ، ويفسر لنا ايضاً امتناع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية الانضمام إلى اتفاقية نظام روما الاساس للمحكمة الجنائية الدولية 1998 ووقوفها ضد امتداد الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية ليشمل جرائم الإرهاب.
ومن المفيد القول بأن المؤرخ البريطاني أرنولد تويني – منقول عن كتاب البعد التوراتي للإرهاب لوجدي نجيب المصري – "اعتقاد بني اسرائيل المسجل كتابياً بأن يهوه حضهم على إبادة الكنعانيين هو الذي اقرَّ للانكليز الاستيلاء على ايرلندا 1172 واستراليا 1788 وامريكا الشمالية 1814 وأقرَّ للهولنديين الاستيلاء على جنوب افريقيا 1652 وللبروسيين الاستيلاء على بولندا بالحرب بين عامي 1654-1667 ، وللصهاينة الاستيلاء على فلسطين عام 1948.
وبعد هذا كله يرى حكام العالم الغربي وامريكا بأن المقاومة الاسلامية في فلسطين ولبنان والعراق واليمن ارهابيون !!! فيالها من مهزلة العقول الجوفاء والضمائر الميتة والالسن الكذابة ، ومن العجب العجاب يهادن الكثير من حكام العرب ويطبع مع الكيان البغيض الصهيوني الإرهابي، والأنكى من ذلك يسرب المعلومات عن المقاومة الإسلامية للغازي المحتل ويجد لهم الذرائع والبدائل عن الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين.
ولكن النصر آت لا محال ، فأشدد اللهم على أيدي المقاتلين الغيارى من اهلنا في غزة والضفة الغربية وباقي الاراضي المغتصبة وجنوب لبنان ومناصريهم أينما حلوا واقاموا وما النصر إلا من عند الله العلي العظيم.