لا يماري أَحدٌ في جدارة القاعدة الجنائية الإِجرائية، إِذ تُعدُّ محوراً هاماً في حماية الحقوق والحريات، فيصحُ إِن يقال: إِنَّ قانون أُصُول المحاكمات الجزائية حلقة جسدية للقاعدة الجنائية الموضوعية، وهذه الحلقة تُبرز الدور في نقل تلك النصوص إِلى واقع الحياة العملية.
ويقول الدكتور جمال إِبراهيم الحيدري في مَعرض الحديث عن ذلك: إِنَّ قانون أُصُول المحاكمات الجزائية يطوي رسالة تتمثل في أَنّهُ يقوم بعملية تطبيق القواعد الموضوعية، وبذلك يُفعل حق الدولة في العقاب، وفي الواقع فإِن وجود قانون أُصُول المحاكمات الجزائية لا يُتصَوَّرُ مالم يكن بجانبه قانون العقوبات (القاعدة الجنائية الموضوعية).
وفي هذا المقام يثور السؤال التالي: ما الحكمة التي يتوخاها الشارع الجزائي الإِجرائي تحقِقهُ من نصوصهِ؟. بوصفٍ سريعٍ جداً، يُحقق قانون أُصُول المحاكمات الجزائية حماية للحياة الاجتماعية أَي حماية المجتمع وذلك بتحقيق سير العدالة الجنائية، فهدف تلك القاعدة هو الوصول إِلى الحقيقة التي تكون مبهمة، وهي مهمة شاقة بعينها، وعلى هذا النحو فوجود القواعد الإِجرائية على قدر كبير من الأَهمية مقارنة بالقواعد الموضوعية.
وجرياً على المنطق ذاتهُ، فإِنّنا بحاجةٍ ماسةٍ لاستلهامِ الفلسفةِ التي يَقومُ عليها القانون الجنائي الإِجرائي، ممَّا أثارَ ذلك الأَمر رغبةً كبيرةً لدى الفقه الجنائي العراقي وهو السابق الأَكبرُ في ذلك، ولا شك في ذلك أَبداً، فجاء قلم أُستاذنا الكبير الدكتور جمال إِبراهيم الحيدري لِيُعطينا شرحاً وافياً مستنيراً.
وترتيباً على ذلك، فَيُعدُّ كتاب العلامة الحيدري فريداً من نوعه في الطرح العلمي، فقد تميَّز عمّا كُتب سابقاً ببراعة الأسلوب وكثافة الأَحكام القضائية التي تمثل دائرة التطبيق العملي لِمَا بينتهُ النظريات العلمية، وليس هذا فحسب بل أَن سطور الكتاب جمعت عُصارةَ الأَفكار العلمية لهُ ممزوجةً ومدعومةً بالآراء الفقهيةِ التي ناقشها بحذاقةٍ وبراعةٍ.
قُصارى القول بعد ما تقدم، فإِنّنا نُرسلُ برقيةً مستنيرةً بما تعلمناهُ من سطور الكبار، أَن نفيق على ذلك الكتاب ونتتبع السطور وما وراء السطور كي نُطوِّرَ ونُحسّنَ معلوماتِنا واختياراتِنا واساليِبَنا في الدراسات العليا.