15 Mar
15Mar

ورد في قانون الادارة المالية العراقي رقم 6 لعام 2019 في المادة4 ثانيا، النص التالي: ( تبدأ الموازنة السنوية من (1/1) وتنتهي في (31/12) من السنة ذاتها ولوزارة المالية الاتحادية اعداد موازنة متوسطة الاجل لمدة (3) ثلاث سنوات تقدم مرة واحدة وتشرع وتكون السنة الاولى وجوبية ولمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزارتي التخطيط والمالية تعديلها للسنتين الثانية والثالثة وبموافقة مجلس النواب).

وانطلاقا مما اتاحة هذا النص شرعت موازنة العام الجاري 2023، كموازنة متوسطة الأجل ولمدة ثلاث سنوات، ولكونها المرة الأولى، يطفو على السطح تساؤل عام من الراي العام العراقيوالكثير من النخب عن فلسفة هذا الاجراء والأسباب الموجبة أو الحصيلة المتوقعة من ذلك.

الموجبات: ـ

1 ـ خضعت الموازنات المالية وخلال سنوات ماضية للكثير من التجاذبات السياسية قبل إقرارها من مجلس الوزراء، ثم اثناء مناقشتها في اللجنة المالية داخل البرلمان، او اثناء قراءتها الأولى والثانية والتصويت عليها في البرلمان، وكمثال على ذلك تسببت التجاذبات السياسية ببقاء البلد بدون موازنة لسنتين ( 2020 و 2022)، أو في احداث تغييرات جذرية على المسودة المقدمة من مجلس الوزراء، لتخرج الموازنة من البرلمان بصورة مختلفة قد لا تمثل رؤية الحكومة او برنامجها الحكومي.

2 ـ  تسببت التجاذبات السياسية في العديد من السنوات السابقة في تأخير اقرار الموازنات ليصوت عليها البرلمان قريبنصف السنة المالية أو بعدها، ومع إكمال الاجراءات في وزارتي المالية والتخطيط تطلق الأموال ما بعد نصف السنة او في الثلث الأخير منها فلا يبقى سوى أشهر قليلة لينتهي العام قبل ان تحقق الموازنة هدفها الخدمي او التنموي ويطلب ايقاف الصرف، والبدء في اعداد موازنة جديدة، ويتسبب ذلك في ايقاف مجمل النشاطات الاستثمارية والمشاريع المختلفة، وتسبب هذا الخلل في تعطيل شبه تام للكثير من البرامج الهامة، وخلق فوضى في بنود الصرف، ووصول الأموال الى المؤسسات والمحافظات بصورة متأخرة جدا.

3 ـ لايخفى ان التجاذب السياسي حول الموازنة، والإضافة والإلغاء، والتأخير في الإقرار، قد أضر بالمستثمرين والبرامج الخدمية  والتنموية والاستثمارية، وولد حالة عدم ثقة بإقتصاد البلد، وحالة ضبابية لدى قطاع المال والاستثمار في الداخل والخارج بعدم ثبات السياسية المالية مما افقد قطاع الاستثمار الرغبة في العمل وأعطاء تصور عن غياب التخطيط المالي والاستثماري في البلد.

4 ـ تسببت العوامل أعلاه في حالة عدم ثقة مطلقة خارجية وداخلية، وتخوف من قطاع المال والأعمال وتأخير في إنجاز مختلف المشاريع، وحالة اضطراب في موارد الصرف، وتكبيل يد الوزراء والمحافظين، وتعطيل الكثير من الإنجازات، وتخوف مستمر من قطاع موظفي الدولة والطبقة الوسطى من انقطاع الرواتب، وتذبذب في أسعار المواد الاستهلاكية الاساسية، وعدم ثقة في أسعار صرف العملة الصعبة، وكل هذه الاسباب وغيرها ينتج عنها عدم ثقة شعبية وجماهيرية في نوايا الحكومات المتعاقبة وحالة نقمة شعبية تظهر بين الحين  والآخر على شكل احتجاجات، ولا ريب بأن الإستقرار المالي والإقتصادي المتعلق بالموازنة لايقل تأثيرا عن الإستقرار الأمني، ان لم نقل ان عدم الاستقرار المالي والاقتصادي هو أحد أهم الأسباب الموجبة لعدم الإستقرار الأمني.

وردا على سؤال كيف يمكن تمرير الموازنة من العام الحالي الى العامين الثاني والثالث، فهناك ثلاث حالات يمكن العمل عليها:

أ ـ ان تقدم الحكومة نفس الموازنة في العام المقبل ( نفس الأبواب والأرقام) بعد تحقيق الموازنة نجاحا ملموسا ولم يطرأ أي تغيير مفاجيء على المداخيل وهو المتوقع خلال العام الحالي.

ب ـ ان تقوم الحكومة بتغيير بعض أرقام الصرفيات او التخصيصات في الموازنة، وفي هذه الحالة لايحتاج مجلس الوزراء الى اقرار موازنة جديدة وانما مناقشة للارقام الجديدة والتصويت عليها لتذهب الى البرلمان والذي بدوره لا يحتاج الى تشريع قانون جديد وانما فقط تصويت على أرقام الصرفيات الجديدة.

ج ـ ان تتغير الظروف بالكامل فتحتاج الحكومة الى إحداثتغييرات جوهرية الموازنة اللاحقة ، وفي هذه تتطلب تقديم موازنة جديدة.

المخرجات :

1 ـ ينقل مشروع الموازنة المتوسطة الأجل لثلاث سنوات، عقلية صانع القرار السياسي والتشريعي مما تعود عليه سابقا وخلالسنوات طويلة، من التفكير الآني، الى أبعاد التفكير والتخطيط الستراتيجي البعيد، ويعطية ثقة بقرارة السياسي والإقتصادي، ويدفعه للإعتماد على آراء الخبراء الماليين والاقتصاديين لقراءة المستقبل للاطمئنان على قراراته وتشريعاته ذات المدى المتوسط، وهذا بدوره يخلق حالة ثقة بالإقتصاد العراقي لدى الدول والمؤسسات الخارجية ويدفعها للثقة بحالة السوق العراقي وقوته المالية وبرامجه التنموية، ويدفع المستثمرين العراقيين ومن الخارج للتفكير في توسيع نشاطاتهم الاستثمارية بالداخل بناء على الوضوح في الموازنة والبرامج الواردة فيها وثباتها لعدة سنوات متتالية.

2 ـ تنهي الموازنة المتوسطة الأجل لثلاث سنوات، حالات التجاذب السياسي حولها وتجعلها حقيقة متفق عليها لا تستدعي المزيد من الجدال والتدافع سنويا، و هذا ما يساعد على تأطير الاتفاقات السياسية ورفدها بالمزيد من الثقة والاطمئنان لنوايا الآخر.

3 ـ ستحقق الموازنة المتوسطة الأجل بند اختصار الوقت والجهد على اصحاب القرار السياسي والتشريعي وتوفر لهم مساحة للعمل في مجالات اخرى خدمة للبلد، حيث لن يحتاج مجلس الوزراء ولا البرلمان ولا اللجان المالية لأسابيع من العمل والتفكير والتخطيط للموازنة الذي يستهلك كل عام.

4 ـ تحقق الموازنة المتوسطة الأجل ما ورد في قانون ادارة الأموال العراقية في ان تبتدأ الموازنة من تاريخ ( 1 / 1 )من بداية السنة الجديدة وتنتهي بتاريخ آخر يوم من السنة بتاريخ ( 31 / 12) ، وهذا ما يدفع الحكومة لتقديم مقترحات التعديل ( اضافة او حذف ) قبل موعد ( 1 / 1 ) بشهرين من السنة السابقة والتصويت عليها برلمانيا لتدخل حيز التنفيذ في اليوم الأول من السنة الجديدة، أو ان لا تتأخر عن تاريخ كانون الأول او شباط على أبعد الاحتمالات.

5 ـ تولد الموازنة المتوسطة الأجل، حالة ثقة داخلية وخارجية من مختلف قطاعات المال والأعمال ومن مختلف الطبقات الجماهيرية بالدولة وقوة اقتصادها وسيولة مواردها وأبواب صرفها، بما يعزز من توافد الاستثمار الخارجي وتزايد انغماس المستثمر الداخلي في البناء والإنجاز.

6 ـ تخلق الموازنة المتوسطة الأجل، حالة ثقة شعبية وجماهيرية بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وترفع من منسبوب ثقة المواطن بالطبقة السياسية وبقراراتها المالية والاقتصادية مما ينعكس بالإيجاب على جانبها السياسي، وهذا ما يعزز من طبيعة العلاقة بين المواطن وصاحب القرار (السياسي).

7 ـ تتيح الموازنة المتوسطة الأجل، سنة كامة أمام الوزراء والمحافظين وغيرهم من مسؤولي مؤسسات الدولة لتنفيذ مشاريهم الخدمية والتنموية، وتحقق وصول الأموال الى موارد الصرف بسرعة كبيرة، وتنهي حالة التلكؤ والتعطيل في المشاريع الخدمية مما يساهم في ارضاء المواطن وكسب رضاه ودعمه.

8 ـ تعتبر تجرية أولى للطبقة التشريعية والتنفيذية للإيمان بأهمية الخطط الستراتيجية المتوسطة والبعيدة المدى وتعطيهم ثقة بالمستقبل وتقلل من مناسيب التخوف من القادم او عدم الثقة بالنفس او بالمؤسسات العراقية.

ولاشك ان هناك مخرجات ايجابية كثيرة يمكن تسطيرها، لكن أجمالا تبقى تجربة الموازنة المتوسطة الأجل تجربة جديدة بحاجة الى دعم وترشيد وإيمان بقدرة العقل العراقي السياسي والمالي والتشريعي والتنفيذي بأنه قادر على تقديم تجربة ناجحة يمكن ان تعوض بعض الاخفاقات السابقة ولاسيما ان ذلك يأتي في ظل مزاج شعبي عام ايجابي يمكن البناء عليه وتعزيزه بأداء جيد وجديد.

باسم العوادي 

الناطق باسم الحكومة العراقية 

14 آذار 2023

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن