17 Apr
17Apr

كتب : ‎عباس الموسوي

المقدمة: تاريخ رسمهُ الصراع الإقليمي والعالمي

‎دولة العراق، تشمل حاليًا جزئيًا أراضي حضارة بلاد ما بين النهرين القديمة، ما بين نهري دجلة والفرات حيث تصب هذه الأنهار في الخليج مروراً بالأراضي العراقية.

تأسست المملكة الهاشمية كأول كيان تحت اسم الدولة العراقية والمعروفة أيضًا باسم عراق الانتداب في مراحلها الأولى، بموجب الاتفاقية البريطانية العراقية 1922.

‎تقع العراق في بلاد ما بين النهرين السفلى (المقابلة لبابل التاريخية) ولكنها تشمل أيضًا جزءًا من أعالي بلاد ما بين النهرين وبادية الشام والصحراء العربية.

‎كان الآشوريون غالبية سكان العراق منذ العصور الساسانية، وحكمت العراق الإمبراطوريات المحلية: السومرية، الأكادية، والبابلية، والآشورية، وأيضاً الإمبراطوريات الأجنبية. ‎وفي العصر الوسيط، غزتهُ الإمبراطوريات الأخمينية، السلوقية، وكذلك إمبراطوريات البارثيين والساسانيين خلال العصر الحديدي والعصور الكلاسيكية القديمة.

‎فتحه المسلمون في عصر الخلفاء في القرن السابع بعد أن أزاحوا الدولة الساسانية، وأصبح العراق مركزا للدولة الاسلامية في خلافة الامام علي بن أبي طالب، ثم عهد الخلافة العباسية في العصور الوسطى، ‎وبعد سلسلة من الغزوات والفتوحات أصبح العراق تحت حكم البويهيين والسلاجقة الأتراك ثم سقط بيد المغول، العام 1258 م.

‎أصبح العراق ضمن سيطرة الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، ولكن بشكل متقطع كان تحت السيطرة الإيرانية الصفوية والمملوكية، ‎وانتهى حكم الدولة العثمانية مع الحرب العالمية الأولى، واحتلت الإمبراطورية البريطانية العراق وأصبح تحت ادارتها المباشرة حتى قيام المملكة العراقية في 1921 ثم نيله استقلاله رسميا عام 1932 م.

‎انتهى العهد الملكي بقيام الجمهورية العراقية في أعقاب حركة 14 تموز 1958، وقد توالى حكم الجمهورية رؤساء عدة، للفترة 1979-2003، وفي هذه الفترة اندلعت الحرب العراقية- الإيرانية، ومن ثم حرب الخليج الثانية.

شهد مطلع العام 2003، غزو العراق، الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية، ‎وفي أعقاب ذلك الغزو تفاقم تدهور الوضع السياسي، واندلعت الاضطرابات الطائفية في الفترة 2006-2007، إذ كان العراق على شفا حرب أهلية. تمكنت الحكومة العراقية عام 2011، من الاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية بسحب قواتها وفق اتفاقية استراتيجية بين الطرفين، وعلى إثر ذلك انتهى الوجود الامريكي بشكل كامل. إلا ان ما شهده العراق عام 2014، من عودة للمجاميع الإرهابية تحت مسمى (داعش) أتاح الفرصة من الجديد لعودة القوات الامريكية للعراق تحت غطاء محاربة الارهاب الداعشي.

- السياسية ترسم الجغرافيا:

‎لا يمكن ان نبتعد بالأحداث عن التخطيط الغربي من اجل العودة للمنطقة قبل انتهاء مفاعيل اتفاقيات لوزان وسايكو بيكو التي تم عقدها عام 1916 التي على إثرها تم تقسيم مناطق النفوذ بين الدول المنتصرة بالحرب العالمية، وكذلك مفاعيل الاتفاق الدولي الجديد، وترتيب علاقتها بدول الحلفاء المنتصرين في الحرب، ورسم الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة وتعيين حدودها مع اليونان وبلغاريا، وتنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية ومالية وأي حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، إلى جانب تنظيم استخدام المضايق البحرية التركية في وقت الحرب والسلم، وبينما يمكن اعتبار وجود هذه المواضيع -بغض النظر عن إجحافها من عدمه- أمرًا طبيعيًا في المعاهدة بعد الحرب، إلا أن المواد الأخرى تعكس الغرض الحقيقي من معاهدة لوزان على مستوى تركيا والمنطقة، إذ ضمنت الكثير من البنود تنظيم علاقة المواطنين بالدولة الجديدة وكأنها مواد من الدستور وليس معاهدة سلام بين طرفين متحاربين.

المبحث الأول: الجغرافية الاستراتيجية للعراق واهميتها بين دول الجوار

‎كان موقع العراق الجغرافي أحد المميزات الأساسية له في تاريخه الطويل، وفي الوقت نفسه كان أيضاً أحد الأسباب التي جعلته ممراً للغزاة والفاتحين وميدان للصراع والاقتتال بين الأمم الغازية وسكانه أو بين الغزاة أنفسهم.

‎ومع أن حدود العراق تاريخياً غير محددة المعالم كحال أغلب دول المنطقة، بسبب التقلبات السياسية ووجود الإمبراطوريات التاريخية، إلا أن المنطقة التي تسمى تاريخاً العراق أو بلاد الرافدين تمثل الجزء الشمالي الشرقي من جزيرة العرب، والمنطقة الممتدة من بادية الشام غرباً إلى سلسلة زاكروس شرقاً (إيران)، ومن الصحراء الفاصلة بين نجد والفرات والخليج العربي جنوباً إلى الامتداد الطبيعي لجبال زاكروس (تركيا)، ومن خلال ذلك فالعراق التاريخي أو بلاد الرافدين تضم بالإضافة إلى العراق الحالي جزءاً من الأراضي السورية والتركية الحالية، والتي تسمى بمنطقة الجزيرة (المنطقة المتموجة المحصورة بين دجلة والفرات).

‎قد يحصر البعض اسم العراق بمنطقة السهل الرسوبي الممتد من جنوب تكريت إلى منطقة الخليج باعتبارها امتداد طبيعي لجغرافية المنطقة من ناحية التكوين الجيولوجي والبشري، وهو تفسير لأصل كلمة العراق في اللغة، ‎والصورتان تعطيان انطباعاً عن الامتدادات الجغرافية والسكانية بين العراق ومحيطه، فالسهل الرسوبي العراقي يمتد في منطقة الأحواز أو عربستان جغرافيا وبشريا (جزء من إيران حاليا)، حتى لا تستطيع التمييز بينهم أرضاً أو سكاناً والمنطقة الجبلية في الشمال تتداخل مع الأراضي الإيرانية والتركية أيضاً سكاناً وتضاريس، أما المناطق الغربية والجنوبية، فهي امتدادات طبيعية لبادية الشام وصحراء نجد والتي كانت تتبع ولايات العراق في بعض الأوقات أيام الدولة العثمانية.

‎بكل الأحوال فان العراق الحالي يمثل الولايات العثمانية الثلاثة بغداد والبصرة والموصل مع بعض الاختلافات بسبب تغير حدود هذه الولايات في زمن الدولة العثمانية أو بعدها وخصوصا في أجزائها الجنوبية والغربية، وقد رُسِمَتْ هذه الحدود من خلال مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع الدول المجاورة أو مع الدول التي كانت تحتلها، علماً أن أغلب هذه الحدود وخصوصا الشرقية منها تقوم على اتفاقيات الدولة العثمانية مع الدول الإيرانية المتعاقب، وعلى إثر ذلك فالحدود المائعة والمختلف عليها للعراق كانت أحد نقاط التوتر المستمر مع جيرانه (كما أنها أحد نقاط التواصل والانتقال)، وخصوصاً في الحدود الشرقية مع إيران مما سبب في حروب مستمرة طوال الخمسمائة سنة الماضية، وما زال الصراع والاختلاف عليها مستمراً لحد الان.

المبحث الثاني: التأثير الاقتصادي المتبادل بين العراق ودول الجوار

‎إن من المفيد للعراق، والدول الإقليمية، الشروع في علاقات اقتصادية وتجارية متكافئة مستفيدة من خلال خفض تكاليف النقل، كما إن تنويع المشاريع يعزز التكامل الاقتصادي فيما بينها. ‎لكن ذلك لم يحدث على الوجه الاكمل منذ تأسيس الدول والممالك الحديثة، بسبب الصراع والموقف من إسرائيل، والتحالفات مع الدول الكبرى التي ترسم سياسات كل دولة ولا تجعلها مستقلة.

إيران.. الأمن والاقتصاد

‎منذ بداية الحرب العراقية -الإيرانية، التي اندلعت في العام ١٩٨٠، والتي استمرت ثمان سنوات توقفت الصناعة في العراق، ليتحول إلى سوق لسلع دول الجوار، ‎وبعد العام ٢٠٠٣، تعززت العلاقات التجارية بين العراق وإيران، ‎وأظهرت بيانات، أن السلع الإيرانية تشكل أهمية نسبية كبيرة من إجمالي الاستيرادات العراق كونه أصبح سوقا مهماً لها، فيما لم تسجل الصادرات العراقية إلى إيران، أرقاما مهمة، ‎وشكلت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق وإيران خاصية متميزة، كونه ارتبط بالأمن والسياسية إلى حد كبير. وبهذا الصدد قال رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية في بداية العام ٢٠٢٣، إن من المتوقع أن تصل قيمة التجارة الثنائية بين البلدين إلى 10 مليارات دولار، قبل انتهاء السنة التقويمية الإيرانية الحالية في 20 اذار 2023.

‎يستورد العراق، الغاز من إيران، بشكل واسع، لتشغيل مصادر الطاقة الكهربائية في ارجاءه، لعبت الدبلوماسية الاقتصادية بين العراق وإيران، دوراً محورياً في بناء علاقات قوية بين البلدين الجارين، وأدى ذلك إلى امتعاض الدول الغربية، ودول المنطقة المتخاصمة مع إيران، من ازدياد نفوذ طهران في العراق. وفي بداية تقدم (داعش) داخل الأراضي العراقية أعلنت إيران عن استعدادها للتدخل العسكري في العراق لمواجهته.

‎شهد الثالث من أيلول 2014 شنت مقاتلات إيرانية ضربات على تنظيم داعش في شرق العراق.

‎وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية إن الغارات الجوية التي شنها الإيرانيون بواسطة طائرات (فانتوم اف -4) لم تكن بتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية وأن الحكومة العراقية هي التي كانت تنسق الضربات الجوية التي تشنها دول مختلفة ضد داعش. ‎واعترف مسؤولون عراقيون بتأثير الدور الإيراني في الحيلولة دون تقدم تنظيم داعش وسقوط بغداد واحتلال العراق وأعربوا مراراً عن تقديرهم البالغ للجمهورية الإيرانية، إذ يمكن القول إن إيران اليوم، هي من أكثر الدول تأثيرا على السياسات في العراق، بسبب الجوار الجغرافي، ووجود حلفاء عقائديين لها في العراق، ويستطيعون تشكيل لوبي قوي ضد أي محاولة لتخريب العلاقات بين البلدين.

‎أثبتت سنوات الحرب على داعش، إن العراق سيكون لقمة سائغة لدول الجوار السنية، التي ترى في النفوذ الشيعي في العراق، خطرا عليها، مهما أبدت له يد السلام عبر "المشاريع الناعمة"، ولولا إيران، ما استمرت السلطة بيد الشيعة، ‎ولأستبدل ذلك لصالح قوى سنية، او جهات شيعية متحالفة مع دول الخليج والولايات المتحدة الامريكية.

الأردن.. صديق ، ولكن ....

‎يعتمد الأردن كثيرا على تصدير السلع إلى العراق، وعلى استيراد الطاقة منه بأسعار مخفضة، منذ حقبة النظام العراقي السابق ولغاية الآن، ‎بل أن العلاقة التجارية والاقتصادية مع العراق، لها دور كبير في تعزيز النمو الاقتصادي للأردن، وقد استفاد الاقتصاد الأردني، من العراق حتى في أوقات الازمات بحصوله على استثناءات في أوقات الحروب والحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي. ‎كما اثّر النزوح والأوضاع الأمنية غير المستقرة في سوريا والعراق على الحركة التجارية، اما في حال استقرت الأوضاع في العراق، فان الأردن يستفيد من ذلك، كثيرا بسبب موقعه الجغرافي المهم

‎وضع الأردن والعراق حجر الأساس لمشروع الربط الكهربائي، الهادف في مرحلته الأولى إلى تزويد الجانب العراقي بقدرة كهربائية من الأردن تصل إلى 150 ميغاواط. ‎ويمثل النفط عنصراً مهماً في العلاقات بين البلدين، ومنذ ثمانينات القرن الماضي أمّن العراق معظم احتياجات الأردن من الطاقة بأسعار أقل من أسعار السوق العالمي للطاقة، ‎وفي اواخر التسعينيات، شكّل النفط العصب الرئيس لازدهار تجارة الأردن مع العراق بعد حصوله على استثناء من نظام العقوبات الدولية الواسع النطاق على العراق، حيث باع العراق النفط إلى الأردن بأسعار دون مستوى أسعار السوق بعد تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء، واستفاد الأردن كثيرا من ذلك حيث سدد ثمن النفط المدعوم على شكل سلع استهلاكية، وتم منح بعض الشركات الأردنية بصفة أساسية احتكاراً في توريد سلع معينة.

‎على الرغم من الفائدة الاقتصادية الكبيرة التي يجنيها الأردن من العراق، وعلى رغم من ان القوى الشيعية تمد له يد العون والصداقة، لكنه أسير تحالفاته مع الخليج والغرب، وبقيت يشكل حاضنة رئيسية للمعارضين للنظام السياسي الجديد في العراق، عبر ايواءه لهم.

تركيا.. النفط والتجارة وممرات الارهاب

‎يمثل الجوار الجغرافي والحاجة الطبيعية والجيوبوليتيكية مصلحة مشتركة بين البلدين، فتركيا تمثل بوابة العراق لتصدير النفط، ‎كما يمثل تصدير السلع التركية والاطلاقات المائية، محور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ‎وعلى رغم من استفادة انقرة من نفط وسوق العراق، لكنها لعبت دورا سلبيا في غض النظر عن تسلل ارهابيي العالم إلى العراق وسوريا، ‎وتسببت في ازدياد الجفاف وخاصة في محافظات جنوب العراق، بسبب السدود التي شيدتها داخل الأراضي التركية، ما أدى إلى نزوح سكان الارياف في العراق باتجاه المدن، ‎وبعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام ٢٠١١، سعت تركيا إلى جذب القادة العراقيين السنة اليها لتشكيل لوبي تابع لها في العملية السياسية، لمعادلة النفوذ الإيراني المنافس لها. ‎كما إن لتركيا علاقات خفية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، متمثلة في مصالح تخادمية لتصدير النفط العراقي بصورة غير شرعية.

الخليج.. نظرة طائفية ومحاولات تسلل

‎تحكمت النظرة الطائفية في مواقف دول الخليج من العراق بعد ٢٠٠٣، ورات فيه حكما شيعيا، لا يمكن التعايش معه، ‎لكن تزايد النفوذ السياسي والاقتصادي، لإيران في العراق، دفع تلك الدول وبدعم امريكي إلى الانفتاح على العراق لاعتقادها إن ذلك سوف يقلل من نفوذ إيران ويقلل من الارتماء العراقي في حضنها، لكن التسلل إلى العراق عبر الاستثمار الخليجي ليس سهلا ويجابه بالرفض من قبل الكثير من الجمهور الشيعي وقواه السياسية، ‎وقد تكون قطر الأقرب إلى النجاح، بحكم علاقاتها مع ايران، فتبدو مقبولة من قبل أصدقاء ايران في العراق، ‎وفي هذا الصدد، اعلنت شركة قطر للطاقة استثماراتها الكبيرة كبداية للاستثمار الخليجي. ‎تسعى قطر إلى حصة في مجموعة من مشاريع الطاقة في العراق بقيمة 27 مليار دولار تابعة لشركة "توتال إنرجيز" الفرنسية، ومثل هذه الصفقة سوف تعوض رفض شركات عالمية، العمل في العراق بسبب ضعف العائد من اتفاقيات تقاسم الإيرادات، او لأسباب امنية وسياسية.

‎على المستوى الرسمي، ترى الهيئة الوطنية للاستثمار بالعراق بضرورة التباحث مع دول خليجية كالإمارات والسعودية، لتطوير النظام التشريعي والقانون في العراق، للخروج بقانون استثمار محدث بالتعاون مع دول الجوار.

السعودية.. نصائح أمريكية بإنهاء القطيعة

‎بعد قطيعة سياسية واقتصادية طويلة، سعت السعودية للاستثمار في العراق، وهو مشروع له ابعاد سياسية أيضا، بعد الاستماع إلى نصائح أمريكية بضرورة منافسة إيران تجاريا واقتصاديا في العراق، ‎فالسعودية تعتبر العراق ساحة تنافس إقليمي مع إيران، وهي تدرك مديات النفوذ الإيراني داخل العراق واحتمال امتداده إلى داخل أراضيها، وخاصة في المنطقة الشرقية من السعودية، لذا يبدو وقف انتشار النفوذ الإيراني وإمكانية تصدير قيم النظام الثوري الإيراني هو أحد الاهتمامات الرئيسة للسعودية في الملف العراقي.

‎تعتزم السعودية تأسيس شركات إقليمية لاستثمار 90 مليار ريال (24 مليار دولار)، وفق مجلس إدارة صندوق الاستثمارات السعودية العامة، في تصريحات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

‎وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، الذي يترأس مجلس التنسيق السعودي-العراقي، انه يتوقع أن يصل حجم الاستثمارات السعودية إلى 2.6 مليار دولار تقريبا في قطاعات عراقية مختلفة، خاصة في مجال الطاقة، والصناعة، والثروة المعدنية، والزراعة. تشير أحدث الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين السعودية والعراق العام 2020 ارتفع إلى 3.88 مليارات ريال (1.34 مليار دولار)، فيما كان عام 2019 نحو 3.41 مليارات ريال (909 مليون دولار)، موزعة بين 3.37 مليارات ريال (898 مليون دولار) صادرات سعودية، و41.8 مليون ريال (11.2 مليون دولار) صادرات عراقية، مما يعني أن العراق يحتل المرتبة 11 بين الدول العربية في حجم التبادل التجاري مع السعودية، إذ كان للإرهابيين القادمين من السعودية دورا كبيرا في إشاعة الفوضى الأمنية في العراق بعد العام ٢٠٠٣، ‎وقد كان تغض عن تحركاتهم، وتسهل لهم الطريق للدخول إلى العراق، عبر توجيهات غير مباشرة. ‎وعلى غرار قطر والامارات، سعت السعودية إلى لوبي لها داخل العراق، مكون من قوى سنية وحتى شيعية، وهي تتنافس مع قطر وتركيا، لشراء مواقف شخصيات سنية معروفة.

الإمارات.. لوبي عبر المكون السني

‎الموقف الاماراتي يتطابق كثيرا مع الموقف السعودي من العراق، فلقد سعت الامارات طويلا إلى عقد تحالفات مصالحية مع قوى سنية لتشكيل لوبي لها داخل العراقي يوازي النفوذ الإيراني، وصدح اعلامها طويلا بلهجة طائفية مثيرة للفتنة، وحين وجدت الطريق مسدودا، استمعت إلى النصيحة الامريكية بالتقارب مع العراق.

‎أعلنت الإمارات في أبريل/نيسان 2021، استثمار مبلغ 3 مليارات دولار في العراق في مجال الطاقة، وتأسيس مجلس الأعمال العراقي الإماراتي والتعاون الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب، وتشهد العلاقات الإماراتية -العراقية تطوراً ملحوظاً، وتبادل البلدان الزيارات وعقدت العديد من الاتفاقيات الثنائية، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية.

يعود تاريخ العلاقات الإماراتية - العراقية إلى عام 1971، حينما دعمت بغداد استقلال الإمارات، وبالمقابل دعمت الإمارات العراق اقتصادياً أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وبعد سقوط النظام البعثي في العراق، كان موقف الامارات ‎سلبيا تجاه التغييرات في السنوات الأولى، ‎وعلى طريق التقارب الناعم، وتحسين سمعتها، قامت الإمارات بإعادة بناء وترميم جامع النوري ومنارة الحدباء في مدينة الموصل، كما أعلنت عن استثمار 3 مليارات دولار.

الكويت.. حياد تجاه الاحداث العراقية

‎بقيت الكويت إلى حد ما منعزلة عن السياسة الخليجية عن العراق، والتزمت الحياد بشأن التطورات فيه بعد العام ٢٠٠٣، لكنها سعت إلى تكوين جماعات ضغط ومولاة لها داخل العراق وهو لوبي نخبوي، عن طريق تعزيز العلاقات الشخصية مع زعماء وأحزاب وبرلمان وشخصيات أخرى نافذة. ‎وتتحدث معلومات عن انها تقدم بصورة منهجية الأموال والهدايا لشخصيات نافذة داخل العراق، ‎وشكلت المشاكل العالقة بخصوص ملف التعويضات التي يقدمها العراق للكويت منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990 وترسيم الحدود، ميزانا لتطور العلاقات، لكنه تدرك إنها ربحت كثيرا بزوال نظام صدام حسين، وكان موقفها اكثير إيجابية من العراق مقارنة بدول الخليج الأخرى.

‎لازالت الكويت تشعر بالقلق إلى الان من تصاعد تصريحات مسؤولين عراقيين ونواب حول ميناء الفاو، واتهامات لها بالتمدد داخل الأراضي العراقية، فضلا عن تصريحات لمسؤولين عراقيين عن استئجار جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين الذي عدته الحكومة الكويتية بمثابة تهديد وتكرار لسياسات النظام السابق.

سوريا.. علاقات ضعيفة

‎على رغم ثقل البلدين الإستراتيجي، والحاجة المتبادلة بينهما، لكن العلاقات العراقية – السورية بقيت في حالة انحسار خلال حقبة النظام البائد، وحقبة ما بعد ٢٠٠٣، فيما كان المتوقع انها سوف تتجه إلى التحسن، ‎وعلاقة العراق مع سوريا خضعت إلى ضغوطات أمريكية بعد التقارب بها على اعتبارها انها مصنفة ضمن محور المقاومة الذي تقوده إيران ضد إسرائيل، ووصل توتر العلاقة على أشده في عام ٢٠١٠ الذي اشارة إلى تورط سوري في ادخال المفخخات إلى العراق، ‎فشلت سوريا في التقارب مع العراق إذ كان يتوجب عليها استثمار التغيير، وعلاقتها الجيدة برموز المعارضة العراقية لحكم صدام، وهي ميزة لا تتوفر للدول الأخرى، ‎لكن على ما يبدو فان التقارب مع سوريا، خط احمر، للولايات المتحدة التي هيمنت على توجيه سياسات العراق منذ العام ٢٠٠٣.

‎خلال الحقبة الداعشية، تبنت الحكومة العراقية الموقف الداعم لسوريا لخشيتها من تأثير الأزمة السورية على الوضع العراقي، وفهم الحكومة العراقية بقيادة السيد نوري المالكي، ان اي تغير متطرف في سوريا سينعكس بشكل سلبي على العراق، (لو تطلب الامر ان اخذ الجيش العراقي واقاتل من اجل الدفاع عن دمشق).

‎كانت التجارة المتبادلة المتواضعة، لا توجد مشاريع استراتيجية مشتركة بين البلدين، كما إن نقل النفط العراقي‎ عبر سوريا، بقي احلاما مؤجلة، وبسبب الضغط الاميركي وقانون قيصر، ويبقى التقارب الشعبي بين الشعبين السوري والعراقي وخير رسالة ما حصل قبل ايام بحادث الزلزال وتوجه الشعب والقيادة والمرجعيات الدينية بضرورة دعم والتبرع للشعب السوري على القيادات في دول المحور التفكير والتخطيط لتطوير وتحصين العلاقة بين العراق وسوريا لأهمية الطريق الرابط بين العراق وسوريا وضرورة تحصينه وتأمينه لحفظ خط امداد المقاومة. 

‎يحتاج العراق إلى علاقات متوازنة، من خلال تطوير العلاقات مع الدول الخليجية، التي تمتلك رؤوس أموال ضخمة وخبرة كبيرة في الاستثمارات التي يمكن إن تؤسس مشاريع عملاقة تمتص البطالة وتنمي الاقتصاد، لاسيما ان العراق بحاجة الى توسيع التبادل التجاري مع سوريا، وكذلك في مشاريع نقل الطاقة، والاستفادة من الامتداد الجغرافي الواسع بين العراق وكل من سوريا، فضلاً عن إقامة مشاريع زراعية ضخمة، فضلا عن التنقيب عن المعادن والغاز، وانشاء المحميات الطبيعية، والمزارع الواسعة العابرة للحدود، وطرق النقل التي تدر أرباحا كثيرة للبلدين.

على الرغم مما تقدم، لابد من الاعتراف إن الاستثمار في العراق هو ضحية السياسات، كونه تحول إلى ساحة معركة بين المتنافسين، ‎والتحالف الأمريكي مع دول الإقليم، وقد يفقد هذا التنافس قدرة العراق على استغلال كل فرص الاستثمار المتاحة. ‎فالاستثمار الخليجي -الأمريكي وحتى التركي سوف يلقى معارضة واسعة من أصدقاء إيران في العراق، والعكس صحيح أيضا إذ إن الولايات المتحدة، سوف تعرقل مشاريع استثمار دول محور المقاومة في العراق، وقد تلجأ إلى فرض عقوبات اقتصادية عليه.

التوصيات: لابد من التعامل مع العراق من اجل تعميق التعاون بين الشعب والحكومة العراقية

‎تفاهمات لأجل التصدي للصراع الدائم

‎إن الصراع التاريخي للسيطرة على العراق لن ينتهي، ودليل ذلك انه يتجدد في كل حقبة تاريخية، فمن امتلك مفاتيح العراق، فتحت له أبواب النفوذ الإقليمي، ووجد له مكان متميزا وقويا في النظام العالمي، و‎من تلك اللقطات التاريخية التي تؤكد وجهة نظرنا هذه، الصراع مستمر سواء عبر الصدام المباشر او عبر ‎الوكلاء، فمن الصراع بين الدولة الاموية والدولة الاسلامية بقيادة الامام علي ع، إلى الصراع العثماني الصفوي، ومن ‎ثم الصراع العثماني الإنكليزي، ولاحقا الغزو الوهابي للعراق واستباحة كربلاء، وبعده الغزو الاميركي للعراق عام ٢٠٠٣، ومن ثم الغزو الداعشي لأراضي بلاد الرافدين العام ٢٠١٤.

‎كل ما تقدم يشير الى اهمية هذه الارض واستراتيجية موقعها الاستراتيجي، ما يتطلب إرساء تفاهمات تجعل منه منطقة حياد، وان يعزز ثقة الأطراف المتنافسة والمتخاصمة بان من مصلحتها إن تلتقي على الساحة العراقية التي تتسع للجميع.

استراتيجية شعبية حكومية

‎واحدة من ضغوطات الخارج ما شهده العراق اخيراً بحركة الدولار، من اجل ارباك الاقتصاد العراقي وهي رسالة اميركية للعراق بكل أطيافه، ‎وقد شهدنا الكثير من الابتزاز الخارجي من دول الجوار بقضايا كثيرة منها الماء من خلال الضغط التركي او تسهيل دخول داعش والإرهاب، أو منافذ تصدير النفط. ان ‎الوضع الجغرافي للعراق فرض معادلة صعب تحقيقها في ان يكون العراق بلدا متوازنا بالعلاقة مع جيرانه "الخير والشرير"، وهو توازن منصف يتجلى من خلال ردود افعال دول الجوار ودعم العراق بحربه ضد داعش، اذ لم نجد الكثير من الدول تتفاعل مع العراق بحرب داعش بينما كان تفاعل الجمهورية الاسلامية وروسيا وسوريا تفاعلا بلا حدود، من ناحية دعم العراق.

بلا شك نحن نعيش واقع تثبيت معالم المئة سنة القادمة، بعد انتهاء مفاعيل سايكس بيكو، ما يُوجب علينا وضع استراتيجية شعبية حكومية، لتحمل النتائج بالاقتصاد والسياسة والانفس من اجل بناء دول مستقرة للأجيال بعيدة عن سياسة الفرض التي تمارسها الدول الكبرى على دولنا ومستقبل أولادنا.

الخلاصة:

‎ما تشهده الحكومة العراقية (حكومة السيد محمد السوداني) من احداث، لاسيما انها مدعومة قوى شيعية وفصائل مقاومة، بدا ‎واضحا إن العراق لابد إن يوازن في علاقته، لكن وفقاً لما يحقق مصالحه كدولة. فعلاقات حكومة السوداني مع إيران واثقة، وهناك ثقة ‎متبادلة، ليصبح انطلاقها نحو دول الخليج مؤيدا، حتى من إيران نفسها، وفق ما تمليه مصلحة العراق ودول محور المقاومة، ومثل هذا الانفتاح يتطلب الحذر من الانجرار تدريجيا نحو مسار توريطي، عبر الاغراء بالمصالح والمشاريع المشتركة. فضلاً عن استثمار المناسبات الكبرى من زيارة الاربعين او غيرها من المناسبات المهمة لتوثيق ثقافة المقاومة وتكامل المشاريع الاقتصادية والثقافية وتوثيق الجسور بين شعوب محور المقاومة 

التطور الأخير يوجِب الحذر

وفي حقبة رئيس الوزراء محمد السوداني، اصبح واضحا جدا إن واشنطن تريد الهيمنة على القرار العراقي عبر بوابة الدولار الذي تتحكم به، وقد خلى البيان العراقي الامريكي بعد انتهاء مباحثات ثنائية في واشنطن، من تأجيل القيود الامريكية على أسواق صرف الدولار في العراق، فيما ركز على تحقيق استقلال الطاقة في اشارة الى ابعاد العراق عن الشراكة الإيرانية في هذا القطاع الحيوي، فضلا عن استعداد امريكي لربط النظام التكنولوجي العراقي بالآليات الاميركية ما يعني هيمنة مطلقة على مسارات السياسية والاقتصاد في العراق.

وبالفعل، فقد وقّع السوداني مذكرة تفاهم مع جنرل الكتريك الأميركية في ‏16‏ شباط‏، 2023،

والقصد منه ليس ابعاد ايران فقط، بل سيمنس الألمانية أيضا التي زار مقرها السوداني من قبل في برلين.

ولن يتخلص العراق من هذه الوصاية الامريكية، الا ببناء بنية تحتية ذاتية للطاقة، متطورة وكافية، وتنمية البلاد في كافة المجالات للتخلص من كل أنواع الهيمنة الغربية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن