كتب : غالب خزعل
جلست والدمع يترقرق من عينيها وهي تصغي السمع لخطيب يتحدث عن امرأة قل نظيرها من النساء بعد امها ,ففي الصبر كانت صخرة تكسرت عليها كل نصال الحقد والعدوان , وثلمت كل سيوف البغي , وقطعت كل سياط الجبروت , وفي البلاغه الجمت كل افواه الملحنين وفي العطاء كان عطاؤها كنهر الكوثر الذي خص به الله هذه الاسره وهي وريثة سيد الانام وهادي الخلق محمد رسول الله صل الله عليه واله السلام كما ورثت علم الفصاحة والبلاغه من ابيها الذي كان كلامه تحت كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ووريثت امها فاطمة الزهراء عليها السلام نهر العطاء (الكوثر)اما في الشجاعة فقال فيهم رسول الله صل الله عليه واله وسلم لو كان كل اولاد عبدالمطلب ذكورا لكان اجمعهم شجعانا وابطالا , وفي التضحيه فكان ابوها اول من ضحى من اجل الرسول حين نام بفراشه ليحيا الرسول ويمضي دين الحق .
وكلما ذكر لها خصلة ورثتها تلك السيدة العظيمه ترقرق دمعها وسال على خديها ومازال في الحديث بقية اما لضيق الوقت او تركه للاجيال اللاحقه او للزمن القادم لكشف سر هذا العطاء وكما يقول شاعرهم:
( ستبدي لك الايام ماكنت جاهلا وياتيك بالاخبار من لم تزود)
نعم انه عطاء اسره لم ينفد في مر العصور وسالف الازمان وهو عطاء بلا مقابل من اجل ان تكون كلمة الله هي العليا وكلمة اهل الباطل والشياطين السفلى فلذلك كل مااعطت هذه السيده من اخوة وابنائهم وابنائها وهي تراهم موسدين على الثرى مشتبكه في اجسادهم السهام تراه قليلا بحق الله مجسدة ذلك بقولها (ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ) وتركت الباب مفتوحا للعطاء كلما حكم الطغاة وسعوا لطمس الحق وهويته وشعارها المدوي الذي ظل يهز مضاجع الطغاة مهما تجبروا عرفوا ان سعيهم هباء منثورا في قولها:
( اسعى سعيك وناصب جهدك فوالله لم تمحو ذكرنا ولاتميت وحينا , وعليك عارها وشنارها الى يوم الدين )
من اكثر منها عطاءا وشجاعة وصبرا وهي تطعم السيوف من الاكهلين الى الرضع ومن اجلد منها وهي توبخ اعتى طواغيت العصر في الكوفة والشام وهم في عز تفاخرهم بنصر مزعوم وموهوم حتى بهتوا كما بهت النمرود امام من جمعهم وهزموا كما هزم فرعون ثم لاذوا فرار يجرون اذيال الخيبه بعد ان حسبوا انهم انتصروا فبان حقيقة النصر المؤزر في بلاغة السيدة زينب عليها السلام ورباطة جأشها أزهق الباطل امام جمع غفير من الناس وانقلب سحر يزيد واعوانه عليهم وتناثرت عنهم عزة النصر المزعوم وهم ملعونون اينما حلت ذكراهم وكلما ذكر الامام الحسين عليه السلام بالصلاة والتسليم , يذكر يزيد وعبيدالله ومن ولاهم بالعن وكانهم مصداق للاية الكريمة:
( اولئك لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا).
بقوة ايمانها بالله ونصره وحفظه قلبت موازين النصر العسكري امام من جمعهم سلطان يزيد عليه اللعنه غلبته حكمة الايمان وبلاغته ولاعجبا من هذه السيده عظيمة القدر ورفيعة الدرجه في الدين والدينا ان تهز متكأ الطغاة وكأن صوتها الهادر من اعماق الزمان ظل جرحا نازفا من خاصرة كل الطغاة فهم لايهنئون بنصر ولايعزون بمعقد مهما بلغ علوه ومهما كثر عدد غلب الرجال من حوله نعم انها عقيلة الطالبين الذي اعتلت عرش القلوب في كل بقاع العالم وقد صنعت عرشها هذا من البلاءات التي واجهت جدها الرسول الاكرم محمد صل الله عليه واله وسلم وابيها وامها واخوتها وهم يواجهون اعظم البلاءات عليهم بعد انتقال جدها الى الرفيق الاعلى كأن قول الشاعر منصب فيهم :
( وتصغر في عين العظيم العظائم ).
لم يكف دمعها من الجريان حتى وقف في قول الخطيب عندما ذكرها (بأم المصائب ) منتفضة عليه صارخة بأعلى صوتها انها ام العطايا .. ام العطايا .. ام العطايا ... مردفة بقولها كلها العطاء في سبيل الله منذ نشأتها وحتى شهادتها وهي من الذين يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ونقول ام المصائب بل هي عنوان للعطاء والتضحيه والجود بالنفس اقصى غاية الجود , فان فرغ فؤاد أم موسى على رضيع واحد عاد اليها , فهي اعطت الاربعة دون ان يفرغ فؤادها من العطاء ..
فسلام على زينب يوم ولدت من رحم العطاء وسلام عليها يوم قدمت اخوتها وابنائها قرابين في سبيل رضوان الله تعالى وسلام عليها يوم تقف عند مليك مقتدر تحاج بها خصومهم فسلام , سلام ...