كتبت : ا. د ازهار صبيح
إذا ما حاولنا عزل الأسباب التقنية، والتحول الذي طرأ على بنية العملية الاتصالية ومسارها، في غضون العقود الأخيرة من السنوات، وما ترتب عليهما من تحكّم العامل التكنولوجي في الصناعة الصحفية، ومن ثم بروز صحافة الانترنت وهيمنها.
يُمكن تحليل واقع انحسار الصحف في العراق، عن طريق تشخيص أسبابه المحلية. والتي تكمن أولاً ـ وقبل أي سبب آخر ـ في "اللامؤسساتية" التي صدرت في ظلها العديد من تلك الصحف، إذ غياب سياقات العمل المهني الواضح، وانعدام الرؤية التأسيسية لوجودها، والبرنامج المستقبلي لاستمرارها.
فالعديد من الصحف لم تصدر ـ أساساً ـ بوصفها كياناً قائماً بذاته ـ يمثل مشروعاً صحفياً خالصاً ـ وإنما جاءت بمثابة منصة ترويجية لشخصية معينة أو تجمع ما، فكان من الطبيعي أن ينتهي وجود تلك المنصة بانتهاء غايات تلك الشخصية، أو تبدل أولويات ذلك التجمع.
غير ذلك، هناك عامل الإعلان، إذ يمارس فعله الضاغط وأثره الفاضح في تحديد مصير حياة تلك الصحف من عدمها، وهو الذي عادة ما يخضع ـ والحديث لا زال عراقياً ـ لاشتراطات وتوازنات وصفقات لا تمت لجوهر العمل الصحفي بشيء، لكنه يستطيع ـ بيسر شديد ـ إنهاء وجود ذلك العمل على نحوٍ تام.
في إطار الأسباب أيضاً..
ثمة حالة من اللايقظة، فضلاً عن عدم الاهتمام، من جانب الدولة ـ ولا أقول الحكومة ـ في تقديم بعض من الدعم المالي ـ غير المشروط، والمؤطر قانونياً ـ إلى المؤسسات الصحفية التي تتوافر على الاشتراطات المقبولة للمؤسسة، إذ يُقدم هذا الدعم في حال الأزمات المالية التي تُهدد بقاء الصحف وديمومتها، الأمر الذي يجعلها بمأمن عن السقوط في هوّة الإغلاق، بكل ما يترتب على ذلك من تسريح تعسفي للعاملين فيها.
مثل هذا الدعم، أراه واجباً على الدولة، ليس بمؤسساتها الرسمية فحسب، بل يشمل أيضاً جميع مؤسسات القطاع الخاص وشركاته العاملة في العراق، المنتفعة من ثرواته الطبيعية والبشرية، باعتبار أن ذلك جزءاً من مسؤوليتها الاجتماعية التي يتحتم عليها الإيفاء بها إزاء المجتمع، بما في ذلك الصحف الناطقة باسمه، لا باسم الطارئين عليه!