حمزة شريف
حددت مراجعة جديدة حول مكافحة التصحر، والتي نُشرت في مجلة (Earth-Science Reviews)، أن الاحياء المجهرية في التربة مهمة لمكافحة التصحر. ويشرح معدوها كيف يلعب مجتمع متنوع من البكتيريا والفطريات وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة أدوارًا حيوية في تعزيز صحة التربة، مما يؤثر على وظائف النظام البيئي والإدارة المستدامة للأراضي.
ومن المرجح أن تؤدي تأثيرات تزايد التصحر، الى فقدان التنوع البيولوجي وانقراض الأنواع واستنفاد مغذيات التربة والتهديدات التي يتعرض لها الأمن الغذائي وإمدادات المياه وزيادة حدوث العواصف الترابية (التي تضعف نوعية الهواء وتؤثر على صحة الإنسان والحيوان)، وسيؤدي إلى عواقب اجتماعية واقتصادية. ينشأ التصحر عن التفاعل بين تغير المناخ والأنشطة البشرية.
ومن بين الأسباب البيئية ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار والرياح، وزيادة الإشعاع الشمسي وتواتر الأحداث المناخية المتطرفة، بما في ذلك حالات الجفاف ودورات النينيو/ النينيا (ظاهرة تغير دوري غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، مؤثرًا على المناخ في الكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية وتُعرف الزيادة في درجة حرارة البحر بالنينيو، بينما تُعرف مرحلة التبريد بـالنينيا) ومن المتوقع أن تتفاقم كل هذه الأمور في السنوات القادمة مع تصاعد تغير المناخ، حيث يمكن أن يصبح التصحر قضية مثيرة للقلق بشكل متزايد.
وتتفاقم هذه العوامل البيئية بسبب تدخل الإنسان في العالم الطبيعي، مثل إزالة الغابات من أجل الحطب وتطهير الأراضي للزراعة بالرعي الجائر وغيره والتوسع الحضري، ويؤدي نمو المحاصيل المكثف (وخاصة الزراعة الأحادية)، واستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية، وأنظمة الري غير الفعالة إلى استنفاد التربة من العناصر الغذائية؛ الرعي الجائر للماشية، مما يسبب ضغط التربة ويزيد من احتمالية تآكلها؛ التعدين.
والإفراط في استخراج المياه الجوفية لدعم العدد المتزايد من سكان العالم. يمكن أن تكون الاحياء الدقيقة، التي تعيش في الفراغات بين جزيئات التربة، حلاً قابلاً للتطبيق لإدارة التصحر لأنها تحلل المواد العضوية وتؤثر على دورة العناصر الغذائية عبر البيئة لتحسين خصوبة التربة وتسهيل عزل الكربون من الغلاف الجوي من خلال تكوين الدبال (مما يزيد من تحسين احتباس المغذيات والماء) وتثبيت التربة لمكافحة التآكل، من خلال العلاقات التكافلية مع جذور النباتات، ودعم التنوع البيولوجي. كما إن لميكروبات التربة تأثيرات كبيرة على توفر النيتروجين والفوسفور لدعم إنتاجية النبات، حتى في التربة الفقيرة بالمغذيات.
اذ تعمل بكتيريا التربة المثبتة للنيتروجين، مثل الرايزوبيوم (Rhizobium) والبراديريزوبيوم (Bradyrhizobium)، على تحويل النيتروجين الجوي إلى الأمونيا، التي تمتصها النباتات على شكل أيونات الأمونيوم.
تشكل البازلاء والفاصوليا والنباتات البقولية الأخرى علاقات تكافلية مع البكتيريا المثبتة للنيتروجين في أنظمتها الجذرية، لذا يمكن أن تكون محاصيل مهمة للنمو في المناطق القاحلة. علاوة على ذلك، يمكن للفطريات التكافلية أن تمد شبكاتها الواصلة إلى عمق التربة، وبالتالي تزيد من توافر المغذيات والمياه للأنظمة الجذرية لتشجيع النمو. وتنقل هذه الفطريات الدقيقة (mycorrhizal fungi) مركبات الكربون العضوية من النباتات إلى التربة، حيث يمكن عزلها كبروتين سكري يعرف باسم "الجلومالين" (glomalin)، وكذلك من خلال تكوين الدبال (السماد العضوي). يتمتع الجلومالين بفائدة إضافية تتمثل في ربط جزيئات التربة معًا، مما يساعد على الاستقرار ضد التآكل.
ونظر البحث أيضًا في كيفية تأثير التطبيق الاستراتيجي لأحياء التربة الدقيقة في العديد من المناطق عبر الكوكب على آثار قابلة للقياس على التخفيف من حدة التصحر.
ويشمل ذلك استخدامها عند معالجة مواقع التعدين، لتشجيع إنشاء أنواع رائدة تمكن من نمو النباتات لاحقا، فضلا عن البكتيريا المقاومة للمعادن القادرة على إزالة السموم من تلوث الأرض بالمعادن الثقيلة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت هضبة اللوس في الصين هدفًا لخطة إدارة "الحبوب من أجل البيئة" التي وضعتها الحكومة في التسعينيات لمكافحة التصحر الناتج عن إزالة الغابات والرعي الجائر، لتشجيع التشجير وترميم الأراضي العشبية من خلال استخدام الفطريات الفطرية الشجرية، وبكتيريا الريزوبيوم (Rhizobium)، والبكتيريا المثبتة للنيتروجين، الأكتينوبكتريا (Endomycorrhizae).
ونتيجة لذلك، لاحظ المزارعون ارتفاع إنتاجية المحاصيل وزيادة الدخل. وبالنسبة لمنطقة الساحل شبه القاحلة المتاخمة للصحراء الكبرى، يهدف مشروع الجدار الأخضر الكبير في أفريقيا إلى مكافحة انعدام الأمن الغذائي والفقر والهجرة الناجمة عن تدهور الأراضي. هنا، تم استخدام التشجير لإنشاء مناخات محلية مواتية للنشاط الميكروبي للتربة للفطريات الشجرية، الأكتينوبكتريا وبكتيريا الرايزوبيوم، مما أدى إلى تحسين صحة التربة بشكل عام. وتتوقف مثل هذه المشاريع على مشاركة المجتمع المحلي، مما يجعل ذلك عنصراً حيوياً في التخطيط لإدارة التصحر.
تضمنت إدارة مناطق التصحر الحضرية، مثل تلك الموجودة في الجنوب الغربي الأمريكي، إنشاء مساحات صغيرة للنباتات، مثل الأسطح الخضراء والحدائق المجتمعية، بالإضافة إلى زراعة الأشجار. وبالمثل، شهد مشروع واحة العين في صحراء الإمارات العربية المتحدة تحسناً في احتباس مياه التربة نتيجة الاستخدام المتعمد لميكروبات التربة.
إن تنويع المجتمعات الميكروبية في منطقة معينة من التربة يزيد من احتمالية التغلب على الضغوطات البيئية، مثل الجفاف ومسببات الأمراض، وبالتالي يدعم المرونة البيئية في مواجهة التصحر. ومع ذلك، فإن تصميم الميكروبات المستخدمة لكل موقع أمر حتمي لأن المجتمعات الميكروبية قد تتفاعل بشكل غير متسق في أنواع التربة والمناخات المختلفة، بالإضافة إلى تفاعلاتها مع الكائنات الحية الدقيقة في التربة المحلية. في حين أن نجاح استخدام ميكروبات التربة في مكافحة التصحر معروف على الأمد القصير، إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتحديد مدى استدامتها على فترات زمنية أطول. وتكمن أهمية هذا البحث في قدرة ميكروبات التربة على تخفيف ضغوط التصحر، الذي لا يؤثر على المجتمعات المحلية فحسب، بل يمكن أن يؤثر أيضًا على الموارد الغذائية في سلسلة التوريد الزراعية على مستوى العالم. توفر النتائج الأمل في إدارة أكثر طبيعية ومستدامة لواحد من تحديات تغير المناخ العديدة.
ترجمة حمزة شريف عن المصدر: Hannah Bird, 2024. Mighty microbes: Soil microorganisms are combating desertification https://phys.org/news/2024-03-mighty-microbes-soil-microorganisms-combating.html