محاضرة الاستاذ سامي العسكري
السيادة مشاعة في العراق
في موضوع السيادة وارتباطها بالوطنية في العراق لدينا مشكلتان متداخلتان: مشكلة الوطنية ومشكلة السيادة، فليست هناك سيادة مطلقة في العالم، كل دول محكومة بمعاهدات دولية وبقوانين ومجموعة أمور والحاكم ليس مطلقاً في بلاده لكن عندما نتحدث عن السيادة وغيابها وأقصد سيادة العراق أتحدث عن الحدود الدنيا المقبولة أسوة ً ببقية دول العالم، هناك خلل واضح في سيادة العراق بسبب عوامل كثيرة أمتدت إلى 40 عاماً والآن نحصد ثمارها، والعراق لا يمكن أن يصل الآن وإن كان نظرياً عضواً في الأمم المتحدة ودولة مستقلة وعضواً في كل المؤسسات الدولية والإقليمية، لكن على أرض الواقع ليست هناك سيادة كاملة بل حتى أزعمها ليست هناك سيادة منقوصة، إنما أرض العراق مياه العراق أجواء العراق مشاعة للخارج والداخل.
السيادة المنتهكة في الحقبة البعثية
والحكومات المتعاقبة على العراق منذ 2003م إلى الآن وأستطيع أن أقول منذ عام 1990م إلى الآن لا تفرض سيادتها وسلطتها على كامل الاراضي العراقية ومن ثم هي سيادتها غير مستقلة، البعض يتحدث أن العراق كان يملك سيادة مثلاً في الحقبة البعثية السابقة، أنا واضح لدي أنه لم يملك سيادة كاملة ويمكن أن تلمس ذلك في خطوط الطول والعرض وغيرها التي كانت تفرض على العراق وتمنع العراق أن يكون حرا في أجوائه فضلاً عن خروج ثلاث محافظات من سيطرة العراق على الرغم من كونها جزءا من العراق.
سيادة العراق بعد 2004 ليست الهم الأول
وموضوع السيادة مرتبط ما بعد عام 2003م بعاملين:
أولاً :- موضوع الآوليات، ما أولويات الحكومات التي حكمت العراق والتي تعاقبت على حكمه منذ 2004 م إلى اليوم، ما الأوليات التي حكمتها هل كانت السيادة وطنية، وهل ان السيادة هي الهم الأول والتحدي الأول التي كانت تواجهه أم هناك تحديات أخرى ؟
بالتأكيد كانت هناك تحديات أخرى طاغية منها موضوع الأمن ومواجهة الإرهاب وموضوع إعادة بناء الدولة ــ بعد سقوط نظام صدام حسين ــ التي انهارت بالكامل و أصبح واجبا على العراقيين أن يعيدوا بناء هذه الدولة، فضلاً عن تبعات الحروب التي خاضها النظام السابق وفرضت على العراق أن يتراجع عن المطالبة بالسيادة.
ثانياُ: الموضوع الأخر الذي يرتبط به أيضاً هو موضوع الوطنية وماذا نقصد بالوطنية! هل هو الشعار الجميل إن العراق أولاً؟ الذي نسمعه بكثرة، لكن هل العراق أولاً لكل عراقي! هل القوى السياسية تضع مصلحة العراق فوق مصالحها الفئوية المذهبية الدينية القومية!!!! أم إن هذه المصالح والهويات الفئوية الثانوية هي المتقدمة على المصلحة الوطنية.
وأنا كعراقي في واقعة واحدة أستطيع أن أتلمس إن هناك سيادة أو شعور وطني عام وهو في مباراة كرة القدم، كل العراقين يريدون للفريق العراقي أن يفوز ويعبرون عن فرحتهم بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لكن غير هذه الواقعة وأمثالها من الحالات تجد إن الكردي يضع كردستان أولاً، والشيعي يضع المذهب أولاً، والسني كذلك، وهذا في الواقع ليس وليد اليوم.
التيارات الفكرية قبل 2003 لم تدفع باتًجاه الوطنية
أتذكر قبل 25 عاماً كنت محاضراً في كوبنهاكن وكان الحديث عن الوطنية قلت إن القوى الفكرية والتيارات الفكرية التي حكمت العراق أو التي سادت العراق منذ تأسيس الدولة العراقية إلى اليوم لم تكن تدفع باتًجاه بناء الوطنية، بمعنى عندما أريد الحديث عن الإسلامي فالإسلامي لا يعترف بهذه الحدود بل يعترف بالعالم الاسلامي والاسلامية، ولا يملك أي مشكلة ولاسيما في قضايا الدين والالتزام أن يكون مجتهده غير عراقي بل أكثر من ذلك و بالنسبة للتيار الاسلامي وهذا خط عام لكل الاسلاميين والاسلامي لا يعترف بهذه الحدود، ويعدها من صناعة المستعمر وبالتالي لا وجود للهوية العراقية بل توجد هوية اسلامية وتوجد بلدان واقاليم وهذا ينطبق على الشيعة والسنة اذا ذهبنا إلى التيار الاسلامي الفكري السني عند كبار علماء المسلمين نفس المفهوم ليست هناك هوية وطنية.
اذهب إلى التيار القومي، فكل التيارات القومية العراق ماهو إلا قطر من أقطار الأمة العربية وهذه الحدود مصطنعة يجب أن ترجع الأمة العربية وتصبح دولة واحدة وكيانا واحدا وهذه الثقافة تربت عليها أجيال.
دعك من الاسلامين والقوميين واذهب للماركسيين والشيوعيين القضية أكبر بل قضية أممية العراق هو جزء من المحور العالمي واجهت الإستعمار هذه التيارات الفكرية التي سادت وتربت عليها أجيال، ما برز شيء أسمه وطني حتى اذا وُجد الطرح كمصطلح مصطنع يكون متأخرا عن الإنتماء الأخر بعد عام 2003 م.
القوى السياسية بعد 2003 لم تستفد من دروس الماضي
وهذه الحقيقة لو تقرأون حديث الملك فيصل الأول وتوصيفه للشعب العراقي ، يتضح عدم وجود وانما هنالك مجموعات بشرية متناثرة -حسب تعبيره - لا يجمعها جامع و وجودات عاشت على أرض العراق لا يجمعها جامع، وكل واحد راض في إنتمائاته القومية والدينية وغيرها، ونحن للأسف ككل ولا أخص تيارا معينا بل كل التيارات حتى بعد عام 2003م بدلاً من أن نعالج ونستفيد من تجارب والأخطاء الماضية، في الواقع تجدنا كرسناه، أي اصبح الكردي أكثر تمسكاً بكرديته مما كان عليه سابقاً ، والاسلامي أصبح أكثر تمسكاً بالاسلامي في مرحلة 2003 كان ما يميز كثيراً بين الشيعي والسني، والاسلام هو يجمع الجميع وخصوصاً أحداث الإرهاب وغيرها بدأ هذا الشرخ يزداد حتى بين الشيعة والسنة، لكن العراقي يقول أنا عراقي ووطني ، عندما كتبنا الدستور لم يكن الإنتماء للعراق أولاً ، بل قوميتي أولاً اذا كنت كردياً مذهبي أولاً اذا كنت شيعيا أو سنيا أسلاميا أولاً ورغم كل الأصوات والكلام لم يبرز تيار وطني يقدم الوطنية والإنتماء للعراق على أي شيء أو على أي إنتماء أخر وهذه قضية فكرية ليس من السهل تجاوزها بل هي قضية فكرية عميقة ليس سهلاً على الإسلامي أن يقول إن العراق له الأولوية على إنتماءاتي الدينية والمذهبية.
اولويات حكومات ما بعد التغيير لم يكن همها الأساس السيادة
على مستوى السيادة العراق أنتهكت سيادته خصوصاً بعد قضية الكويت فأصبح لا يملك من أمره شيئا، ولا يستطيع أن يبيع نفطه واذا أراد بيعه يجب أن يكون تحت مراقبة الأمم المتحدة، و الأجواء العراقية مسيطر عليها ومياهه مسيطر عليها لا يستطيع أن يبيع و يشتري بعد عام 2003م الأولويات التي حكمت الحكومات لم يكن هذا همها الأساسي رغم أنها سعت، وكانت هناك حكومات تسعى إلى خروج العراق من الفصل السابع الذي قيد العراق وأنتهك سيادة العراق بالكامل ونجح إلى حد كبير، واليوم نحن مرهونون كذلك، خذ مثلاً النفط، نحن نبيع نفطنا لكن هل تذهب أموال النفط إلى البنوك العراقية بل تذهب إلى بنك أميركي ويحتاج إلى موافقة الإدارة الأمريكية حتى يتحول المال العراقي إلى المصارف العراقية، الشيء الأخر أرضنا الآن رغم كون المحاولات والرتوش والقوات الأجنبية هي موجودة باستدعاء وبموافقة الحكومة العراقية لكن في داخلنا نحن نعرف اذا العراقيون أرادوا هذه القوات تخرج فهناك ثمن باهض بمعنى الأمريكان يقولوا نحن نخرج لا مشكلة أطلبوا ذلك، ولكن اذا خرجنا سنفرض عليكم عقوبات ونحاصركم، اما جيراننا الأتراك فلا يحتاجون، بمعنى بعشيقة موجودة بمعسكراتهم وعلى حسب الأصول، وعلى مستوى وضعنا الداخلي هل الحكومة فارضة نفسها وسلطتها على أراضيها ووجود هذا السلاح التي لا تسيطر عليه الحكومة وهو سلاح واسع منتشر في كل مكان هل تستطيع أي حكومة الادعاء بأنها مسيطرة على هذا السلاح وخروج كردستان وتصرفها كدولة داخل الدولة العراقية بكل تفاصيل الدولة وهذه العوامل وهذه الوقائع تأكد على إن العراق لم يستعد سيادته وتأكد على إن استعادة سيادته يتطلب شوطا طويلا.
فالحديث كيف للعراق أن يستعيد هذه السيادة أولاً هل مصالح الاطراف السياسية والمكونات الأساسية متشابهة ومتساوية وموحدة أم أنها متعارضة أحياناً بمعنى عندما أريد للدولة العراقية أن تفرض سيادتها على الحدود العراقية وهذا أحد مظاهرها هل تستطيع أي حكومة، كحكومة الأخ الكاظمي أو غيرها فرض سيادتها على حدود العراق الشرقية في المناطق الكردية! بالتأكيد لا هل تستطيع هذه الحكومة أن تحتكر السلاح وتمنع أي مظهر من مظاهر السلاح خارج منظومة المؤسسة العسكرية الرسمية! الجواب كلا. هذه الأشياء التي نراها ونتعايش معها من الصعب أن نعتقد معها أن هذا البلد ذو سيادة.
الدولة اذا لم تكن قوية أما بذاتها أو بوجودها وقواتها الذاتية، أو قوية بحكم المعادلات الدولية، يعني بعض الدول ليست قوية ولكنها بحكم معادلات الدولية باقية قوية، فدون قوة الدولة ودون قوة الحكومة من الصعب أن نتحدث عن السيادة. هناك ترابط وتلازم بين قوة الدولة ومن النادر أن تجد دولة كاملة السيادة المقبولة عالمياً الآن وأن تكون ضعيفة، كل الدول القوية هي دول تتمتع بنسبة عالية جداً من السيادة وكل الدول الضعيفة عدا الاستثناء هي منقوصة السيادة تتحكم فيها الإرادات الإقليمية والدولية.
سيادة الدولة في تقويتها داخلياً
فسبيل العراق نحو السيادة هو في تقوية الدولة، اذا تقوت الدولة في الداخل واستطاعت الحكومة أن تفرض سيطرتها على أراضيها، وعلى السلاح، واستطاعت أن تتحدث بأسم العراقيين جميعاً، وأن لا يقول طرف من أطراف الحكومة هذه الحكومة لا تمثلني، دون ذلك يصبح الحديث عن السيادة والوطنية تمنيات وكلنا نتمنى أن يكون العراق أولاً. وكلنا نتمنى العراق أن يستعيد سيادته كاملةً شأننا شأن الدول الأخرى التي تمتلك هذه السيادة ، لكن بين التمني وبين وواقعنا مسافة طويلة تحتاج إلى جهد كبير ولا أريد أن أكون متشائماً ولكن لا أجد إن السنوات القليلة القادمة ستكون كافية لذلك ولا توجد هناك مؤشرات، إننا ماضون تجاه الصحيح باتًجاه تحقيق الوطنية والسيادة.
_______________________
* * * هذه الندوة .. تحمل عنوان: ( تباين رؤى القوى السياسية في فهم المصلحة الوطنية) .. هي استكمال للندوة السابقة .. ضمن سلسلة ندوات مترابطة ومتكاملة ومتواصلة.. جرت و كل منها تعتمد على مخرجات الندوة التي سبقتها.. وتتكامل معها.. وصولاً إلى الإجابة على التساؤلات التي أثارها كتاب (أزمة العراق سيادياً ). الندوة ــ بسبب الأوضاع الصحية وجائحة كوروناـ تجري عبر الانترنت من خلال برنامج زووم، وقد بثّت فالندوة مباشرة على صفحات ملتقى بحر العلوم للحوار وصفحة معهد العلمين للدراسات العليا على الفيس البوك..بتاريخ 9 اذار 2021