تمرد الجماهير Rebellion of the masses
اصطلاح وضعه الفيلسوف الوجودي الاسباني خوسيه أورتيجا أي جاسيت (1955-1883)، يستهدف به الظاهرة الجديدة في كثافة المجتمعات الحديثة. وهي ظاهرة التجمهر والزحام في كل المجتمعات، وفي كل مكان، في المدن والقرى، في الشوارع والبنايات والفنادق والقطارات والميادين والمدارس والمقاهي والملاهي والحدائق والشواطئ، كثرة وزحام في كل مكان، حتى أصبحت هذه الكثرة هي المقياس والميزان لكل القيم. فصارت قيمة المسرحية تقاس بمقدار الزحام عليها، وقيمة الكتاب بأعداد الناس الذين اقتنوه، أو أعداد نسخه التي تم توزيعها، وقيمة الحزب بأعداد جماهيره في الانتخابات، وقيمة السلعة بتكالب الناس عليها، والصحيفة الأكثر قراءة هي الأفضل. وهكذا، فالأكثف هو الأعلى في سلم القيم.
هذا العصر اذن هو «عصر الجماهير»، و«زمن الغوغائية». وفيه يهبط الذوق، وتتسطح الأفكار، ويطلب الانسان فيه القوة المادية، ويدخل في الحروب، ويخترع الأسلحة الأكثر تدميرا للمدن والمجتمعات.
والسياسة التي تقوم على التجمهر، هي سياسة العولمة وإلغاء الحدود، وتجاوز المكان والزمان.
هذا النماء هو علامة قوة مادية، وليست قوة روحية.
والجمهرة دليل خصوبة بيولوجية.
والجماهير تخترع مصيرها، ولم تعد تستهويها المعايير والمبادئ القديمة.
والقدوة التي تمثلها الجماهير هي التي توجه الأحداث، وأحكام الجمهور هي التي يراعيها السياسيون.
ورجل الشارع هو ممثل الجماهير.
والحياة الواعدة الجديدة هي حياة الاستعلاء والانتصار للشعوب، ولرجل الشارع، والسلوك السائد هو سلوكه، وهو مندفع في طريقه، لا يراعي سلطة ولا دين، ولا يسمع لأحد سوى نفسه وحاجته ومصلحته، ولا يتشكك في أفكاره، ويعمل وكأنه وحده الموجود، تستغرقه ذاته.
والنتيجة أن البشرية تسير الى البربرية، وتتجه الى اللاحضارة، والفوضوية، فلا مبادئ، ولا قوانين، ولا قيم، وإنما قوة غاشمة فقط لا غير.
.............
* من كتابي القادم/ موسوعة فلسفة التاريخ