18 Feb
18Feb

نقف على طي صفحة السنة العشرين على التغيير الكبير الذي حصل في العراق في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ويبدو تقديم قرآءة واضحة لحصاد السنوات العشرين من العمل السياسي مهمة شاقة، نظراً لما حملته هذه الأعوام من تحولات وماحفلت به من اشكالات بعضها إنتهى او يكاد وبعضها الآخر مازال حاضراً وبقوة..

وقد كان الهدف الأكبر الذي سعى إليه الجميع، هو تشكيل السلطة السياسية التي تضطلع بعملية إعادة بناء الدولة التي شوهها وأنهكها النظام السابق وأجهز عليها الحاكم المدني بريمر.

ان أخطر ماحملته عملية تشكيل السلطة، هو أنها شكلت في ظل الفوضى العارمة التي انتجتها إستراتيجية "الفوضى الخلاقة" آنذاك التي قادها الأمريكان في أعقاب عقود من الكبت والمصادرة والقمع السياسي والفكري الذي لم يفر احداً أو جهة من سياقه الذي سحق كل شيء.

وكان من نتائج هذا التأسيس ان علقت بالشكل الجديد للسلطة الكثير من إفرازات تلك الفوضى بدءاً بالدستور الذي كتب تحت ظلال الشكوك والتخوفات وشبح الماضي، وبعد أن تمكنت الحكومات السابقة من دفع خطر الحرب الأهلية الذي كان محدقاً بالعراق،

ان كل ماتم تأسيسه على عجل في ظل الفوضى أصبح يشكل طوقاً يعيق حركة الحكومات المتعاقبة ويشل نشاطها وفاعليتها ويحبط أي مسعى لتأسيس دولة جديدة حيوية وناجحة، ومايزيد من الآثار المترتبة على البناء الهش للدولة العراقية هو ان العملية السياسية بعد مرور عقدين على التغيير مازالت غير مستقرة وذات تركيبة غير متوازنة، تفتقر إلى فلسفة سياسية متزنة وعلى ماتبدوا تركيبة متصارعة ذات مشاريع وتوجهات مختلفة واطرافها مشغولون في عمليات استنزاف مستمرة فضلا عن عدم وجود ثقة متبادلة بين أطراف العملية السياسية الأمر الذي زاد من تأرجحها بين المدّ والجزر وهو ماإنعكس بالسلب على الشارع العراقي. فالمناطق الغربية الذين قاطعوا العملية السياسية في البداية، وعاد قسم كبير منهم إليها لايزالون يشعرون بأنهم مهمشون ويرون أن أي عملية سياسية تقام في ظل الاحتلال تبقى عرجاء ولاتخدم في النهاية سوى المحتل.

أما الأكراد فيرون أن ماحققوه من إنجازات ومانالوه من امتيازات بعد سقوط النظام البائد أصبح مهدداً بالمصادرة بعد تغيير الحقائق على الأرض والاشارات التي ارسلتها الحكومات السابقة بأنها تسعى إلى بناء عراق موحد وقوي من خلال تعزيز سلطة المركز.

وفي الذكرى العشرون للتغيير تبدوا نقاط الاختلاف بين القوى الكردية والحكومة المركزية أكثر من نقاط الإتفاق وهي خلافات تتمحور حول مسائل عدة منها النفط والموازنة والمخصصات المالية لقوات "البشمركة"والمناطق المتنازع عليها، ان هذه الأمور تهدد بنسف العملية السياسية إذا لم تحل بطريقة عقلانية.

ورغم ماتحقق من إنجازات متعددة على المستويين الداخلي والخارجي من خلال طروحات وخطوات أكدت على وحدة العراق وصعوبة تقسيمه اضافة إلى تحسين علاقات العراق مع عدد من دول الجوار وانفتاحه عليها إلا إن هذه الخطوات لم ترق لبعض الشركاء السياسين.

كما أن بناء مؤسسات قوية منسجمة في اداءها خالية من المحاصصة الفئوية والطائفية والقومية يشكل عامل قوة لتلك المؤسسات ويحسم الصراع لصالح استمرارها واداءها وتحول دون اضعافها واستنزافها في صراع المصالح الفئوية بحيث تمثل هذه النظرة الأساس المتين لأية سلوك ورؤية إستراتيجية واضحة لمستقبل البلد الذي مزقته النزاعات.

كما  أن المواطن العراقي البسيط أدرك  أنه كلما اختلفت القوى والاحزاب السياسية فيما بينها وتباعدت بعضها عن بعض ،شاهدنا موجة من الهجمات والاغتيالات وأعمال العنف اجتاحت البلاد في فترات عديدةسابقة، ووسط تناقضات شاهدنا العملية السياسية العراقية بكل صورها واشكالها التي غالباً مادفع ثمنها المواطن العراقي خلال الأعوام المنصرمة واصبح العراقيون على يقين إن الصراع بين الأحزاب والكتل هو صراع سياسي يهدف إلى الحصول على المغانم والمكاسب والفوز بالمواقع القيادية.

وسط كل ذلك لازالت الولايات المتحدة اللاعب الدولي الأهم على الساحة العراقية ليس فقط بفعل وجودها العسكري وإنما بسبب مصالحها الكبيرة في العراق الذي اصبح يشكل مفردة مهمة من مفردات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط،

فقد اتسم الدور الأمريكي الاخير في العراق بالمرونة في التعامل مع قضايا الساحة العراقية واعتماد اسلوب الدعوة والنصح تارة وممارسة الضغوط المباشرة تارة أخرى لتحقيق الرؤية الأمريكية في الملفات السياسية والامنية والاقتصادية وقد برزت هذة المرونة بصورة واضحة في صياغة الاتفاقية العراقية-الامريكية التي تعد واحدة من الاتفاقيات المهمة التي عقدتها الولايات المتحدة مع دول العالم، حيث نجحت الحكومات السابقة في تحقيق عدد من المكاسب عبر هذه الاتفاقية فضلا عن الاتفاق على جدول زمني محدد وواضح لانسحاب القوات الأمريكية من العراق ووضع شروط ومحددات لحركة هذه القوات كان ذلك في عام ٢٠١١ من الفترة الانتقالية .

وعلى الرغم من النجاح في التعامل مع ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الا ان علاقات العراق بدول الجوار مازالت حتى الوقت الراهن تعيش حالة قلقة مع الجانب التركي التي احتلت قواته اجزاء كبيرة من الأراضي العراقية ومازالت حتى اللحظه لم تنوي الإنسحاب بالمقابل تبدوا العلاقة مع دول الجوار الأخرى تتطور بشكل لافت بالذات مع العربية السعودية وهكذا مع الجارة إيران وإذا كان الإرهاب قد شكل التحدي الأكبر للدولة العراقية فإن ملف الخدمات العامة بدوره شكل تحدياً جدياً واحراجاً متواصلاً للحكومات العراقية المتعاقبة.

ولازال القاسم المشترك الذي يجمع العراقيين هو الحديث عن غياب الخدمات والفساد المالي وسوء الأوضاع الاقتصادية، وبعد كل هذه السنوات لم نلمس ديمقراطية حقيقية وبقي البلد يعاني من اقتصاد سيء وغياب الخدمات، وفوق كل هذا فإن العراق هو على رأس قائمة الدول في موضوع الفساد المالي وبعض المسؤولون يسرقون بالملايين ولايحاسبهم أحد











تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن