28 Jul
28Jul

كتب : غالب خزعل

جلس واتكأ على مرتفع من التراب بعد ان ثبت عصاه في الارض وعلق عليه متاعه وعباءته ليستفيء بظلها , ثم مدد رجليه واغمض عينيه ليسمع وقع اقدام المشاة وقرقعة مايحملونه ولم يعبء بالغبار الذي يتطاير من اقدام المشاة على وجه بين هذا وذاك  مسته غفوه ونام بعمق  اثر التعب ارجعه الى اكثر من الف وعدد من السنين وكأن معركة الطف حاضرة بين ناظريه فرأى جيشا منتظما قوامه بالاف وثلة قليلة قبالة هذا الجيش الذي تباينت اعداده حسب الروايات بين الاربعه او العشرة الاف ترك اعداد الجيش وراح يضع السبعون امام الالف او الخمسائة من النفر الضال في اقل تقدير فانها حتما خسارة لامناص منها للسبعين شخصا جلهم من النساء والصبيان . فرسم صور المبارزه بين الثلة القليله والعدد الكبير من النفر الضال فتأكد ان هذا العدد القليل سيقتل لامحاله ويقبرون بحفر تدكها الخيل لطمس اثارهم قائلا في نفسه لو سالت قائدا عسكريا خاض حروبا كثيره ماذا تفعل اذا كان معك جند قليل قبالة جيش كبير في تعرض ؟ اجاب طريقان للخلاص من هذا الجيش اما الهرب او الاستسلام لان القتال ضدهم حتما ستكون الهزيمة  والموت نصيبنا. ولو كنت انت صاحب هذا الجيش الكبير قبالة هذا العدد القليل ؟ بالتاكيد انها نزهة وفي برهة نقضي عليهم ونمسح اثارهم ولم نبق لهم اثرا وان عرف احد سنقول قطاع طرق خلصنا المارة منهم ومن شرهم  . وهل يخطر ببالك ان هذه الثلة القليله تصير ماقلته معركه تطول ويصعد شذاها الافاق ويبقى صداها في كل العصور والدهور ويبقى صوت قائدها في الاسماع والابقاع (لااعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولاافر منكم فرار العبيد  ) ؟ 

اجاب بكل الحسابات العسكريه لايخطر على البال مثل هذا الحدث ان قاوموا سنبيدهم ولانبقي لهم اثرا وستضيع اخبارهم ان لم نكثر القول فيهم وتشويه سمعتهم , ولاأعتقد ان احد من القاده يختلف جوابه عن هذه الاجوبه . اذن هل تعلم ان الامام الحسين عليه السلام ادار معركه الطف بحنكته القياديه التي تعلمها من ابيه بعد العناية الربانيه له ولهذه الفئة القليله التي اضحت في كل العصور فخرا للثائرين ودرسا لهم  بهذا العدد القليل من الاهل والصحب المخلصين واسس جيشا له قلب وميمنة وميسرة ناصحا لجيش العدو ويعرفه بمن يقاتلون هؤلاء الجيش , انهم يقاتلون اناس ليسوا على وجه الارض وهم قادمون للتضحية واعلاء كلمة الله اكبر مهما كلف الثمن , الروح , المال , الولد واعادة الحق الذي اغتصبه بنو اميه وان الامام عليه السلام قد خطط للمعركه منذ ان خرج من المدينه بعد ان القى خطابه في الركب الذي التحق به بداية لتوجه الى كربلاء قائلا : اننا لم نذهب لطلب سلطة او جاه او غنيمة حرب ,انما نحن ذاهبون لطلب الحق واحياء دين الله  واصلاح امر امة جدي محمد صل الله عليه واله وسلم فان كان احد منكم موطن نفسه للشهاده فليلحق بنا واجره على الله وان كان غير اهل لذلك فليعد وليس في رقبته بيعة لي عليه وانما البيعة لله وتلا  الاية الكريمه ({إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10, بهذا الايضاح وبهذه الروح التي تطلب العزة لله سار مع افراد عائلته دون الاخرين فيما وزع الادوار على من تبقى  في  المدينه من اهل بيته وقبل ذلك ارسل مسلم بن عقيل  ليستطلع امر الذين بايعوه في الكوفة  . نعم انه رسم وخطط لمعركة محسوم النصر المادي لاعداء الله فقلب النصر المادي الى هزيمة نكراء لجيش اعداء الله وقادتهم اذ احسن توزيع الادوار فكانت اخته زينب عليها السلام الناطق العسكري الذي فضح جيش يزيد وعبيدالله بن زياد في عقر دارهم  وحولت فرح نصرهم المزعوم الى هزيمة نكراء وهزت عروشهم امام من جمعهم من الاجانب وذوات الجاه في الشام وعرت كل الشعارات التي حملها جيش يزيد في كربلاء واثبتت احقيتها بدين جدها وقربها منه خاصة وهي تسرد احاديث الرسول الكريم  في حب الاماميين الحسن والحسين عليهما السلام حين  رد على ابي هريره ( احبهما واحب من يحبهما , فمن احب هذين واباهم وامهم كان معي بدرجتي في الجنه , ومن احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني ) فدكت مجلس يزيد وهزت عرشه وانقلب المجلس ضده حتى راح ضحيته واحد من اهل الكتاب ثم انبرى  الامام علي بن الحسين  السجاد عليه السلام للحديث ولم تنفع محاولات يزيد لمنعه من الحديث بسبب عدم علم جلاسه بمعرفة هذا الشاب اذا تكلم حتى ان فضحه قوله (ان صعد هذا الشاب المنبر فلم ينزل الابفضيحتي وفضيحة بنو اميه ) حتى استيقظ من غفوته وترك المجلس ينهد على راس يزيد واعوانه ومابقيه الا اصوات المعركه وتلاحم الثلة القليه فذاك العباس (انا اقاتل عن ديني وعن امام صادق اليقيني ) واصوات البطولة والشجاعة والفداء تصدح بالنصر المؤزر حتى نهض ونفض الغبار وهو يردد نعم لو لم تكن حنكة الامام الحسين عليه السلام التي صيرتها معركة هزت عروش الطغاة واشفت صدور الاحرار لندثرت كما اندثرت معارك من بعدها ووصفوها بالعصابه او ثلة من قطاع الطرق او حفنة من سراق ..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن