24 May
24May

 
١- عند نزولك من الطائرة في مطار طهران ستقابل عيوناً محمرة (متقرحة) لأول شخص يستقبلك او تقابله الى عامل الفندق الذي يدفع الحقيبة الى داخل غرفتك الخاصة مروراً بسائق السيارة التي تنقلك من المطار الى محل اقامتك …

وفي الطريق وانت تراقب من زجاج السيارة ترى الاشجار والمارة في دورة حزن شديدة وتتساقط على أرصفتها دموع غزيرة وعزيزة وهي تردد بمرارة عبارات الوداع المرير …

فتدخل الغرفة لترى نفسك في مختبر تحليل الدموع والذكريات والمقارنات والوجوه والشوارع المغتسلة بها ..

وأعمدة الكهرباء التي لم تنطفئ من الامس ..ربما نسي موظف السيطرة اطفائها لحزنه وذهوله..وتسأل عشرات الاسئلة قبل ان تلقي جسدك على سرير جديد ..


٢- سمعنا الكثير عن الطائرة الشهيدة من الهبوط الصعب الى الانواء الجوية وتقلبات الطقس والجبال الشاهقة على وديان سحيقة ..

واحتمالات الخرق الامني والفعل الالكتروني المربك الى العمل التخريبي بصاعق مؤقت ..الى ما تحمل الذاكرة وملفات الطيران ..

حتى تتزعزع كل قناعة تحاول ان تستقر عليها ..

ليترك الامر الى نهاية سائبة ومفتوحة ربما ستجيب عليها لجنة المتابعة والتحقيق


٣- لقد رتبت ايران منظومة الحكم بصيغ (مركبة ومعقدة)لها قدرة امتصاص الصدمات والمفاجآت فأبدعت باخراج (٧)مجالس تتشابك وتتباعد في انتظام فريد..

أ- مجلس الشورىب-مجلس الخبراءج-مجلس تشخيص مصلحة النظامد-مجلس الامن القوميهـ

- مجلس الوزراءو 

- مجلس صيانة الدستورز 

- مجلس المستشارين
لترى نفسك في أزقة واسعة واخرى ضيقة تشتت لديك المتابعة وتتعب التحديق والتأمل

٤- خرج المرشد الاعلى الى الشعب بكلمات قاسمها (لاتقلقوا..) بحروف قليلة مخضبة بالحزن ومغسّلَة بدموع الصحبة والمسؤولية والفراق ..كلمات قريبة لكلمات رثاء قيلت قبل أربعين عاماً يوم فقدت ايران(رئيسها رجائي ورئيس وزرائها باهونار وآخرين) بتفجير كبير ..

تعود الصدمة ويعود الرثاء في دورة الحياة الايرانية العجيبة ..ثم تدور عجلة السنين التي لم تتوقف عن الدوران

٥- الشوارع تتسع والناس تتمدد عليها وتضيق بأنفاسها بين أرصفة ضللت بأشجارها رؤوس الباكين حتى يظن المشاهد ان البيوت أخرجت(أثقالها) وأبنائها ونسائها لتتنفس الحزن في مشهد شعبي يضيع الفرد بين أمواجه المتلاطمة لتعود وتسأل عن (سر) هذا الدمع والجموع التي تركت كل شئ وتاهت في زحمة موكب الدمع الساخن على الخدود


٦- هذا كرم من الشعب أم رد جميل ام إستعراض قوة أم شيمة وفاء هذه الاسئلة التي طرحت وهي تشاهد التشييع المهيب والنعش الرئاسي التى توجت عليه عمامة الرئيس السوداء في مشهد تراجيدي معتاد عليه في تشييع جنازات الفقهاء الكبار على مر العصور ..

لتتنوع الاجوبة على تنوع مفاتيحها وربما جواباً واحد يحتضنها في عنوان عريض

٧- رأس الجمهورية ورأس الدبلوماسية .. نافس انجازهما اليومي الممتد من الصين الى جنوب افريقيا وعلى ضفتي الخليج والمحيط والبحر ..

وكذلك حياتهما البسيطة الرقيقة بين جدران شقة تتنفس فيها امهات واولاد وبنات في أسرة تتجمع على موقد دافئ تتسلى بقصص قديمة وانشودة المنتظر الموعود وهي تنتظر موعد آذان فجر جديد..
٨- لقد هزم الاداء السياسي لمنظومة الحكم (رئيسي-عبد الاعيان) كل قصص وروايات (الاصلاحيين) واختفى الفرز السياسي على اساس نظرية (الاصلاح والمحافظين) في مشهد انتصار (المنجز ) على تنظيرات وملاحقات (المعارضة) بعد ان جرفت موجات الانجاز (الاقتصادي_العسكري-العلمي-النفوذ- الصحي)مصحوبة بزهد صادق وتواضع يومي ..جرفت قلاع ومطبات (المعارضة) الى الحد الذي لم يتبقى لها شي تناور او تثقف عليه مما سيسهل المهمة على المحافظين في اعادتهم الى السلطة مرة ثانية بلا منافسين خطرين ..


٩- (ايران في مشاهد عالمية)هذا ما اراد المخرج الايراني تقديمه الى الناس في كل مكان .. فبعد مشهد(ليلة المسيرات والصواريخ) والذي نجح المخرج فيه عاد ليقدم (النعش) الرئاسي الى العالم في عمل مشوّق لأبطال حقيقيين زجهم في قلب المشهد (لفيلم) شارك فيه الملايين من الكومبارس الذي لم يخرج عن نص (الدموع والشوارع)..

ليحفز المشاهد البعيد على المشاركة بالاعجاب او التعليق او الدموع وتلك أعمال تحبها الشعوب وتساهم في نشرها بلا تردد لتحصد ملايين المشاهدين بأرقام قياسية و(ترند)تجاوز الطفل(ريان المغربي) الذي سقط في بئر القرية القديم ..

لقد تم إشراك العالم في تشييع (النعش) برغبة دامعة

١٠- (الوطنية) درس قدمته ايران الى العالم عبر شعبها بدموعه وعبر مسؤولييها بصدقهم ليصادق على لوحة الغيب التي رسمها قبل قرون يوم ردد الوحي على جثمان حمزة الشهيد (بلا كبد)في ملحمة (أحد) ليهدهده بقوله ((رجال ٌ صدقوا..)

فيترجمها النبي القائد(بدموع البواكي) التي يطلبها من العيون (لعمه الصادق والشجاع)..ولان(الصدق يستحق الدموع) في لحظات الفقد على الشعور الانساني النبيل

النائب عباس الجبوري

عضو لجنة العلاقات الخارجية

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن