محمد عبد الجبار الشبوط
ربما للمرة الثانية يخاطب المرجع الديني الاعلى الامام السيستاني ما يسميه "النخب الفكرية" ويلقي على عاتقها العمل على انقاذ العراق واخراج شعبه من معاناته الحالية.
كانت المرة الاولى في ٢٠ كانون الاول سنة ٢٠١٩ حيث جاء في خطبة صلاة الجمعة حول دور النخب الفكرية:"ان تنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة".
وهذه هي المرة الثانية حيث دعا المرجع النخب الواعية ان:"يعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار."
مؤكداً على أن ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على خمسة مبادىء هي:* الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، * ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها،وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات. واستدرك المرجع قائلا انه "يبدو أن أمام العراقيين مسارا طويلا الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك، أعانهم الله عليه،" وهذا عين الصواب، لان معالجة السلبيات الحالية وارساء اسس الايجابيات المرغوبة تستغرق وقتا طويلا وجهدا كبيرا، وهذا يتطلب صبرا يمنع من استعجال الخطوات والنتائج.
ويجب ان نذكر ان الاخ غالب الشابندر لاحظ ان المرجع لا يخاطب هنا الطبقة السياسية الحاكمة بفرعيها التشريعي والتنفيذي لانها جزء من المشكلة ولا يمكن ان تكون جزءاً من الحل.
وهذا يقودنا الى التفكير بالموقف من الطبقة السياسية الحالية؛ ويميل البعض الى القول بضرورة ازاحتها من السلطة واعادة بناء السلطات التشريعية والتنفيذية على مستوى الدولة وعلى مستوى الاقليم والمحافظات على الاسس التي ذكرها المرجع وهي الكفاءة والنزاهة.
ولكن ازاحة الطبقة السياسية ليس بالامر الهين سواء قلنا عن طريق الانتخابات ام عن طريق الانتفاضة الشعبية وقد اثبت الواقع صعوبة الامرين على الاقل في الوقت الحاضر لاسباب يعود بعضها الى تمكن الطبقة السياسية من ازمة السلطة ومقاليدها، ويعود البعض الاخر من الاسباب الى عدم قدرة الطرف المقابل على التوحد و تحشيد الطاقات وتقديم مشروع بديل يستقطب الجمهور. لذا نؤجل الخوض في تفاصيل هذه المسألة الى وقت اخر.
المهم، بتطبيق هذه الدعوة الصادقة من المرجع الى النخبة الواعية على ارض الواقع نجد ان العراق يزخر بالطاقات والكفاءات التي تستطيع وضع خطط وبرامج في التنمية والاعمار والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من المجالات.
لكن المشكلة التي تواجه هذه النخبة الواعية انها مقصية من مواقع التخطيط والتشريع والتنفيذ تارة بسبب اختيارات الناخبين وتارة بسبب اختيارات السلطة القائمة وامراء الحرب والسلام الذين يتحكمون بامور البلد. بناء على هذا اخشى ان تبقى دعوة النخبة الواعية الى العمل وفق مبادىء السيستانية مؤجلة بعض الشيء الى حين تنضج ظروف التغيير التي يكون من الممكن من خلالها ازاحة الطبقة السياسية الراهنة واستبدالها بطاقم تشريعي وتنفيذي جديد قادر على تجسيد هذه المبادىء عمليا واعادة هيكلة الدولة ونظام الحكم.