01 Mar
01Mar


لا شيء كرّس الوطنيون العراقيون حياتهم من أجله أكثر من الحياة البرلمانية النزيهة. كان "المجلس التشريعي"، ومنذ الأيام الأول، ركنا اساسيا في أذهان الطامحين إلى استقلال العراق عن الدولة العثمانية. انطلقت ثورة العشرين وبقي هذا الحلم يلهم مخيلتهم بمملكة دستورية ومجلس تشريعي، وزالت الملكية ومع ذلك ظل الحلم عزيزا لا يفارقونه. 


الشيخ علي الشرقي، الشخصية السياسية الوطنية من العهد الملكي، عضو مجلس الأعيان والقاضي في البصرة والوزير (بلا حقيبة) منذ عام 1950 وحتى نهاية الملكية عام 1958. كتب مذكرات تحت عنوان ملفت (الأحلام)!!! وفي فقرة رقم 41 تحدث عن حلمه ب"مستقبل العراق"، وركز حلمه كله على الفكرة ذاته التي عاش وهو يتوق إليها: الحياة البرلمانية الحقيقية. 


كتب عن المجالس التشريعية التي عرفها في العهد الملكي ولغته مملوءة بالإحباط والحسرة والأسف فقال:

(تلك المجالس التي لا فيها وحدة لغة، ولا جنس، ولا تقارب في الأذواق والاتجاه. كل ما فيها غريب، فهي غاغات وخليط […] مجالس تقمصها الاستعباد والاستعمار والاستغلال. تقمص أشخاصها وقوانينها ونظمها. مجالس تروح وتجيء عن سبب ولا عن سبب. انتخابات تتجدد وتتجدد ولكن الممثلين فيها - كما قيل - نسخة واحدة تعددت طباعتها. […] مجالس تشطرها رجال المال وأرباب النفوذ فكانت شركة نفعية كل رأسمالها التحوير والتخلف، وكل بضاعتها بيع الشعب).

لم يشأ الشرقي أن يختم "أحلامه" دون أن يطلق لمخيلته رسم المجلس الذي كان يفكر فيه، كتب يقول في "مؤتمر" افترضه في ذهنه ولم يكن له وجود:

(ومن مزايا هذا المؤتمر أن حق الانتخاب وحق التمثيل لكل أفراد الشعب، المرأة والرجل فيه سواء بسواء، وأن ذلك الانتخاب على أساس الأخذ بمبدأ الدائرة، لا الى أساس القائمة والانتخاب النسبي، لأن الانتخاب على أساس القائمة ليس فيه احترام لحرية الشعب؛ فالقائمة تختار له وليس هو يختار لها. ولابد من الاحتراز على أن لا ترافق الانتخاب العصبية الحزبية أو القبلية أو الطائفية؛ لئنا لا نريد للنائب أن يمثل قبيلة أو حزبا أو كتلة. إنا نريده أن يمثل العراق من الحد إلى الحد). 


واخيرا ختم حلمه بالقول:

(إننا لا نرشح فردا بل نرشح حكومة تحكمنا وقوانين تنظم شؤوننا وتشرع حقوقنا).


استمر حلم الشرقي حتى توج بالدم عام 1980 حين رفعه محمد باقر الصدر شعارا ومطلبا في نداءاته الأخيرة قبل أن يلاقي حتفه على يد نظام صدام حسين، فقال:

(وأخيراً؛ أُطالب باسمكم جميعاً، وباسم القيم التي تمثّلونها، بفسح المجال للشعب ليمارس بصورة حقيقّية حقّة في تسيير شؤون البلاد، وذلك عن طريق اجراء انتخاب حرٍّ ينبثق عنه مجلس يمثّل الأمّة تمثيلًا صادقاً). 


ليس من المبالغة القول إنه، وحتى بعد التغيير عام 2003 وانطلاق فصل جديد من حياتنا السياسية عماده المجلس التشريعي ( = البرلمان)، فإن هذا "البرلمان وقانون الانتخابي"  وكما حلم به "حلم الشرقي" وطمح إليه "الصدر" ما زال قائما ولم يتحقق بعد بشكله المرجو.


المرفقات: 

صور الاقتباسات من مذكرات الشيخ علي الشرقي.



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن