02 May
02May

د. عقيل محمود الخزعلي

1 / الرؤية والوجهة

 العراق الذي يتعكّز على إرثه الحضاري الوضاء وحضوره التاريخي الفريد زخمه الحيوي الخلاق العراق الذي يروم السير بخطى واثقة ومستنيرة في رحلة التعافي والتجديد والتحديث والريادة، من خلال إقتلاع اليأس وبراثن السلبية وبث روح الأمل والتفاؤل بإستهداف مختلف القطاعات والمحاور التنموية والخدمية والاقتصادية والاجتماعية عراق اليوم بأمس الحاجة للإستناد على صحة الرؤية وعمق الارادة وموفور الجدية في تحريك الواقع الكاسد والارادات المتلكئة ليستجيب لمكنون هموم شعبنا وتطلعاته في العيش الكريم والتلاحم المتراص والأمل الواعد، حيث ) ما ضعف بدن عما قويت عليه النية).

 اليوم، والعالم الذي يموج بتحديات جمة وتعقيدات متناسلة نعي بالضرورة أنه وعلى الرغم من البيئات المحلية والاقليمية والدولية المختلفة بالتوجس والتعقيد والريبة واللايقين، ألا أننا واثقون أن المستقبل هو استجلاء للحاضر، وأن النتيجة تتبع المقدمات)، وهو ما يستدعي إطلاق حملة الإستنهاض الوطني الشامل لقيادة اللحظة الراهنة المتسلحة بطاقة الإيمان ونور العلم و روح العصر والعمل الجماعي لتمخر سفينتنا في عباب التحديات والمجاهيل صوب القدر الذي تنسجه خياراتنا وقراراتنا كدول وأمم وشعوب ومؤسسات في إطار النواميس التي أودعها الله عز وجل في الكون، والسنن التي تحكم حركة التاريخ، والأقدار التي تصنعها المواقف.

 إن الإستغراق في السلبية وإدمان التشاؤمية والكابة الحضارية، لن ينتج إلا المزيد من الكوارث والانزلاق الفادح صوب المجاهيل القائمة، وهو ما يحدونا لإستشعار السخونة والطاقة من مقولة : ( بدل أن تلعن الظلام، إشعل شمعة). 

تأسيساً على ذلك، نشرع اليوم لإسدال الستار عن ملامح رؤية طموحة تهندس الوجهة والشعار والمنظور والطموح الذي نبتغيه أن يؤطر - كشعب – حركتنا ومسارات عملنا ومادة لإلهامنا وتحفيزنا من حيث أن " أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة آخر العمل "، إذ تتمثل محاور هذه الرؤية بثماني مرتكزات وكالآتي: 

1-  دولة أكثر حداثة من خلال الإرتكاز على منظومة جديدة توظف خصوصية الإرث الحضاري والتاريخي، وتستعين بالمناهج الحديثة في صناعة رافعة التغيير الايجابي عبر إستثمار الميزة التنافسية للكتلة الحيوية للعراق – جغرافياً وسكانياً -، وحسن ادارة التنوع الشعبي والحقوق الأساسية والموارد البشرية والقدرات الطبيعية والفرادة المكانية والبيئية والهبة الديموغرافية والجيوسياسية، وخلق المجال الحيوي للدولة الناهضة المقتدرة المعتمدة على الإمكانات المتاحة والقدرات الخلاقة لصناعة واقع مغاير عبر الإستثمار في الاصول الذكية والمؤسسات المنتجة وركائز الحكم الرشيد والتنمية المستدامة، وتسخير القوة المدركة للدولة سواء الملموسة منها وغير الملموسة والتي تشمل عدة مناحي متوزعة على عناصر القوة: (الجغرافية والسكانية والاقتصادية والعسكرية والامنية وفواعل التأثير الفكري والحضاري والدبلوماسية المنتجة والارادة الموحدة والقيم الدافعة)، وتفعيل أسس المجتمع المدني والمؤسسات السياسية والقطاع الخاص والنخب الثقافية والاجتماعية، وجعلها شريكاً أساساً في ادارة الدولة والتنمية الشاملة، وبما يضمن إستعادة العراق لدوره المحوري كقوة إقليمية مؤثرة.

 2- حياة أكثر جودة حيث أن الرفاه والازدهار والرضا والسعادة للمواطن العراقي هو السبب الاصيل والعمود الأطول في خيمة الدولة وأصل وجودها وغاية نشؤها واستمرارها، مما يستدعي الإحاطة والتسخير لأحدث الممكنات في حسن إدارة الموارد البشرية والمادية والمالية والتقنية والفكرية والثقافية، لتحقيق مديات أقصى في سلم الرضا الشعبي والسعادة الفردية والمجتمعية، وهو ما يمكن تطبيقه عبر تشكيل الاقتصاد المستقر والمرن والمتوازن والمستدام، واعتماد اصول بناء مجتمع واقتصاد المعرفة والمعلومات والذكاء الاصطناعي ورعاية الابداع والابتكار، وهندسة الهياكل التنظيمية والاستباقية ذات الاستجابة الفعالة الادارة المخاطر والازمات والكوارث، والاخذ بأسباب الطاقة المتجددة والنظيفة والاقتصاد البيئي الأخضر، والإستعانة بأحدث الوسائل والادوات لتحسين العيش الرغيد والخدمات العامة والارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية والمستدامة. 

3 - مؤسسات حكومية أكثر تميزاً: إن مرتكز التحديث والتطور يبدأ من حيث إيجاد قطاع عام يعتمد على التحول المؤسسي الأمن والذكي والمستدام، وهو ما يمكن تحقيقه عبر الإستناد على المناهج الحديثة في الادارة الاستراتيجية، وإحكام الاداء الوظيفي ضمن محددات الجودة الشاملة وقواعد الثقافة والعمل المؤسسي، وترسيخ منظومة الادارة بالاهداف والنتائج والتحول الرقمي والتحسين المستمر والتميز الاداري والريادة في بيئة الاعمال والاستثمار وجعل القطاع العام وسيلة لإلهام التحديث، ومثابة لتحفيز التغيير والارتقاء بواقع الدولة والمجتمع من خلال الخدمات والسلع التي توفرها للمواطنين والمتعاملين.

 4. أمة أكثر تلاحماً: إن دور الدولة الحديثة الابرز يتمثل في تعزيز روح التلاحم الشعبي والإندكاك الجماهيري صوب ترسيخ السلم الأهلي والتوافق الجامع في الثوابت الوطنية والمصالح الحيوية للدولة / الأمة من خلال؛ سيادة الهوية الوطنية واعتماد المواطنة كأصل متفرد في التفاعلات المجتمعية الوطنية، وكعنصر حيوي يستحضر الإرث الحضاري والتاريخي للعراق ويستلهم من موروثه الثقافي والقيمي مادة لإغناء الحاضر، ووقوداً لبث روح الحماس والمبادرة، وطاقة لصناعة التغيير الناجز في المشاريع الوطنية الكبرى وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والثقافية والفكرية والاخلاقية، ومفازة لصياغة عناصر الجذب والتأثير الداخلي والخارجي. 

5. ديموقراطية أكثر فاعلية: لقد بات من الضروري الاستجابة لوازع التغيير الجاد في مسارات الاداء السياسي من خلال مراجعة واثقة وحازمة لهيكلية النظام السياسي ووظائفه، والعمل مع كل الشركاء بالوطن الدراسة واقع الدروس المستفادة من تجربة الدولة العراقية بعد عقود من ولادتها، خصوصاً بعد عام 2003م، والاتجاه صوب البحوث الحفرية التنقيبية لنقد وتقويم هذه التجربة بايجابياتها وسلبياتها وتوليد افكار ابداعية جديدة في مجمل وتفاصيل النظام السياسي، والذي يستوجب مراجعة دستور العراق لعام 2005 والفضاء التشريعي العام، ونقله من حالة (الجمود) الى ظاهرة الحراك والاستجابة والفاعلية)، حيث أن التطورات المتسارعة والمستجدات المتكاثرة تقتضي نكران الذات ومغادرة الحيز الفئوي المنغلق والانفتاح على التجارب الدولية في تحديث مسارات العمل السياسي وهندسة نظام الحكم بما يستجيب لثلاثية الثوابت والمصالح والمطالب، والتحرك صوب الانتهاء من حالة الإنتقال الديموقراطي الى حالة التحول الديموقراطي) ومن ثم الى الديموقراطية التشاركية الناجزة التي تستجيب للمتغيرات والمستجدات، بحيث تتحول الى ثقافة سياسية متوطنة يشارك فيها الجمهور في كل المراحل والمستويات للعملية السياسية، وتبث روح التطوير المتسلسل في البنى والممارسات السياسية المستندة على التنمية والوعي السياسيين وبما يضمن إيجاد هياكل ووظائف مرنة للنظام السياسي الوطني، ليمكنه من امتصاص الاختلالات والارتدادات أياً كان حجمها ونوعها، وهو ما يفضي الى تماسك واستقرار داخلي يسهم في تسريع وتائر التنمية الشاملة ويعزز الثقة ويجتر العلاقة بين الشعب والمنظومة السياسية شخوصاً ومؤسسات وممارسات، وبما يتيح للدولة إنشاء قاعدة إستقرار وسكينة للإنطلاق صوب تحقيق التنمية والرقي والتقدم والريادة في اطار الاستقلال والسيادة. 

6 -  إستراتيجيات قطاعية أكثر انتاجية: لا تعبر الاستراتيجيات والخطط بالضرورة عن غايات جادة ونهج قويم ما لم تلتزم هذه الاستراتيجيات بالمنهجية الموضوعية العلمية والغائية الملهمة، حيث أن أكبر تهديد يواجهها هو إعتبار البعض أن صياغتها تمثل نهاية مطاف بينما أن الأصل يكمن من انها أي الاستراتيجيات يجب أن تكون كاشفة عن (عقل استراتيجي مستنير ومتمكن وحيوي وخلاق ومتسلح بادوات العلم والمعرفة والطلاقة والاصالة والابداع، وتفكير استراتيجي قادر على التحليل والاستقراء والاستنباط والتنبؤ والاستشراف، وتطبيق استراتيجي قائم على الامكانات وفقه السياسات وفاعلية القرارات وعملانية المبادرات والاجراءات والمشروعات، وتقويم استراتيجي مستند على المؤشرات والحوكمة والانظمة الفعالة في المتابعة والتقييم والتغذية العكسية، وهذه المنظومة لا يمكن تحصيلها إلا عبر التوفر على كوادر نخبوية في التفكير والتخطيط والتنفيذ والرقابة ومؤسسات جديرة ومؤهلة لقيادة ادارة دفة العمل والتنجيز والمسائلة والمحاسبة، وقيادة عليا صاحبة رؤية والهام ودافعية مستدامة. إن الوجهة الاستراتيجية يجب أن تترجم الاستراتيجية العظمى للدولة والتي تمثل التعبير الخالص عن الارادة الوطنية الجامعة والشاملة للثوابت والمصالح والمطالب، وعنها تنبثق كافة الاستراتيجيات والسياسات العمومية والقطاعية والوظيفية والتشغيلية، على نحو يعكس التكامل والتناغم والانسجام ووحدة التوجه، مما يوفر قدراً كافياً وواضحاً في تفعيل مسارات الأداء لجميع مؤسسات الدولة وعناصرها واركانها وسلطاتها، وبما يتيح التحرر من التبعية والابتزاز بكافة صوره وتمثلاته. 

7. تربية أكثر رصانة وتعليم أكثر تفوقاً: أن منظومة التنشئة والتعليم تستوجب المبادرة في تعزيز محورية الأسرة واعتبارها اللبنة الاساس في تطوير الافراد والمجتمعات، وهو ما يستدعي إطلاق حملات وطنية في التنمية الأسرية الفاعلة وتحويلها الى مؤسسات صغرى تنهض بالوظائف المقدسة في زرع القيم والاخلاقيات المتجهة صوب الارتقاء بدور الفرد في التنمية المجتمعية، وغرس الولاء الوطني وإشعال روح الحماس للبذل والعطاء وتعزيز روح التفاني في طلب العلم والتحصيل المهاري وترسيخ القيم والتوجهات الذهنية للأهداف النبيلة، فضلاً عن ضرورة الانتقال بالمؤسسات التربوية والتعليمية للتحول الى بيئات التصدير الابداع والابتكار وصناعة القيادات الخلاقة والفاعلة في المجتمع، وجعلها مثابات للصحة النفسية وبناء القدرات والجدارات المستجيبة للحاجات الوطنية وسوق العمل والتحديات الراهنة والمستقبلية في المجالات والقطاعات كافة. 

8 . نظم أكثر مرونة: حيث تمثل منظومة الاجراءات والاساليب قلب الرحى في عمليات الادارة والتوجيه وممارسة القيادة، وأليات صنع القرارات الأجدى والأكثر موضوعية، من خلال التعامل العقلاني والمدروس للمدخلات، وخلق فضاء للعمليات الكفوءة والفاعلة لإحكام المخرجات والنتائج وفق أحدث النماذج والطرق العملية.

 إن صياغة مجال حيوي ومتفاعل ومستجيب ومتواكب ومستدام، يتطلب معايير متكيفة مع ضغط الحاجات والمستجدات، وتفاعلات مرنة تستجيب للمخاطر والتهديدات والتحديات وهو ما يمكن إستيلاده بإحداث نقلة نوعية في مجال التنظيم والاساليب والانماط الادارية الحاكمة في مهام وأعمال دوائر القطاع العام وتشكيلاته كافة، فضلاً عن استحداث أنظمة تنسيق وتواصل فعالة بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المحلية والاقليمة والدولية).

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن