04 Mar
04Mar

ضمن سلسلة السلطات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية العراقية، بحثنا سلطتين في مقالين اثنين الأول، تناول سلطته في التصديق على التشريعات الصادرة من مجلس النواب العراقي، والثاني تناول سلطته في التصديق على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وفي هذا المقال نتناول سلطته في حل مجلس النواب العراقي، هذه السلطة لم يتم ذكرها بشكل صريح في المادة 73 منالدستور العراقي والخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية وانما تناولته المادة 64 من الدستور العراقي لعام 2005 حيث جاء نصها الاتي: "أولا. يحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، او طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء".

بداية نعني بحل مجلس النواب العراقي، انهاء مدة ولايته الدستورية قبل اوانها، ومدة ولاية مجلس النواب العراقي قد حددتها المادة 56 من الدستور العراقي، حيث بينت ان مدة ولايته هي 4 سنوات تقويمية.

اما أسباب ومبررات اللجوء الى هذه السلطة، فلعل من أهمها، النزاعات والخلافات التي يمكن ان تنشئ ما بين الحكومة ومجلس النواب، او النزاعات التي تنشئ ما بين الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة والتي تحظى بالتمثيل البرلماني الأكبر لمجلس النواب العراقي، كما حصل في فترة (الانسداد السياسي) في العراق لعام 2022، حيث وجه زعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر) مطالبته لحل مجلس النواب العراقي، بداية الى رئيس مجلس القضاء الأعلى (فائق زيدان)، ثم طلب من نوابه المستقيلين وانصاره المحتجين تقديم دعاوى رسمية للمحكمة الاتحادية العليا وبالطرق القانونية، بيد ان المحكمة الاتحادية العليا ردت تلك الدعاوى في قرار صادر لها بتاريخ 7/9/2022، لعدم اختصاصها عملا بنص المادتين 93 و94 من الدستور والمادتين 4 و5 من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005.

كما قد يعد الحل وسيلة دفاع رئيس الجمهورية عن برامجه وسياسته التي قد لا تتفق وسياسة الحكومة، وان اللجوء الى استخدام حق الحل قد يكون لأجراء تعديلات مهمة وجوهرية في نظام الحكم او في النظام الانتخابي او في وضع الدولة الدستوري والسياسي.

وقد يكون استخدام حق الحل لغرض إيجاد اغلبية نيابية مريحة لم تكن موجودة في المجلس السابق.

أيا كانت أسباب الحل ودوافعه ومبرراته فان المادة 64 من الدستور العراقي، لم تكن محل اتفاق بين فقهاء القانون وخبراء السياسة حيث انقسموا بشانهاالى اتجاهين.

الاتجاه الأول، ويرى ان حل مجلس النواب العراقي ممكن حصوله عبر طلب يقدم من رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية وموافقة الأخير عليه وحجتهم في ذلك هو ان السلطة المشتركة لرئيسي الوزراء والجمهورية في حل البرلمان انما هي غير معلقة على تصويت اغلبية مجلس النواب العراقي وذلك من صراحة النص المادة 64 من الدستور، حيث ان هناك حكمين يفصل بينهما فاصل الأول وهو طريق برلماني والثاني وهو طريق تنفيذي لا علاقة لمجلس النواب به.

الاتجاه الثاني، ويرى أصحاب هذا الاتجاه ان مجلس النواب وحده المخول بحل نفسه حتى في حال كان الطلب مقدم من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية عليه وحجتهم في ذلك، انه لا يوجد في الدستور العراقي ما ينص على الانتخابات المبكرة، وانما هناك نصين هما المادة 56 التي تتحدث عن الانتخابات الاعتيادية في الأربع سنوات، والمادة 64 التي تتحدث عن حل مجلس النواب، حيث تنص هذه المادة على ان مجلس النواب يحل بالأغلبية المطلقة من عدد أعضائه بطلب من ثلث الأعضاء او بناء على طلب رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية ثم تصويت مجلس النواب عليه في الأغلبية المطلقة.

ونحن بدورنا نؤيد أصحاب الاتجاه الأول ونعتقد، ان الحل المتأتي من السلطة التنفيذية، انما هو يعد في حقيقته من اهم الوسائل الفاعلة لتحقيق التوازن المطلوب مابين السلطتين، وهو الحق الذي من خلاله تضمن السلطة التنفيذية استقلالها تجاه السلطة التشريعية، حيث ان الأولى لا تعد مجرد منفذة لرغبات الثانية او خاضعة لها، ولأجل هذا وجد الحل، اذ من خلاله تتمكن السلطة التنفيذية من منع السلطة التشريعية من الاخلال بوظائفها الدستورية، او ان تضع حدا بموجبه لإساءة النواب في استخدام حقوقهم الدستورية.


اما القول، بان حل مجلس النواب، انما يتحقق في حالة واحدة فقط ، وهي ان يوافق المجلس على حل نفسه وهو ما يسمى ب (الحل الذاتي) فيرد عليه بالقول، ان هذه الفرضية ان لم تعد مستحيلة فعلى الأقل هي فرضية نادرة التحقق، وذلك لصعوبة تصور موافقة المجلس على حل نفسه أيا كانت الجهة التي تقدمت باقتراح الحل، وذلك لان المجلس سيكون حينها خصما وحكما في ذات الوقت، مما يؤدي الى بقاء نص المادة (64) من الدستور العراقي معطلا من الناحية العملية مما سيترتب على ذلك الاتي:


• افتقاد السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء) لايةوسيلة عملية فاعلة من شانها التاثير على مجلس النواب العراقي


• • اختلال التوازن السياسي بين المؤسسات الدستورية، ورجحان لكفة مجلس النواب على كفة مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، وهو ما سوف يمهد لاستبداد مجلس النواب الذي لن يجد اية سلطة في الدولة تمنعه من التعسف لافتقاد باقي السلطات لاية وسيلة دستورية تجاهه.


وأخيرا نقول، لولم تكن للسلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الجمهورية) صلاحية حل مجلس النواب منفردين دون موافقة مجلس النواب العراقي، فما الجدوى والفائدة من ذكرهما في نص المادة 64 من الدستور؟ هل يعقل ان يكون قصد واضع الدستور بمثابة بديل عن (طلب ثلث أعضاء المجلس فقط للحل)؟


نجيب على ذلك بالقول، ان الحل البرلماني يتطلب طلب يقدم من ثلث أعضائه أي ما يمثل (110 نواب) ثم التصويت عليه من قبل الاغلبية المطلقة أي ما يمثل (165 نائب) لكي يمضي ذلك الحل فلو قلنا جدلا ان (سلطة رئيس مجلس الوزراء والجمهورية) هي البديل عن 110 التي تعذر حصولها، فمن غير المنطق القول بإمكانية الحصول على تصويت 165 نائب بالموافقة على حل البرلمان! 

من كل ما تقدم نرى، ان هنالك وسيلتين لحل مجلس النواب العراقي، وليست وسيلة واحدة، فالاولى عن طريق مجلس النواب العراقي نفسه، والثانية عن طريق السلطة التنفيذية (بطلب يقدم من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية عليه) من دون الحاجة للتصويت عليه من قبل مجلس النواب العراقي.



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن