16 Jul
16Jul

 كتب : نعيم عبد مهلهل 

لم يدخل مسيحو العراق في جدلية النقاش على مستوى الرأي العام العراقي وحتى العالمي مثلما دخلوا في جدلية المرسوم الجمهوري المعطى بحق الكاردينال لويس روفائيل ساكو من قبل الرئيس الراحل مام جلال الطالباني وفيه اشبه ما يكون تنصيا للوصاية على المسيحية وأرثها في العراق وتنظيم شؤونها واوقافها .

وبعيدا عن الاقبية التي دخل فيها المرسوم وتداعياته ، حيث ذهب الى ابعد ما يمكن ان يحدثه الامر من حيث التظلم او شرح مبررات المنصب ومرسومه قد يعيد الامور الى نصابها إلا أن التراجع عنه اصبح صعبا إذا تطورت احداث اخرى ساهم المرسوم في اخراجها للعلن ومنها الصراع  بين الكنيسة الممثلة بكاردينالها الكبير ،وبين رئيس كتلة كلدانيون وفصيلها الحشدي المسلح بابليون الذي كان له دورا كبيرا ومؤثرا في الدفاع عن الوجود المسيحي ضد هجمة داعش الارهابية .

 ولاحقا يتطور هذا الفصيل ليكون حركة سياسية .

اكاد اعرف أن الرئيس بعيد عن هذه الاشكالية بين الاخوة المسيحيين ( الدين ــ ساكو .والسياسة ــ ريان ) فهو من طبيعته الحضارية والثقافية والسياسية يبتعد جدا عن الدخول في تلك الجدلية التي خلقتها ظروف ما بعد 2003 والتصدي لداعش المعتوه .

فأنا قد زرت سيادة الرئيس وبدعوة من فخامته عندما كان كبير مستشاري الرئيس الراحل مام جلال ، واراني ما يحب ويهوى ان يحتفظ به وهو عبارة عن معرض جميل لفنانين عراقيين اغلب لوحاته تمثل بيئة جنوب العراق ومنها لكنائس في البصرة واشار علي انه يحب التراث العراقي بكل مكوناته . 

واعرف انه عندما كان وزيرا للموارد المائية كانت الاهوار الجنوبية من بعض اهتماماته الاولى ، وكانت اسئلته تطرح دائما عندما يراد ان تغمر بعض المناطق بالمياه ان تكون هناك اثارا او جوامع اسلامية او اديرة مسيحية او معابد لطوائف اخرى حتى يتم تحاشي غمرها بالمياه.

إذن الرئيس في تقديري لا يملك مرجعية أو قصدية تدفعه في اتخاذ القرار ،وانما كما اشعر ان الامر اتى من خلال مقترح من قانونية الرئاسة وتم التداول به مع الرئيس الذي اعرف عنه انه يدقق في ابسط الامور.دينيا يحتاج الكاردينال ساكو أن يثبت مكانته بين رعيته . وجمهوريا فأن التراجع عن المرسوم يفقد الرئاسة شيئا من هيبتها ويظهر للرأي العام انها كانت تفكر بطريقة لا تهتم فيها لوحدة العراق .

 واظن ان المرجعية الرشيدة في النجف اشارت الى شيء من الحلول وان ابدت في سياق بيانها او من تكلم عنها بعد الرضا عن طريقة وتوقيت اصدار المرسوم .بين الدين والمرسوم يستعاد تاريخا عريقا وطويلا بين الدولة والكنيسة حاولت فيه الحكومات المتعاقبة ان تترك الكنيسة تسير امورها الدينة كما تفعل اوربا ، والآن تأججت اشكالية المرسوم بما يشعره الكثيرون حزن الكاردينال وغضبه وتظلمه  واخر يشعر بزهو الانتصار الفرح ممثلا ببابليون .

وقد يشعر الكثير ايضا ان الكلدانيون ــ ريان كان لهم دورا وتأثيرا في طرح مبررات سحب المرسوم.الأمر يحتوي على خفايا تبررها الرئاسة انها تصحيحا اداريا لمرسوم قديم . وتبرره الكنيسة انه استهدافا مقصودا .

وما بين المقصود والاستهداف نتمنى ان تنتهي اشكالية هذا التوتر بين الكنيسة الدينية والجمهورية بمرسومها .لاسيما ان اول ردود الفعل المقاومة التي اتت من الكاردينال ساكو هو الانسحاب من مقره الكنائسي في بغداد ليذهب الى واحد من اديرة كردستان معتكفا ومحتجا ،واعرف ان هذا الاحتجاج هو بداية التأليب الكنائسي العالمي ضد الدولة العراقية ومرسومها وأشعر ان غبطة الكاردينال يمتلك علاقة جيدة مع البابا الذي كان الكاردينال ساكو عراب زيارته التاريخية الى مدينة اور التاريخية حيث بيت النبي ابراهيم وزقورتها الأسطورية الشامخة .

ويقال ايضا ان البابا اعتذر عن ترتيب لقاء كان مفترضا مع رئيس الجمهورية الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد اثناء زيارته الاخيرة الى ايطاليا .بالرغم من انني لا ارى ربطا بين الزيارة والمرسوم إلا ان الكثير من المحللين وضعوا هذا الافتراض والبعض جعله حتميا.

اتمنى ان نجد الحل . فالذهاب مع المرسوم يخلق زعلا اراده بعض القساوسة منفذا للتحريض مجددا على الهجرة المسيحية من العراق ،والحجة عندهم اذا كان المرجع مهددا وبدون حصانة فحتما الرعية كلها مهددة.

أتذكر الان  صور الاديرة البصرية على اللوحات التي هي من مقتنيات السيد الرئيس واتذكر ايضا تواضع الكاردينال في لقاءاته . فأحاول ان اجمع ظلاليهما في جهة واحدة تطل صوب العراق المتعايش بموجوداته ، دياناته ومذاهبة وطوائفه وقومياته.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن