النزاع حول النفط والطاقة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ليس وليد اليوم، بل هو نزاع برز وظهر بشكل جلي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وبالتحديد في عام 2007، عنما منع نزاع اثير بين البرلمانيين الاكراد والعراقيين من إقرار قانون وطني للنفط والغاز، فعمدت حكومة إقليم كردستان الى إقرار قانونها الخاص بالنفط والثروات الطبيعية عام 2007، وسرعان ما بدأت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم الى ابرام عقود مشاركة في الإنتاج مع شركات النفط الدولية، الذي يتيح لحكومة إقليم كردستان نقل مخاطر الاستثمار الى شركات اجنبية، تتولى البحث والتنقيب عن النفط في مقابل التعاقد معها وبسخاء كبير اذا ما تم اكتشاف النفط من قبلها في مناطق الإقليم، وكانت هذه الصفقات مرضية لحكومة الإقليم ولكنها تعد امرا مشينا للحكومة العراقية، الذي تعده تجاوزا على سلطاتها، وفي ظل غياب قانون نفط جديد، واصلت الحكومة العراقية إدارة قطاع الطاقة والنفط على أساس القوانين القديمة التي تعود الى عهد النظام البائد، ثم جاء الخلاف على صادرات النفط، حينما عمدت حكومة إقليم كردستان على توقيع اتفاقية طويلة الأمد مع تركيا، وانشأت خط انابيب محلي مرتبط بخط الانابيب بين العراق وتركيا، وبدأ نفط الإقليم يتدفق الى الأسواق الدولية منذ أيار من عام 2014 وعبر محطة جيهان.
مما دفع الحكومة العراقية الى تحذير الشركات المتعاملة مع الإقليم بتوقيع اتفاقيات نفطية دون اذن وموافقة وزارة النفط العراقية محذرة إياها بانها سوف تضعها في القائمة السوداء التي يحذر التعامل معها في المستقبل.
لم تكتف الحكومة المركزية بهذا الاجراء بل عمدت الى مقاضاة انقرة في (محكمة التحكيم الدولية) لاستثمار نفط الإقليم من دون علمها وموافقتها المسبقة.
نجحت الحكومة المركزية في دعواها، حينما اصدر المحكمون حكما يقضي بالزام الشركات التركية بدفع تعويض للحكومة العراقية وقدره 36 مليار دولار.
ثم طالبت الحكومة العراقية حكومة الإقليم بتسليم عوائد صادرات النفط الإقليم، ولكن الأخير رفضت وامتنعت عن الاستجابة للحكومة العراقية، واستمرت بإبرام الصفقات الواحدة تلو الأخرى التي سرعان ما تم فسخها من قبل الحكومة العراقية.
وفي ظل تعاظم الازمة واستمرارها لامتناع حكومة إقليم كردستان عن الاستجابة لمطالب الحكومة المركزية، استدعت وزارة النفط العراقية مجموعة خبراء في مجال القانون والاقتصاد، وكنت من بينهم لبحث اهم الوسائل الناجعة للتعامل مع هذه الازمة.
قدمت رايي القانوني حينها والمتمثل بمجموعة حلول قانونية ومن ابرزها، امتناع الحكومة المركزية عن تقديم حصة (حكومة الإقليم) من الميزانية الوطنية حتى يصار الى تسليم العوائد النفطية التي تسلمتها حكومة الإقليم، وهذا ما يسمى بالقانون ب(الدفع بعدم التنفيذ) الذي يتيح لاحد الملتزمين الامتناع عن أداء التزامه حتى يقوم الطرف الاخر بالوفاء هو بالتزامه.
وبالفعل سرعان ما أعلنت الحكومة المركزية بامتناعها عن تقديم (حصة الإقليم) من الميزانية مما تسبب في ازمة مالية لحكومة الإقليم، ورغم ذلك لم تستجب هذه الأخيرة لمطالب الحكومة المركزية.
بيد ان حكمين صدرا عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، كان لهما الأثر الفاعل في الضغط على حكومة الإقليم، الأول في شباط عام 2022، حيث أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا مفاده ان قانون الموارد الطبيعية لحكومة إقليم كردستان لعام 2007، يعد قانون (غير دستوري)، وان صادراتها النفطية وعقودها تعد غير قانونية (باطلة) ثم عقبه قرار اخر صدر في كانون الثاني 2023 يقضي بعدم قانونية تحويلات الميزانية الاتحادية الى إقليم كردستان.
والواقع من الامر، ان هذا القرار الأخير للمحكمة الاتحادية العليا، قيد ايدي الحكومة المركزية، وعرض جهود المصالحة التي بذلها الاطار التنسيقي مع الأحزاب الكردية للخطر، ومما دفع ذلك بعض الأحزاب الكردية التي التشكيك في دستورية ونزاهة المحكمة الاتحادية العليا.
على الرغم من ذلك كله، فان قرارات المحكمة الاتحادية العليا تعد باتة وملزمة للجميع وذلك بحسب الدستور العراقي لعام 2005 في المادة 94 منها.
لسنا بصدد الدفاع عن جهة على حساب جهة أخرى، ولكننا نقول، ان السياسة النفطية في العراق واضحة كل الوضوح حيث رسمت خطوطها العريضة مواد الدستور العراقي، اذ اشارت المادة 111 من الدستور، على ان النفط والغاز هو ملك لكل الشعب العراقي وليس لجهة او إقليم فقط.
كما اكدت المادة 112 من الدستور، بان تقوم الحكومة المركزية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد.
وأخيرا المادة (13/ثانيا) من الدستور التي تقتضي بعدم جواز سن قانون يتعارض مع نصوص الدستور العراقي. (ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم، اواي نص قانوني اخر يتعارض معه).
من كل ما تقدم نرى.. ضرورة اصدار مجلس النواب العراقي، قانون ينظم السياسة النفطية لجميع العراق واستثمار الموارد الطبيعية بما ينسجم ويتفق مع نصوص الدستور العراقي وقرارات المحكمة العليا وبما يحقق العدالة والمساواة التي نؤكد عليها دوما وابدا، تلك العدالة التي ينبغي ان تسود العراق من شماله حتى جنوبه، كي لا تترك ثغرة تكون منفذا للشعور بالمظلومية وعدم الرضا بين أبناء الشعب العراقي.
وامتثالا لقوله تعالى:
((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)) الاية 58 النساء.