((رأى هارون سَحَابة، فقال لها: "إذهبي، أينَما تمطرين يأتيني خِراجك"))
• فَرقٌ بالحَالة، بين أن تكون مَلِكاً، فتُخاطِب السُحب مُباهاةً دون أن تملكها (وهم خَيال السّلطة)، وبين أن تكون سجيناً لا ترى سماءً فتوظِف سُحبها (قوة مخيال المُصلٍح). (الأول) هارون، و(الثاني) موسى.
• فَرقٌ بالشعور، بين أن تحاكي السَحابة من فوق سرير عَرشك، وهي في الأعلى تمر دون أن تراك، وبين أن تموت في مَطمُورة، ثم يُلقى بك على جسرٍ، فيحمِلُك التاريخ كسَحابة لم تَرَها يوماً في حفرة سِجنِك. (الأول) هارون، و(الثاني) موسى.
• فَرقٌ بالنِّية، بين أن تنظرَ للسَحَابة كمُلك، فتُطالِب عندها بالطّاعة والخراج، أو أن تنظرَ للسَحَابة كوجود فتوظفه عندها للتماهي مع التاريخ ومع مالِك المُلك. (الأولى) نَظرة هارون، و(الثانية) نَظرة موسى.
• فَرقٌ بالتوظيف، بين أن تنظرَ للسَحَابة كضَرعٍ يُحلَب، أو أن تنظرَ للسَحَابة كَجَناح يُركَب. (الأولى) نَظرة هارون، و(الثانية) نَظرة موسى.
• فَرقٌ بالحِكمة، أن تَنظر لكل سَحابة أنها تحمل مطراً، فتخدعك عندها السُحب العابِرة. وبين أن تَنظر لكل سَحابة أنها تحمل جمالاً وخيراً وعلواً، فتصدقك عندها كل سُحب السّماء. (الأولى) نَظرة هارون، و(الثانية) نَظرة موسى.
• فَرقٌ بالبَصيرة، بين مَن يريد أن يملُك السَحاب، وبين مَن يريد أن يَملكُه السَحاب. (الأول) هارون، و(الثاني) موسى.
وهكذا هم أهل السّلطة دوماً، أُسارَى عقل الإحتكار، ولا يَرَون بِمُلّكِهم كسَحابة تمر وتفنى، بينما الأحرار دوماً يَرَون بإرادتِهم كالسماء تدر وتبقى.
ليتك يا هارون تَمَعَّنتَ بالسَحَابة جيداً لِتعرِف المُلك والمَالِك، فتُفَرّق بين الحُرّ والعَبد!!
• يا هارون: الفرق بين المالِك والمملوك هي الحرية، حرية الإرادة فيما تختار،.. وانظر كيف أنَّ سَلاطين الأجساد تتحكّم بهم الأشياء، وسَلاطين الإرادة يتحكمون بالأشياء.
هنا الفارق يا هارون، أن تَملُّك لا أن تُملَّك، سواء كنت حَاكِماً أو محكومَاً، سواء كنت طليقاً أم مُكبّلا،.. الإرادة الحُرّة هي المَائِز،.. الإرادة المتحَررة من قيدِ الطَّاعة المخزِية للظلم والخَطيئة والباطل.. هي المَالِكَة للموقف والصانِعة للمَجد.
• ويا هارون: ليتَك (كَظَمت) هواجِسك وأنت تُخَاطِب السَحَابة، كي لا تفضَح سريرَة السَّلاطين!!
ومَهلاً يا هارون، هل تعرف أنت وأهل السَّلطة معنى (الكَاظِم)؟
• يا هارون: (الكَاظِم) هو المُمتَلِئ بقوّة إرادة الرفض للهوى والسُفُول، المُمّسِك لٍنَفسِه عن دَنِيَّة طَاعَة البَاطِل، والرافِض لشَنَار التَّسليم للمُنّكَر، وإن كانت الروح هي الثَّمن.
• يا هارون: كُل حُرٍ وأَبِيّ عِبر التاريخ هو (كَاظِم)، كُل أمينٍ ومستقيمٍ ومُكاشِفٍ ومَنِيعٍ وأَنِفٍ ضد الظلم والفساد والخطيئة هو (كَاظِم)، وإن غيّبَتهم حُفر السّجون ومَطَامِير الطُغَاة.
• أخيراً يا هارون، إن شَكَكت بالعاقبة والمَآل، فاسأل السَحَابة التي خَاطَبت، عن مُلّكِك ومُلّك موسى، أيّ مُلّكٍ اسْتَقَر واندَثَر، وأيّ مُلّكٍ دَامَ وارتَحل!!
و(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).