08 Oct
08Oct

كتب :  د. محمد مرعي                                                      

المفهوم الدارج لشرعية السلطة في النظام الديمقراطي هي التي افرزتها صناديق الاقتراع ، والتي تعني الشرعية الدستورية القائمة على اساس التداول السلمي والتعددية السياسية والانتخاب اي التي حظيت بانتخاب اكثرية الشعب لها او التي تم تعيينها من قبل ممثلي الشعب ( مجلس النواب ) وفق سياقات القانون او النظام الداخلي للمجلس ، وبذلك ستمتد الشرعية التي حظي بها مجلس النواب الى السلطتين التنفيذية والقضائية ، ولا يمكن الركون الى هذه الحقيقة في شرعية السلطة الى نهاية الدورة الانتخابية بل تنتهي شرعية السلطة عندما لا تحقق العدالة التي تمناها الشعب وتعهد النواب على اقامتها ، والسؤال هو ما هي محدوديات العدالة المطلوبة ؟

 ونقول بأن العدالة هي العدالة الاجتماعية بكل ما يعنيه هذا المصطلح من  معنى ، وباختصار شديد تتحدد تلك العدالة بالأداء الاستخراجي للنظام السياسي والاداء التوزيعي لهُ .

 اولاً : الاداء الاستخراجي للنظام السياسي يتعلق بقدرة النظام على استخراج وتعبئة الموارد المادية والمعنوية في البيئة الداخلية والخارجية ، او سياسة استخلاص الموارد والتي هي واحدة من اهم السياسات التي يعتمدها النظام السياسي ، وتنبع هذه الاهمية من مساهمة هذا الاداء في تعزيز السياسات الاخرى ، فلا يمكن الحديث عن موازنة مالية عامة تبين حجم الايرادات والنفقات ما لم يضع النظام السياسي تصورات واقعية حول امكانية استغلال الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة في اقليم الدولة ، ويرتبط هذا الاداء بسلوك النظام السياسي ومعياره هو التغيير الحاصل بهذا الاداء الى الافضل او الاسوأ . ويمكن تقسيم الموارد التي ينصب اهتمام الاداء الاستخراجي للنظام السياسي عليها بشكل مباشر الى ثلاثة اقسام وهي : 

  • الموارد الطبيعية : وهي الموارد التي يحصل عليها النظام السياسي من خلال ما توفره الظروف المناخية وما يحتويه باطن اقليم الدولة .
  • الموارد غير الطبيعية : وهي الموارد التي يحصل عليها النظام السياسي من خلال ما يفرضه من سياسات في مجال الضرائب والرسوم .
  • الموارد البشرية : وهي مجموع الكتلة البشرية او القوى السكانية التي يزاول النظام السياسي نشاطاته عليها من اجل الاستفادة منها او توظيفها ، وتعزيز قدراتها الذاتية بما ينسجم مع اهداف النظام السياسي التنموية .

 وعلى سبيل المثال فان الاداء الاستخراجي النفطي يمكن تقييمهُ ، اولاً - من خلال الجهد الوطني ذات الخبرة العالية في شؤون الاستكشاف والحفر والانتاج الموظف لتطوير القطاع النفطي وادارته ، وثانياً - من خلال الاستثمار الاجنبي سواء كان استثماراً مباشراً او من خلال جولات التراخيص . والشرعية فيما تقدم هو الاستثمار الامثل للموارد المادية والبشرية المتاحة وتنميتها ، والعدالة هنا هو عدم التفريط بهذه الموارد والتوزيع العادل لمخرجاتها من اجل رفع دخل الفرد مع الاخذ بنظر الاعتبار التنمية المستدامة لتوفير العيش الرغيد للأجيال القادمة . ثالثاً - الاداء التوزيعي للنظام السياسي يتعلق بقدرة النظام على توزيع الموارد المادية والمعنوية على المجتمع بما يحقق نوعاً من العدالة . او هو تخصيص الثروة والسلع والخدمات والفرص الوظيفية والتعليمية والمراتب الشرفية على الافراد والجماعات المكونة للمجتمع ، ويمكن قياسها عن طريق تحديد القيم الموزعة وحجم المستفيدين منها . وباختصار شديد يمكن حصر الاداء التوزيعي بثلاثة انواع وهي : 

  • توزيع التمثيل السياسي سواء كان تمثيل سياسي اتحادي او تمثيل سياسي محلي .
  • توزيع وظائف السلطة : ان السلطة تحتاج الى توزيع متكافئ وهذا لا يعني تجزئة السلطة على نحو التقسيم ، لان السلطة وحدة واحدة لا يمكن تجزئتها وانما المعني توزيع لوظائفها لان تركيز السلطة بيد حاكم او هيئة حاكمة يغريها بالاستبداد والطغيان.
  • توزيع الانفاق الحكومي ، فالأنفاق الحكومي يعد ركناً من اركان السياسة المالية التي تعتمدها الدولة من اجل اشباع حاجات السكان الاساسية والعامة والتي تتعلق بتقديم

 الخدمات العامة مثل الخدمات التعليمية والطرق والجسور والطاقة والمياه وغيرها ، وهذا الامر يتوقف على قدرة الدولة في توزيع نفقاتها المالية توزيعاً مناسباً ينتج عنه تحقيق الرضا المجتمعي ويعني ذلك اكتساب الدولة لشريعتها في هذا المجال من خلال عدالة التوزيع ، وينبغي الاشارة الى ان عدالة التوزيع هي العدالة النسبية وليست العدالة الكمية . ومن كل ما تقدم نخلص الى نتيجة مهمة ينبغي الاخذ بها في تحديد مصطلح الشرعية وهو ان النظام السياسي والسلطة بغض النظر عن كيفية تنصيبها سواء كانت عن طريق الانتخاب او عن طريق الانقلاب يمكن ان يكتسب الشرعية عندما تكسب رضا الشعب بصورة عامة ، الناتجة من خلال عدالة الاداء الاستخراجي والاداء التوزيعي والذي يطلق عليه شرعية الانجاز وبعكس ذلك فان شرعية النظام السياسي او السلطة تختل نسبياً بقدر الاخلال بهذين الأدائين وتنتهي عندما يصبح الاخلال منهجاً او سياقاً او عرفاً للنظام السياسي او السلطة .  

                                                         د. محمد مرعي                                                           4/10/2023

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن