١٠ / ١٠ / ٢٠٢٣
فارس الطالب ✍️
ظنت إسرائيل طويلا / أن إبعاد الفلسطينيين من سكان 1948 عن أهلهم في الضفة والقدس والقطاع وعن قضية التحرير وإقامة الدولة المستقلة وتسوية مسألة اللاجئين ممكن إن بخليط من سياسات وممارسات الدمج في سياق المواطنة الإسرائيلية .وكان ذلك هو التوجه التقليدي لحكومات اليسار . . أو بسياسات وممارسات عكسية كرست لمواطنة الفلسطينيين كمواطنة درجة ثانية وكان ذلك هو التوجه المستقر لحكومات اليمين العلماني والديني .
ظنت إسرائيل طويلا / أن حصار غزة وما يرتبه من معاناة معيشية رهيبة لسكان القطاع والضربات العسكرية المتكررة ضد حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى والعمليات الاستخباراتية المتتالية التي استهدفت تصفية العناصر المؤثرة في كتائب القسام وسرايا القدس وغيرها وإحاطة القطاع بأسوار وتحصينات أمنية متطورة .
ظنت إسرائيل طويلا / أن هذه السياسات ستضمن أمنها وتفرغ تدريجيا مخزون مقاومة الاحتلال لدى أهل غزة وتفرض عليهم عزلة كاملة في واقع مرير لا فكاك منه .
ظنت إسرائيل طويلا / أن مواصلة تفتيت الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال التوسع في بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم وفرض المزيد من القيود على حرية الإقامة والحركة والعمل والدراسة تارة بقوانين عنصرية وأخرى ببناء الأسوار وترسيم مناطق عازلة والحماية السافرة للمستوطنين المتطرفين وتمكينهم من الاعتداء المتكرر على المدن والبلدات الفلسطينية، كما حدث في هوارة وغيرها .
ظنت إسرائيل طويلا / أن هذه الممارسات ستصرف أهل الضفة والقدس الشرقية عن مقاومة الاحتلال والإستيطان أو تختزل مقاومتهم إلى مناوشات متفرقة ومحدودة النطاق يستطيع المستوطنون المدججون بالسلاح أو تستطيع القوات الإسرائيلية الحاضرة دوما السيطرة عليها دون كلفة مرتفعة .
ظنت إسرائيل طويلا / أن التهميش الممنهج للسلطة الفلسطينية إن بالتنصل من كافة التزامات وتعهدات عملية السلام التي بدأت قبل عقدين من الزمان باتفاقات أوسلو في 1993 وكان هدفها المعلن هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتعايشها السلمي مع دولة إسرائيل أو بالإمعان في الضغط السياسي والإقتصادي والمالي على رئيس السلطة محمود عباس وأعضاء حكومته والتعامل معهم ومع الأجهزة الأمنية والإدارية الفلسطينية كوكيل أمني يتعين عليه منع رد اعتداءات المستوطنين المتطرفين والحيلولة دون حدوث أعمال عنف في الداخل الإسرائيلي .
ظنت إسرائيل طويلا / أن بذلك تقضي على الأمل في الدولة المستقلة وتنسف حل الدولتين الذي أسس لشرعية عملية السلام وتستبدله بوضعية إحتلال دائم صار نظاما متكاملا للفصل العنصري في الضفة الغربية والقدس الشرقية وتقصي من دائرة الفعل السياسي السلطة الفلسطينية ومن خلفها منظمة التحرير ليصبح أهل الضفة والقدس دون قوة حقيقية تمثلهم . ومن ثم تضعف مقاومتهم للإحتلال والإستيطان ويتحولون تدريجيا إلى سكان ما يشبه ( البانتوستنات ) المعزولة عن بعضها البعض بخرائط المستوطنات المتسعة دوما والفاقدة للهوية الوطنية والسياسية بفعل تهميش السلطة والمنظمة .
ظنت إسرائيل طويلا / أن بذلك ستحول دون وحدة الهدف الوطني بين فلسطينيي 1948 وبين الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفي المنافي وستمنع من ثم إنتقال روح وأعمال المقاومة من غزة والقدس والضفة إلى الداخل وتمعن في إلهاء الفلسطينيين من مواطنيها عن دعم قضية التحرير والدولة المستقلة بالصراع اليومي من أجل المساواة وحكومات اليمين تفرض التمييز العنصري واقعا وبالصراعات السياسية الصغيرة .
ظنت إسرائيل طويلا / أن تستطيع أن تتنصل من إلتزامات عملية السلام مع الفلسطينيين وجوهرها قاعدة ( الأرض مقابل السلام ) بحصار غزة وتفتيت الضفة الغربية والقدس الشرقية وتهميش السلطة في رام الله ووضعها في خانات الصراع المستمر مع حماس وفصائل غزة والضغط على فلسطينيي الداخل بسياسات التمييز العنصري .
ظنت اسرائيل طويلا / أن تستطيع أن تتجاوز قاعدة ( إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال مقابل السلام والتطبيع ) التي عبرت عنها مبادرة السلام العربية الصادرة في 2002 من خلال الإنفتاح على أتفاقيات للتطبيع والصداقة مع دول عربية كالإمارات والبحرين والمغرب والإقتراب من اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى كالسودان والتفاوض المكثف مع السعودية وبرعاية أمريكية لتوقيع معاهدة السلام وفتح الباب واسعا للعلاقات الإقتصادية والتجارية والسياسية والدبلوماسية .
ظنت إسرائيل طويلا / أن بذلك تنهي وجود الحاضنة الإقليمية لفلسطين وتصنع كما زعم بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسابيع قليلة شرق أوسط جديد تلغي به وجود القضية الفلسطينية كقضية تحرير ودولة وهوية وطنية وتختزلها إلى قضية سكان يتعين عليهم العيش مع الاحتلال والاستيطان والأبارتيد إلى ما لا نهاية والتفكير فقط في سبل تحسين أوضاعهم المعيشية .
ظنت إسرائيل طويلا / أن عرب اليوم بعيدا عن الخليج بأزماتهم الكثيرة وحروبهم الأهلية وإنهيارات بعض دولهم ومعاناتهم الإقتصادية والإجتماعية في دول أخرى ملوا من صراعات الفلسطينيين الداخلية ومن صواريخ حماس والجهاد غير المؤثرة على سلطات الإحتلال ولا يملكون سوى التعاطف اللفظي على شبكات التواصل الاجتماعي حين يشاهدون لقطات توثق لعنف المستوطنين والقوات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني واعتداءاتهم المتكررة على المسجد الأقصى وعلى المدن والبلدات الفلسطينية .
ظنت إسرائيل طويلا / أن تستطيع أن تفرض واقع التطبيع على حكومات وشعوب العرب دون سلام ودون دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ودون شراكة في السيادة على المقدسات لأتباع الديانات السماوية موظفة أزماتنا الكثيرة وانصرافنا إلى قضايانا الداخلية ونجاحاتها في إبرام اتفاقات تطبيع ثنائية برعاية دولية خلال السنوات الأخيرة .
الحرب على غزة . . ماذا عن الأيام القادمة ؟؟