24 Apr
24Apr

كتب : نزار حاتم 

قلما تجد بلداً ناجياً بالكامل من براثن المخدرات التي غالباً ما تستهدف الشباب فتحيل مستقبلهم الىرماد فيما تبنى البلدان مستقبلها الزاهر على يد الشبان الذين إذا ما عصفت بهم المخدرات يصير هذا المستقبل المنشود حلماً صعب المنال إن لم يكن مستحيلاً مادام العضو الفاعل في المجتمع مشلولاً، خائر القوى، شاحب اللون وتائهاً لا يدري الى أيّ الأنفاق المعتمة ستقوده خطاه المتردمة في غياهب الظلام.

العراق ليس استثناءً مما يتهدد شبابه على يد هذه الآفة المميتة التي بدأت منذ سنوات تزحف باتجاه هذا البلد العاصف بالأحداث لتستهدف شبابه في عموم المحافظات مع انعدام الكوابح الفعّالة على الصعيدين المجتمعي، والرسمي والتي يمكن أن تحد من سطوة الموجة القاتلة واندياحها بالنحو الذي بلغته من مخاطر عميقة ومقلقة بامتياز.

ووفقاً للتجارب الميدانية التي عمدت اليها الدول المبتلية بانخراط شبابها في دوامة هذه المعضلة الكبيرة بغية التخلص من براثنها يتعين القول ان اعتماد اساليب القوة وحدها على يد الاجهزة الحكومية لم يعدكفيلاً ولا كافياً للجم طوفان المخدرات الذي كلما اتسعت دائرته في اي مجتمع من المجتمعات لم تبقللتطور والنمو والمستقبل فضاءً معافى، ولا للحياة معنى يمكن التحدث عنه.

ثمة عوامل كثيرة الى جانب الاجراءات الرسمية ينبغي توافرها لتمضي سويةً نحو جبهة المواجهة مع المخدرات والتصدي لها على اكثر من صعيد لاسيما توعية الشباب وتنبيههم الى المخاطر الجسيمة التيتترتب على تعاطيها حيث تأخذ بغضارة أعمارهم وزهو شبابهم نحو الضياع وفقدان الأمل بحياة مفعمة بأسباب الرقي والنجاح.

ولأن التجارب الفردية لدى النابهين ممن وقعوا في غفلة من وعيهم بين فكي هذه الآفة ثم انتصروا عليها بارادة باسلة معبأة بصحوة على واقعهم المأساوي الأليم، تُعد مثل هذه التجارب خرائط طريق لانتشال المدمن المُخدّر والفاقد لبوصلة الحياة من محنة ما إن يعبرها المدمنون حتى يشعروا أنهم كانوا يستوطنون حفرة عميقة يتناسل فيها الظلام والضياع بأبلغ معانيه العملية.

تاًسيساً على هذه الرؤية بادر (مركز البيدر للدراسات والتخطيط ) الى نقل تجربة نجاح مهمة على صعيد انتصار الارادة واجتراح الأساليب الناجعة في مواجهة الإدمان على المخدرات والتخلص منها.

فقد عمد قسم الأبحاث التابع لمركز (البيدر) في بغداد الى قراءة عميقة وشاملة في كتاب ( عبور الستين درجة تحت الصفر) لمؤلفه المهندس الايراني حسين ديجاگام والذي يضم بين دفتيه تجربة هذا المهندس الذي كان مدمنا حدّ الضياع ثم صحا على واقعه الصعب والملئ بالالام فعمد الى ابتكار اساليب رائعة تكللت بانقاذه من البلوى والسوداوية الخانقة على مدى سبعة عشر عامًا من الادمان ليصل الى مرافئ الحياة الطبيعية كما تحكي ذلك تجربته التي سطرها في كتاب لتصبح – تالياً- بوصلةً لدى المهتمين وضحايا المخدرات بغية الانعتاق من سطوتها عبر هذه التجربة الذاتية العاصفة والحافلة بالاصرار والتحمل والمعاناة التي كابدها هذا المهندس الايراني الذي نجح بامتياز في اصلاح نفسه كما كان ناجحا وبارعاً في اصلاح المكائن حين كان يمارس مهنته كمهندس ميكانيك قبل ان تطوح بسفينة حياته عواصف الادمان.

في القراءة التي قام بها قسم الابحاث التابع لمركز دراسات البيدر ثمة توطئة مهمة قد انطوت على الاشارة الى نقاط حيوية ، من بينها (( العراق اليوم هو احدى الدول التي التي اجتاحها وباء المخدرات كما تؤشر ذلك كثير من البيانات والتصريحات الرسمية على الرغم من ان العراق لا يعد من الدول المصدرة او المنتجة للمخدرات بل يعتبر دولة ممر او طريقاً ناقلاً بين الدول المنتجة والمستهلكة)).

كما حفلت هذه المقدمة بالاشارة الى ((ان تجارب الدول والمجتمعات في مكافحة المخدرات وبرامج العلاج والوقاية كثيرة ومتنوعة، كما ان تراكم التجارب الصحية والأمنية والقانونية والاجتماعية في هذا المجال مهمة للغاية ولابد من الافادة منها ، ومن هنا فان تجربة المهندس الايراني حسين ديجاگام الشاقة والمكللة بالآلام والآمال بالاقلاع عن ادمان المخدرات والخلاص منها ليحقق نصراً مؤزراً بعد عبور المنطقة ستين تحت الصفر، وهو عنوان الرحلة التي وثق فيها تجربته)) المضنية والذي يعبر بوضوح عن الرحلة العلاجية القاسية التي استطاع اجتيازها بنجاح محققاً بذلك ما انطوى عليه عنوان كتابه القيم من رمزية معبرة عن مدى معاناة هذه الرحلة ووصوله الى بر الامان مشبهاً حاله كمن يجتاز منطقة قطبية جليدية عصيبة ،ليخلص في النهاية الى انتصاره الكبير على احابيل المخدرات والادمان عليها عبر اساليب قد ابتكره النفسه مع خطة نموذجية انطوت على ترميم النفس بشكل تدريجي وبواسطة المخدرات ذاتها  مُغذّاً السير قدما رغم الصعاب نحو مطلع الشمس ومغادرة الغياهب التي كانت تحيل حياته الى ظلمة قاسية وموحشة.

القراءة التي قام بها مركز البيدر لتجربة حسين ديجاگام تتألف من احدى وثمانين صفحة معززة ببعض الصور التي كان اعتمدها المهندس الايراني في نقل تجربته خلال كتابه الموسوم  عبور الستين درجة تحت الصفر ، وقد حفلت هذه الصفحات باستدعاء الاهم مما تضمنه كتاب ديجاكام من فصول مهمة وحافلة بالمواقف والأساليب وتحكيم الارادة وتغليبها على الادمان فيما ورد في مقدمة القراءة في كتاب حسينديجاكام ان الكثير من المدمنين يمقتون ادمانهم لكنهم لم يجدوا السبيل للخلاص منه، ولعل هذه النقطةبالذات تمثل صوابية خطوة مركز البيدر في نقل تجربة المهندس الايراني لما تمثله من اهمية قصوى على صعيد مغادرة المدمنين حالتهم البائسة والعليلة.

اللافت في هذه التجربة من خلال قراءتها انها تحتكم في كل فصولها لما هو علمي وتجريبي خالٍ من المزاعم والادعاء، فيما مثلت المقدمة التي كتبها نجل المؤلف لمدونة أبيه ابعادا ً مؤثرة على صعيد العواطفلدى تناوله الحقبة المعتمة من حياة والده ابان تعاطيه المخدرات والانغماس في ظلماتها فهو يقول ((منذسنين واوضاع اسرتنا منهارة تماما ، فكل شي كان قد ضاع حتى بلغ الحال ختم المكتب التابع لابيبالشمع الأحمر )) في اشارة واضحة لما صنعته المخدرات بابيه بعد ان كان المهندس الناجح في حياته الى جانب اسرته ويستطرد ولده في مقدمته الطويلة ليشير الى بدايات رحلة ابيه الهادفة الى الانعتاق مناسر المخدرات بالقول:” قالت امي ان والدك قد بدأ منذ عدة شهور بمحاولة الاقلاع عن المخدرات فما كانمني الا ان صُدمت بسماعي نبأ تعاطي والدي المواد المخدرة ومن ثم تأليفه كتاباً عن رحلته الشاقة معهذه المعضلة “..

كما حفلت قراءة البيدر في كتاب ديجاكام بنقل ما وصفه المؤلف بالقوانين في مسيرته الرامية الى الاقلاع عن عالم التخدير والتوجه نحو ضرورة يقظة الصباح في عقله التواق الى رؤية الضوء في جوف الدياجي،،، كما اوردت هذه القراءة العميقة سلسلة من العناوين المثيرة التي اختارها المهندس الايراني ل (( عبورالدرجة ستين تحت الصفر )) لتنضوي تحتها كل محطات الرحلة ابتداءً من وقوعه في غيابة المخدرات مروراً بمحاولاته الإفاقة على واقعه المتردي ومن ثم التطلع للخلاص وابتكار الاساليب في ظل مكابدات شاقة ومحاولات عصيبة وتطلعات تطفو وترسب في قاع النفس حتى بلوغه أقواس النصر على حقبة داجية من حياته فيصبح كتابه ذائع الصيت الذي حفل بكل ما هو شيق ومثير ومهم ليصبح بوصلة عملية اراد مركز البيدر للدراسات والتخطيط ان يضعها في متناول المعنيين فضلاً عمن سقطوا في براثن المخدرات وهم يتطلعون الى تحرير انفسهم من شبكتها العنكبوتية المدمرة .




تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن