04 May
04May

كتب : د. عدنان صبيح ثامر ( باحث في الانثروبولوجيا)

معرفة الاخر هي احدى الفرص الحقيقية لإزالة الحواجز، وتجاوز الخوف، واختبار قصص المجتمعات المختلفة، قد تشترك تلك القصص، وقد تختلف، الا انها تضع سلوك افرادها تحت الاختبار وتعيد تصميمه بالتعامل مع الجماعات الأخرى داخل البلد الواحد.

واحدة من المسائل المهمة التي يجب النظر اليها، عند الحديث عن التنوع وتقاربه، يتعلق في كيفية كسر الحواجز، بين مجتمعات التنوع في العراق، ونعني بكسر الحواجز. هو كيف يعرف أحدنا الاخر؟ دون وساطات سواء أكانت تلك الوساطات على شكل اساطير أو خرافات يسوقها أطراف عن قصد او جهل.  

كيف يعرف ابناء هذا المكون، الابناء الاخرين من المكونات الأخرى؟. لان عدم المعرفة تعطي المساحة لصياغة قصص واقاويل تتناسب مع حاجات الانسان لرسم دائرة حول نفسه وجماعته، وقد يتم ذلك من خلال صناعة اخر (عدو) وبذلك قد تتبنى تلك القصص الأيدلوجيا وتتناقلها البيئات الاجتماعية المختلفة. والتي دائما ما تتعامل مع الاخر على انه معاديا مختلفا من ناحية السلوك والعادات والأعراف والدين، وتبقى معادلة المختلف دينيا هي الأكبر والتي تترك اثرا كبيرا في صنع الحواجز، وهو بالنتيجة يكون بوابة لأي حدث قادم يفرض التصادم وافراغ تلك الاختلافات من خلال العنف المتبادل.

كسر تلك الحواجز يحتاج الى اختبار قبلي، يتمثل في معرفة القصص الحقيقية للجميع، قصص قائمة على رواية اهلها، لا الخرافة، وتتبناها مؤسسة الدولة، وتصبح تلك الرواية سردية عامة كجزء من تركيبة الدولة التي تكون بادرة ايراد قصص التنوع اول اختبار لها لتكون ممثلة للجميع، بل هي تساعد على تكوين ثقة بين الجماعات المتنوعة وبين الدولة كممثل للجميع.

تبنت كثير من الدول وخاصة تلك التي وقعت تحت حروب عنصرية داخلية مبدأ (معرفة الاخر تتيح تعلم احترام المختلفين عنّا)، ويوفر ذلك المبدأ مساعدة الضحايا وتكريمهم كونهم وقعوا نتيجة روايات وهمية.

الى زمن ليس ببعيد حصل هناك ربط شعبي حيث يعتقدون ان الايزيديين او (اليزيدين)، يعود نسبهم الى يزيد ابن معاوية (والذي يعتبره الشيعة مصدر الشر وقاتل امامهم) وعلى هذا الأساس تم التعاطي مع تلك الجماعة، وهناك تعاطي مع جماعة أخرى على انهم أبناء الشيطان، واخرين نجسين.

ولم تبذل أي من الجهات الرسمية وغير الرسمية دورا فاعلا في توضيح الحقيقة، فنال الكثير منهم نصيبا من الاستبعاد والاغتراب نتيجة تلك الروايات. بل ان تلك الروايات كانت فتيلة تحترق ببطء تنتظر الاشتعال الكامل لتؤدي الى القتل والسبي واشكال أخرى من العنف.

يتوجب على المؤسسات ان تكسر هذا الحاجز. وان عنوان كسره هو الذي سيحقق تقدما نحو الوصول الى هوية جامعة يكون فيها الانا والأخر محترمون وان كانوا مختلفين.

فرصة التعرف على الاخر تكون من خلال اعيادهم ومناسباتهم، فيومهم الذي يستذكرونه بطقوس معينة يتحول من طقس مبهم لجماعة من الناس الى قصة يتداولها الجميع، وليس مطلوبا ان يشاركهم الجميع في تلك المناسبة، بل ان يكون يومهم عيدا تحتفل به الدولة، ليكون فرصة لطرح سرديتهم.

فيكون خطاب الاحتفال بالعيد لدى الجماعة عنوان تكتبه المؤسسة الرسمية، ويتناقله الجميع يحتوي على روايتهم والتي تدمجها المؤسسة مع ذكرى الاحتفال. وتكون تلك المناسبة فرصة للتعرف عليهم.

عملت الدول التي شرعت في اذابة الحواجز بين تنوعاتها على زيادة الاعياد الوطنية دون خشية او ريب من تلك الزيادة، فمثلا الأيام الوطنية في فرنسا ما بين عامي 2000 و2013، تم إضافة 9 أيام. كان بعضها متعلقا بتذكر الجرائم العنصرية وأخرى لتذكر تجارة الرقيق وأخرى للمقاومة واخريات تتعلق بفئات اجتماعية متنوعة.

من خلال الاعياد الوطنية والتي ستكون برنامج متكامل. فعندما نقول بان هناك عيدا وطنيا للمسيحيين او للايزيديين او الصابئة او الشبك او التركمان او الاكراد او الشيعة او السنة، يجب ان تشرح المؤسسة التي تضع العيد الوطني بهذا اليوم، لماذا هو هذا اليوم عيدا وطنيا لتلك الجماعة المعينة؟ بتفاصيلها. هذا الذي ستتناقله الناس بالبيئات المختلفة ويعرفون ان في بلدهم هناك عيدا وطنيا متعلق بتلك الجماعة. وهذه الجماعة فيها تفاصيل متنوعة عليهم معرفتها. فان ذلك جزء من كسر الحاجز.

وهناك عامل اخر يتعلق بكسر الحواجز ربما هو من أقدم الاليات في مواجهة العنف وتذكر المآسي وضمان عدم عودتها هي السفرات الكشفية والتي من خلالها يتم التعرف بين أبناء المكونات المختلفة والتي من خلالها فعليا يتعرفون على بعض، بل ويكتشفون بعضهم الاخر، وسيكون ذلك اختبارا حقيقيا للقصص والاقاويل التي سمعوها سابقا عن بعض، هو تمرين نعلّم به أبنائنا ان القصص المروية عن الآخر لا يمكن تصديقها دائما.

اما العامل الاخر والذي نعتقد بأهميته في كسر الحواجز هو ثقافة التنوع في الطعام، اذ يستكشف علماء الأنثروبولوجيا في دراسات عديدة ان الطعام هو اختصار للتقاليد الاجتماعية والفنية للعلاقات الاسرية التي تربط بين أعضاء الثقافة الواحدة، وكذلك بين اعداد الوجبات وبين الحس الجمالي والروابط الاسرية.

فالتشجيع على ابراز التنوع الطعامي حسب كل جماعة والاستمتاع بها سيكون طرفا في تخفيف الحواجز الموجودة بين الجماعات وبدلا من ان يكون الاخر مبهما ولا نستطيع مجاورته او اكل طعامه يصبح طعامه ميزة للتنوع الكلي الذي يفتخر به الجميع.

يمكن ان يكون الطعام شكلا من اشكال ترجمة التراث فهي عملية توضح التشابه بيننا وبين الاخر، وتجعل اللا مألوف (مألوفا).

يساعد الطعام على تذكيرنا بصورة مستمرة بان الناس في الثقافات المختلفة يتمتعون بما نتمتع به من الفطرة السليمة والأحاسيس بالشكل الذي يخرج لنا تلك الوجبات بطريقة مميزة.

والسبيل الى تحقيق ذلك عبر مسابقات وبرامج تلفزيونية وتشجيع على فتح مطاعم متخصصة بأنواع بارزة للمكونات من الطعام في المناطق المختلفة، والتي توفر العيش المشترك. بل وتطوير واختبار ثقافاتهم وكيفية دمجهما مع بعض. فالمشاعر المرافقة للطعام، والاحاسيس الملازمة للتحضير وطريقة المشاركة هي موجودة في كل الثقافات على اختلافها.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن