20 Dec
20Dec


رافع عبد الجبار القبطان


مما لا شك فيه أن أحداث غزة وطوفان الأقصى، قد صارت نقطة تحوِّلٍ في القضية الفلسطينية، وفتحت أبواباً مغلقة بعد أن كادت توصد بالشمع الأحمر خاصة، مع عقد معاهدات التطبيع العربية– الإسرائيلية. 

ومن هذه الأبواب هو المشروع العربي اتجاه فلسطين الذي كان فاعلًا طيلة الفترة منذ قيام الكيان الصهيوني "دولة اسرائيل" عام 1948 حتى حرب اكتوبر 1973. وهنا نطرح تساؤلاً، هل كان هناك مشروع عربي لفلسطين محدد وله أهداف فعلاً؟ ومن ثم يحق لنا القول بغيابه أم لا.

لذا صار لزامًا مناقشة موضوع المشروع العربي تاريخيًا بدءاً من هجرة اليهود التي ساهمت بها بشكل كبير الحكومات العربية التي كانت داعمة لهذه الدولة الطفيلية، ومن ثم عدم وجود رؤية موحدة ومحددة اتجاه القضية الفلسطينية من قبل الدول العربية بعدها، خاصة بعد نكسة حزيران 1967، وبعدها حرب اكتوبر 1973. حيث ذكرت بثينة شعبان في مذكراتها (حافة الهاوية) أن الرئيس السادات أراد من حرب أكتوبر الدفع بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل وليس لتحرير فلسطين!، وهذا ما صدم وأغاظ الرئيس الأسد.

رغم ذلك كانت المواقف العربية –على أقل تقدير بالظاهر- مع القضية الفلسطينية حتى عام 1978 وعقد اتفاقية كامب ديفيد، حيث ذهبت مصر لوحدها لعقد الاتفاقية مع رفض عربي كامل، مما أدى إلى تجميد عضويتها في الجامعة العربية حتى عام 1989 حيث أعيدت عضويتها، وبهذا سقط الخيار العسكري مع إسرائيل لما تمثله مصر من ثقل جيوسياسي عسكري.

إلّا أن المفارقة هي أن السعودية بعد ثلاث سنوات طرحت مشروع حل الدولتين في قمة فاس 1981 فرُفضت، ثم أعادت طرحها في قمة فاس 1982 فأُقرت بالإجماع!، وأعادت السعودية طرح حل الدولتين في قمة بيروت 2002 وتمت الموافقة عليها وسُميت بالـ(المبادرة العربية)، مع رفض مصر لمقررات قمة فاس 1982 بحجة أن اتفاقية كامب ديفيد كافية، كما رفضتها إسرائيل حيث عبّر أحد السياسيين (إن إقامة دولة فلسطين هي بداية النهاية لدولة إسرائيل)، وكذلك الاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338 كأنه صار التوجه باتجاه إيجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية بدل التحرير.

كما أن إقرار قمة الرباط 1974 بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد لفلسطين، قرأها البعض كأنه تخلٍ عربي عن القضية الفلسطينية وربطها بفلسطين، وتعطي رسالة بان الصراع بات فلسطينيًا– إسرائيليًا، وهذه وجهة نظر يُعتد بها نتيجة انتكاسة العرب في مواجهتين مع إسرائيل.

وليزداد المشهد العربي دراماتيكيًا اتجاه القضية الفلسطينية عقدت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو سنة 1993 مع الكيان الصهيوني اعترفت بها بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن، مقابل أن تكون (م. ت. ف) الممثل الشرعي لفلسطين وأن تقيم سلطتها المدنية في الضفة الغربية وغزة، وذلك بعد سنتين من المفاوضات السرية دون علم الدول العربية التي لم تعلم بها إلّا بعد الإعلان عنها!.

ومن الأمور المهمة عند مناقشة المشروع العربي لا بد من ملاحظة المشاريع الأخرى اتجاه القضية ذاتها، المشروع الأمريكي والتركي والإيراني، فالمشروع الأمريكي هو مشروع الغرب منذ وعد بلفور 1917 إلى اعتراف ترامب سنة ٢٠١٧ بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وحتى يومنا هذا نجد أن أمريكا ومن معها من الدول الغربية دفعت بكل ثقلها بدعم إسرائيل بمواجهتها في غزة مع حماس في طوفان الأقصى، والدليل الآخر على أن أمريكا مع إسرائيل نجد أنها استخدمت الفيتو 82 مرة منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة حتى الآن، استخدمت 45 منها لصالح إسرائيل.

أما المشروعان التركي والإيراني نرى البراغماتية التي استخدمتها الدولتان اتجاه القضية الفلسطينية، فتركيا تندد وفي نفس الوقت لها علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل، وإيران داعمة لفلسطين وباتت رقمًا صعبًا في المعادلة الفلسطينية، وخاصة في موقفها الداعم لطوفان الأقصى، إلّا أنها لم تعلن المواجهة المباشرة، ورغم أن هذه المشاريع الثلاثة لها استقلاليتها، إلّا أنه لا بد أن نضع بنظر الاعتبار تأثيرها على القرار العربي اتجاه القضية الفلسطينية حسب علاقة كل دولة من هذه الدول الثلاث بالدول العربية.

إلّا أننا نجد أن التأثير الأكبر على المشروع العربي هو المشروع الوطني الفلسطيني، حيث لا يمكن الكلام عن مشروع وموقف عربي موحد ما لم يكن هناك موقف وطني فلسطيني موحد، المشروع الذي يعيش اليوم أزمة حقيقية كشفها طوفان الأقصى، وذلك لاختلاف رؤى الفصائل الفلسطينية اتجاه حل القضية الفلسطينية بين (م. ت. ف) التي ترى (لا مقاومة مسلحة مع العدو الإسرائيلي) على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأنه لا بد من اللجوء للحلول السياسية، وبين موقف حماس التي ترى أن لا حل إلّا بتحرير الأرض، مع ملاحظة اختلاف الأيديولوجية لكل منهما، وهذا يدلل على عدم وجود مرجعية وطنية موحدة، وبالتالي عدم وجود مشروع وطني فلسطيني موحد سيحرج الدول العربية في التعامل مع الطرفين.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن أحد الأسباب الرئيسية في غياب المشروع العربي هو نشأة القومية المحلية في معظم الدول العربية خاصة بعد الربيع العربي، وانكفاء كل دولة على نفسها، مما أدت الى عقد اتفاقيات سلام لكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل كل على حدة، وكذلك صارت الاتصالات لعقد اتفاقية سلام سعودية– إسرائيلية رغم إصرار السعودية على شرط حل الدولتين.

كل هذا أدى إلى غياب المشروع العربي، مشروع له استراتيجية موحدة وواضحة وثابتة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وإنما صارت هناك ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الأول إقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل دون شرط كاتفاقيات السلام التي وقّعت مع إسرائيل من الدول التي ذكرناها، والاتجاه الثاني بإقامة العلاقات بشرط كالسعودية، والاتجاه الثالث أن لا حل لقضية فلسطين إلّا بتحرير كامل الأرض الفلسطينية.

إلّا أن المؤشر الوحيد لتدارك غياب مشروع عربي موحد هو ما أقرته قمة ظهران 2018 والتي سُمّيت بـ(قمة القدس)، بأن تبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، مع ملاحظاتنا بأنه لا بد من العمل معها على توحيد الموقف الفلسطيني نفسه، ومن ثم التحرك اتجاه المجتمع الدولي، اتجاه منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والدول الخمس الدائمة العضوية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، حيث أثبت طوفان الأقصى أن لا كلام عن السلم والأمن في المنطقة دون ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

-----------

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن