كتب : حسين العادلي
• ما أَيسَر القول بمنطق المؤامرة، وما أخبثه!! فيكفي أن تقول بوجود مؤامرة ضد هذه الدولة أو تلك لتريح وتستريح، أو لتبرر وتمرر، أو لتوظف وتستثمر!! وما أسهل أن تصف كل ما جرى ويجري من انهدام دول وتمزق مجتمعات، وهذه الحروب المتكثرة على أساس العرق والطائفة والقبيلة والحزب.. بأنها مؤامرات!!.
• هل أنفي المؤامرة؟ كلا، بل أؤكدها، فأنا أعتقد بأنَّ تاريخ الدول سجّل مؤامرات، فالمؤامرة هي فن تحقيق المصلحة، والمصالح على تنوعها هي البوصلة المُحدِدة لمسار الدول لا الأيديولوجيات أو القيم أو الشعارات.
• المؤامرات موجودة وستبقى، هي حرب المصالح التي لا تتخلى عنها دولة، هي حرب تتموضع حسب متغيرات موازين القوى والقدرة والفرصة والهدف. وليس هناك دولة لا تتحرى مختلف الوسائل الدفاعية والهجومية بما فيها التآمر لتحقيق مصالحها على تعدد مصاديق المصالح السياسية الإقتصادية الأمنية الثقافية.
• واهم أو مسوّق لهدف مَن يقول بعدم وجود المؤامرات حتى على الدول الكبرى نفسها فضلاً عن الدول المهلهلة، فالمشهد على حقيقته يقول أنَّ الكل يتآمر ضد الكل لأجل المصالح. ولكن مهلاً، فمنطقياً وواقعياً، هل يعفينا القول بوجود مؤامرات ضدنا (حالنا حال باقي أمم ودول الأرض) من تحمّل مسؤولية انهيار أممنا ودولتنا؟ وما هو دورنا كحكام وكنخب وكأحزاب في الفشل ببناء مجتمعاتنا وقيادة دولنا لنتعلل بالمؤامرات الخارجية فقط وفقط؟ فهل أنتجنا مجتمعات حديثة متضامنة خلاّقة محصّنة ضد الفتن والتشظي والاستلاب؟ هل أنتجنا دول العدل والحقوق والمشاركة والرفاه والسيادة لتكون منيعة أمام كيد المتآمرين؟ لماذا نعفي أنفسنا فلا قصور ولا تقصير تجاه هذا الكم المخيف من الفوضى والخراب والفتن؟!
• مَن نحن؟ نحن –بأسفٍ وألم- مجتمع العصبيات المذهبية القومية القبلية المناطقية الغارقة في هوياتها على حساب الهوية الوطنية الكلية، فشلنا بإنتاج دول المواطنة فأنتجنا دول القوميات والمذاهب المحتكرة للسلطة والقامعة للآخر المختلف عرقاً أو طائفة أو مذهباً سياسيا، فشلنا بخلق أمّة الدولة فتضخمت لدينا الهويات الفرعية التي تتصارع إمّا لابتلاع الدولة أو للإنفصال عنها،.. فشلنا بالتعايش والوحدة لأننا أسرى عصبيات وعصبويات تكفّر وتخوّن وتؤسس لإستعباد واستبعاد الآخر شريك الوطن والمستقبل، نجحنا بانتاج دولة المكوّن والحزب والقرية والقائد الضرورة ولم ننتج دولة الجمهور والمدنية والمؤسسة والرفاه،.. لقد أنتجنا مسمى دول، كيانات سلطة تحتال على الدولة وخالية من ضمانات الحقوق المدنية والسياسية الإقتصادية الثقافية، وفارقنا أسس الحكم الرشيد،.. وبالنتيجة فشلنا بانتاج مجتمعات موحدة ودول عادلة وسلطات كفوءة قادرة على الحكم الفعّال، فتعددت لدينا الهويات والسلطات والمصالح ومراكز القوى لتتصارع على الدولة وفي الدولة، لتكون الدولة على طول الخط لقمة سائغة للمتآمرين، وما أكثرهم!!
• الدول القائمة على أساس من الإستبداد والفوضى والتخلف والفساد والعنف، والمجتمعات المرتهنة للذاكرة دونما تحديث، والنخب والقوى المتصارعة حول الإمتياز لا المسؤولية، والمجتمع الريعي العاجز عن خلق الموارد أو الفاشل بإدارة الموارد، والأنظمة والسياسات المتخلفة عن مواكبة العصر ..الخ، هكذا دول ومجتمعات إنما تحمل جرثومة الخراب في أحشائها سواء كانت هناك مؤامرات أم لم تكن.
فإن كنّا نريد إفشال المؤامرات، فلننتج دول العدل والقانون والتنمية والرفاه،.. وهي مهمة وطنية تضامنية تشترك فيها المجتمعات والحكومات والأحزاب والنخب معاً.
عندها سنصبح فاعلين لا مفعول بنا،.. وعندها ستسقط المؤامرات من تلقاء نفسها.