الأستاذ المتمرس الدكتور عزيز كاظم جبر الخفاجي*
إعتاد طلبة الدراسات العليا أن يقدموا الفقه القانوني مادة لرسائلهم وأطاريحهم , ولم يعهد عنهم الغور في مسالك الفلسفة للوقوف على أسرارها في علم القانون ,وما قدمته أو يمكن أن تقدمه في تطور الدراسات القانونية، حتى قدمت هذه الأطروحة (تأصيل نظرية المعرفة في القانون الوضعي) والتي جرت في معهد العلمين للدراسات العليا.
لقد امتازت هذه الأطروحة عما سبقها من الدراسات القانونية، أنها وضعت منهجاً جديداً لتطوير الدراسة في مجال القانون، منهجاً قائماً على دراسات المنطق والفلسفة والنحو والبلاغة وأصول الفقه، تمهيداً للدراسة القانونية، وإن تحليل النص القانوني ضمن مفاهيم العلوم المذكورة، سيوصلنا حتما الى نتائج جديدة قائمة على الدليل المنطقي، فهو تطوير للدراسة القانونية لجعلها أقدر على مواجهة مشاكل المجتمع المستجدة.
لقد ابتدأت الأطروحة بحديث مستفيض عن القانون في نظريتيه التقليدية, والخصائص التي يتمتع بها، اضافة الى بيان المفاهيم التي تتعلق بنظرية المعرفة ضمن المفهوم العام التقليدي للقانون، ومنها بداهة مفهوم القاعدة القانونية ونظريته, وهل هو من المبادئ التصورية أم المبادئ التصديقية ,كل ذلك تمهيداً للفصول اللاحقة.
وتضمنت الاطروحة كذلك مبحثاً في بيان نظرية القانون في فكر العولمة, وخصائصه، والجديد الذي في المفهوم الذي ظهر في فكر العولمة، أو ما بعد الحداثة, وبينت المناهج الفلسفية للقانون الوضعي, بعد بيان المعاني المتعددة له، كل هذا لإظهار أثر الأدلة المعرفية في تطور القانون.
ثم عقدت الأطروحة فصلاً للتعريف بنظرية المعرفة , كون هذه النظرية جديدة على الدراسات القانونية، حيث تم عرض التعريفات الخاصة بنظرية المعرفة لدى القدماء والمحدثين، وقام الباحث بوضع تعريف يجمع بين التعريف القديم والحديث لنظرية المعرفة، بين من خلاله خصائص النظرية، ولما كانت تنقسم الى نظرية معرفة مطلقة، ونظرية معرفة مضافة، فقد تطرق الباحث للخصائص المشتركة بينهما، ثم بين خصائص كل منهما.
ثم تطرق الباحث إلى اقسام المعرفة، فذكر المعرفة التصورية وكيفية حصول التصور وموارده واقسامه, وبين المعرفة التصديقية وكيفية حصولها وموارد التصديق واقسامه من نظري وضروري.
ثم انتقل الباحث ليستعرض مضمون نظرية المعرفة، وذلك من خلال بيان مصادرها وقيمة المعرفة المتحصلة من كل مصدر منها، وقد كان استعراض مصادر المعرفة من خلال المناهج المعرفية، المنهج العقلي والمنهج التجريبي، وبين ادلة كل واحد من المنهجين، ثم بين مزايا وعيوب كل واحد من تلك المناهج، بل وكل دليل من ادلتها.
ثم عقد الباب الثاني لتطبيقات نظرية المعرفة في القانون الوضعي، فقسمه على فصلين، تطرق في الأول منهما الى تحصيل المعرفة بالقانون الوضعي, من خلال بيان ادلة التحصيل المعرفي بالقانون الوضعي، العقلية منها والاستقرائية, وبيان حاجة كل من المشرع والقاضي والفقيه في استدلالاته اليها, تم أوضح الباحث مدى تأثير المذهب المعرفي على المنهج القانوني, ابتدأ بيان المنهج العقلي، وأثر تطوره على المنهج القانوني, ثم تطرق الى أثر المذهب الوضعي على المنهج القانوني، وكان عرض الباحث للموضوع مستنداً الى الاستدلال بالأدلة التي يتطرق اليها من خلال قواعد القانون.
ثم عقد فصلاً اخيراً لتصدير المعرفة في القانون الوضعي، فقسمه على قسمين، ذكر في الأول منهما تصدير المعرفة القانونية فقها وقضاءً, وقد صور لنا الباحث بان تصدير المعرفة لدى الفقيه تتم من خلال الاستدلال المنطقي، ولدى القاضي يكون خلال تسبيب الاحكام لتكون ضمانة للقاضي والمتقاضي.
وأفرد الباحث مبحثاً خاصاً لتصدير المعرفة لدى المشرع، ولما كان عمل المشرع يتنافى مع اظهار ادلته المعرفية لا قناع الغير بعمله، كان الجزاء المادي هو السبيل لضمان تطبيق القاعدة القانونية, فتطرق الباحث الى الجزاء في القاعدة الامرة والمفسرة، لينهي عمله بقائمة من النتائج التي كانت كلها من آرائه واستدلالاته.
لقد مثلت الاطروحة نظرية جديدة متكاملة في الوسط القانوني، والنتائج التي تترتب على العمل بها، والتمسك في الدراسات القانونية، وتعتبر فتحاً جديداً في علم القانون.
لقد انهى الباحث اطروحته بجملة من النتائج التي أظهرت مفاهيم جديدة وتعريفات لم تطرق من قبل، مستنداً فيها الى الأدلة المعرفية التي طرحها، وبذلك تكون هذه الاطروحة، رغم حداثة موضوعها، الا ان الباحث استطاع بجهده أن يجمع النظرية والتطبيق من خلالها في ان واحد.
_____________
* الأستاذ المشرف على أطروحة الدكتوراه الموسومة " تأصيل نظرية المعرفة في القانون الوضعي.. دراسة استدلالية" للباحث " عادل بدر علوان" والتي نوقشت بقسم القانون بمعهد العلمين للدراسات العليا، بتاريخ 4 حزيران 2023.