كتب : رافع عبد الجبار القبطان
عُقد مؤتمر القاهرة للسلام وبحضور دولي عالي المستوى، ضم قادة بلدان من كل القارات، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس السلطة الفلسطينية، ما ميّز المؤتمر منذ البداية ان هناك معسكرين، معسكر يؤيد اسرائيل، ومعسكر يؤيد فلسطين، مما نبّأ منذ البدء ان المجتمعين سوف لا يتفقوا على رؤية موحدة لأزمة غزة، ولا يمكن الوصول الى حل يتم الاتفاق عليه في ظل الصراع الدائر، وبالتالي ان المؤتمر سوف لا يخرج بمقررات وبيان ختامي موحد، وهذا ما حصل حيث اكتفى ببيان خرجت به وزارة الخارجية المصرية، بيان جاء ليعكس هذا التصور، حيث دعت فيه الى احترام القانون الدولي، ووقف الحرب الدائرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر، وبهذا جاء فضفضافًا يخلو من الإلزام.
ان عقد أي مؤتمر دولي لا بد أن يكون هناك هدف مسبق لتحقيقه، ولأن مؤتمر القاهرة ضم كل الأطياف المختلفة، والموضحة مواقفها مسبقًا، فبالحسابات المنطقية سوف لا تكون له مقررات بأي حال من الأحوال -كما قلنا-، خاصة عندما يكون موضوعه القضية الفلسطينية تزامنًا مع أحداث غزة الأخيرة.
وهنا يطرح تساؤل، اذن لماذا تم إقامته، هل من أجل السلام -كما تم تسميته-؟ أم من أجل غايات أخرى تصب في مصلحة طرفٍ معين!؟ أم دفع من جهة ما!!؟؟ قد تكون أمريكا ليكون بديلًا ل"قمة بايدن" الأردنية التي فشلت!!.
كذلك سيطرح تساؤل آخر، إذا كل المجتمعين يعرفون انه بلا نتائج، إذن لماذا قبلوا الدعوة؟ هل للخروج بحل لحالة صارت تهدد أمن المنطقة والعالم وتنذر بحرب عالمية؟ أم من اجل تثبيت موقف؟.
جواب الأول ساذج من يظن انه سيخرج بحل رغم حراجة الموقف، وجواب الثاني يؤكد محل التساؤل، إذن لماذا عُقد المؤتمر!!؟؟
الكل على قناعة ان عملية "طوفان الأقصى" أحرجت الغرب قبل العرب، ووضعتهم في موقف صعب، منه انه لم يخطر بحسبانهم أن يكون الأمن القومي الإسرائيلي بهذه الهشاشة والضعف، ومنه انه تبين لديهم ان قضية فلسطين ستبقى قضية ساخنة وتحت الرماد تؤجج في أي لحظة، وهذا ما سيجعلهم في موقف الدفاع عن اسرائيل، وسيعرض مشروعهم في المنطقة "النظام العالمي الجديد" الى خطر التطبيق، وهنا أقصد بالذات أمريكا، التي تجد نفسها اليوم ملزمة بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، بالإضافة الى انهم وجدوا انها تستنزف اقتصادهم بين الحين والآخر.
وفيما يخص العرب وبعد مشاريع التطبيع، وجدوا أنفسهم مع "طوفان الأقصى" احرجوا وصاروا بلا بوصلة تحدد ردود أفعالهم، ومشروع التطبيع السعودي-الأمريكي الذي كان سيعيد ترتيب معادلة المنطقة بالكامل، صار حتمًا تأجيله، بل أجد ان السعودية ستعيد نظرها في جدوى تطبيعها مع اسرائيل.
وبالنسبة لحماس وما حققته، والتي أعادت قضية فلسطين للواجهة من جديد، وأعطت رسالة بأنها قضية السلام الأولى في العالم، والتي لا زالت تعيش نشوة انتصارها، -كما تعيشه الشعوب العربية والمسلمة-، كانت تتوقع سيكون هناك إسناد عربي إسلامي، خاصة مع التفاعل الأولي مع الأحداث، جاء هذا المؤتمر ليسرب كل هذا الوهم، وليبعث رسالة لحماس شأنك لا يعنيني، وموقفي لا يتجاوز كلمات التأييد!!
فبالنتيجة حماس وشعب غزة مهما كان حماسهم سيجدون أنفسهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، ونشوة النصر التي عاشوها ستخبو ليواجهوا الحقائق كما هي دون تزويق وتصفيق، وسيعرفوا ان وراءهم أيام صعبة مع عدو يريد الثأر، وما يزيده ان الكيان الصهيوني يريد رد سمعته التي تمرغت بالوحل بعد الصفعة الأخيرة التي وجهتهها اليه حماس بعملية نوعية أذهلت وأسكتت كل أجهزة المخابرات الدولية، وأولها الموساد وجهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي، لذا سيكون انتقامهم لا توجد حسابات لتخمينه وإحصاءه، وهذا ما لاحظناه بتعاملهم مع ملف أسراهم وكأنه غير موجود، وهذه أول الخسارة، وهذا ما لا يرضيها.
أما اسرائيل بالمقابل، نعم لم تضع في حساباتها المؤتمر ونتائجه، ورغم نقدها له بعدم إدانته لحماس، لكنها استلمت رسالة وضوء أخضر للقيام بعملياتها العسكرية دون ردع، فرد الفعل كان لا يتجاوز سوى مؤتمر استمر لساعتين أو ثلاث ليختم بصورة جماعية وابتسامة تعلو الوجوه!!!!
وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى ان كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية كانت كلمة مسؤولة وعملية، دعا فيها الى وقف الحرب فورًا وفتح ممر لايصال المساعدات الى غزة، وحماية المدنيين، مع تحذيره من اتساع رقعة المواجهة محملًا المجتمع تحمل مسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدولي، وبهذا كانت تصلح أن تكون نقطة انطلاق لكتابة مقررات وبيان ختامي للمؤتمر.
وبهذا نحن جميعًا أمام مسؤولية تضامنية بحجم الأزمة التي تمر بها المنطقة، وتفويت الفرصة على الكيان الصهيوني بالاستمرار بتنفيذ مشروعه التوسعي واضطهاده للفلسطينيين.