25 Sep
25Sep



١- في الطريق البري المكتظ بالعابرين الى سوريا من لبنان…كانت هناك لغة اخرى ..أسمعها من ركاب السيارة العمومية …وفي استراحة المصنع…وبعد عبور الخط الحدودي بين البلدين…من الجميع الى الجميع…لم يكن حديث سبي…بل كان نهراً من أشياءٍ أخرى…


٢- لغة أخرى…هي العربية التي نطقت بها المعلقات ..وجالت بها الاراجيز .. ونصبت لوحات اعدام على ظهور  شعراء ظلوا يحملونها وينتظرون صلبهم عليها ثلاثين عاما. ..ضريبة للولاء…وسلامة للحب..الذي بنى أعشاشه في قلوب العاشقين بلا تردد…الى الشام …الى هناك ..حيث يفيض الوجع آخر الليل…لتستريح النجوم …بعد غفوة القمر ..


٣- كانت مصطلحات (خاصة) تتطاير من شفاه الركاب و وجوههم و ملابسهم…شهيد..عريس…السيد…الامام الحسين…السيدة زينب… ام البنين…على طول الزمن الممتد من بيروت الى دمشق…(بكره نرجع ..ونعمر من جديد)..قالتها ام جعفر وهي تهدهد صبية غفت على ساقها …ربما تسافر اول مرة..كل شي بالنسبة لها قصة ..وذكرى..وستمر…لم أسمع رنة حزن…ولم أرى دمعة وهن… قلت في نفسي ربما (النساء هنا لاتبكي في الطريق )..وربما تأجل النحيب الى ان يصلن الى السبية الاولى …الى زينب للمشاركة في مهرجان الحب والدموع….


٤- بعد ختم جواز سفر العبور ..وكنت الوحيد الذي يحمل جواز سفر…لأن الاخرين يدخلون الشام بهويات شخصية… وحين عودتي الى السيارة…كان المشهد مختلفاً …في المقاعد الامامية حيث يجلس القمر… كان هناك قمر بعين واحدة…قمر برتقالي..تبرعت بعينها الى خطيبها في مشفى بهمن …لم أسمع من قبل ب(تقاسم عيون) ليصبح الزوج بعين واحدة والزوجة بالعين الاخرى…قالت امها…(فدت خطيبها بعينها)…بعد ان فقد عينيه بتفجير البيجر …


٥- هذه تجربة حياة جديدة…كيف سيريا الاشياء …هل ستتوحد مشاعرهما…هل سيبكيان أو يفرحان …سوية ..سألت العروس بعد الاذن من خطيبها الذي جلس جنبها… الى أين سيصل الفداء بينكما؟…قالت بسرعة الشباب ( أفديه بروحي)…تأملت بالحديث كثيراً…ولم أصل الى نهاية شعورية راسخة….أيهما أهون فداء الروح أم فداء العين..ولأني أشتغل مع الحروف واللغات … والعيون والجمال…(آعلنُ ان فداء الروح أهون من فداء العين)…لان لفداء الروح لحظة ألم واحدة …بينما لفداء العين سنوات من الالم …ربما يهونها وجه حبيب كل صباح …وكل سهرة على فنجان قهوة بعلبكية…

٦- في مابقي من الطريق الى ساحة البرامكة في دمشق … كنت أقرأ عن تجربة النبي في مكة والمدينة…في كتاب روايات قديم.. وهو يحكي عن الحصار ..وعن الجلد..وعن الجوع…والصبر ..والهجرة …ثم تبدلت المصطلحات في المدينة المنورة…فكانت… القتال…الخندق…النفاق…التجسس…اليهود…المرجفون …المتخلفون عن الزحف ..المتساقطون..فكررت القراءة مرات لظاهرتي (المرجفون و المتساقطون)…ربما لأني رأيت وسمعت وقرأت وشاهدتُ الكثير من (منتجات) هـؤلاء  في فضاءات الاعلام والتواصل …فرجعت الى هناك ..أتأملُ حركة النفاق .. وحركة الفتنة.. وأصوات المرجفين… وسيقان وهمم المتساقطين من جدارة الحياة..


٧- هذه الشام…وانت في درابين الطريق الى السيدة رقية… تتسائل  ماذا يمكن ان تصنع أو تنفع أو تضيف الى الحاضر …وهل تقتنع نفسك بالهجوع  هذه الليلة وأنت (تسمع وترى)…الموت والنار والدمدمة والصراخ والتهديم …والفراق الاخير …هذه المرة هل ستتذوق توت الشام بطم المرات السابقة… ستجري مسرعاً في سوق الحميدية لعدم وجود رغبة في الشراء …مرارة في الفم ..وخمولاً في الخيال….جحافل من الاسئلة تزحف أمام عيني … ربما سأجد لبعضها أو لكلها جواباً هناك…بعد خطوات ..من الجامع الاموي …حيث رأس الحسين ..حين ألقي روحي وجسدي عليه…حاملاً سؤال (تقاسم العيون)…من صورة ابي الفضل العباس على جدران موكب في طرف الكاظمية .. 

عباس الجبوري

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن