شكل انعقاد (مؤتمر العراق للمناخ) في البصرة نقلة نوعية في مسار التغير المناخي اذ أعلنت الحكومة العراقية عن التزاماتها الوطنية تجاه الاتفاقات المناخية ونقلت التزامات العراق من مربعات التخطيط الى مرحلة التنفيذ، وجاء هذا الالتزام على لسان السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الذي افتتح المؤتمر في بداية الأسبوع الماضي، واعلن عن رؤية الحكومة للعمل المناخي حتى عام 2030، وأشار الى أن الحكومة عازمة في منح الأولوية في برنامجها لمواجهة اثار التغيرات المناخية حيث وضعت فيه معالجات عدّة لتخفيف الآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية التي ترافق التغيّر المناخي عبر عدد من المشاريع. واعتبرت الحكومة ان المؤتمر كان بداية انطلاقة واعدة في العمل البيئي والمناخي تتناسب وحجم التحديات التي يواجهها البلد داعية الى دعم الدول الصديقة ومنظمات الأمم المتحدة للعراق في برنامجه لمواجهة التغير المناخي.
وبناء على تلك الرؤية نشير الى ان ما يواجه العراق اليوم من الشحة المائية بسبب سياسات دول المنبع وضعف السياسات الداخلية لإدارة المياه قد دفعت الأمور الى الاسوء بتأثير المخاطر المناخية التي افضت الى موجات الجفاف والتصحر والعواصف الترابية ونقصان المساحات الخضراء حتى صنف العراق من اكثر البلدان عرضة للهشاشة عالمياً بفعل هذه التغيرات التي اصبحت مهددة للأمن الغذائي والبيئي والامن الوطني ومعوقة للتنمية وامن الاجيال القادمة. لذلك جاء انعقاد المؤتمر للتعبير عن الاهتمام الاستثنائي للحكومة في مواجهة هذه التحديات المناخية ومطالبة المجتمع الدولي والمنظمات وصناديق التمويل الدولية بدعم جهود الحكومة في البدء بتنفيذ ما جاء في وثيقة المساهمة الوطنية في الاتفاقات المناخية واتخاذ إجراءات على المستوى الحكومي والمجتمعي لرفع مستوى الوعي بأهمية المخاطر المناخية كما اشار البيان الختامي للمؤتمر اليها. وان الاولوية الوطنية تتركز حول خفض الانبعاثات واعداد الستراتيجات الوطنية للبيئة والتنوع البيئي ومكافحة التلوث.
ان زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة جراء حرق الوقود الاحفوري، وفي مقدمتها غازات الميثان وثاني أكسيد الكاربون، من اهم أسباب زيادة درجات الحرارة واحداث هذا التطرف المناخي. لذا فالبرامج الوطنية لمواجهة هذه المظاهر الكونية المتطرفة تتطلب جهود على المستويات كافة لوضع الخطط والبرامج لتخفيف من هذه المخاطر وبخلافها ستزداد الأمور تعقيداً. لذا فالتفكير على خفض الكربون لتقليل الاضرار المحدقة هو احد الخيارات لتصحيح المسارات في مواجهة تحديات المناخ. لذا لابد للعراق من برامج وخطط للسير بشكل متواز لاستثمار موارده النفطية بشرط انخراطه في برامج خفض الكاربون عبر وقف سياسات حرق الغاز واستثمار الغاز المصاحب بشكل كفوء لإنتاج طاقة نظيفة مع البدء بمشاريع الطاقات المتجددة وإدارة متكاملة للنفايات، لينسجم كل هذه السياسات مع اهداف التنمية المستدامة لحماية البيئة والانسان.
ولعل ذلك لوحده غير كافي وانما يتطلب دراسة مشاريع تكاملية أخرى قد تبدو معقدة تقنياً غير ان التجارب التي تستهدف إزالة الكاربون Decarbonization) ) من مواقع حرق الوقود وفصله وتخزينه في باطن الأرض في مجال إدارة الكربون (Carbon Management) تبدو واعدة. وفي بلد كالعراق الذي يعتمد اقتصاده بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية لابد من مسار مواز اخر يعنى بتوظيف عمليات احتجاز الكاربون وحقنه في المكامن النفطية لتعزيز تحسين استخلاص النفط CO2-EOR وتقليل انبعاثات الكاربون وتقليص الحاجة الى عمليات حقن الماء في المكامن Water Injection فتلك مسألة تستحق الاهتمام. هذا الاقتراح الذي تقدمنا به في مؤتمر العراق للمناخ يحتاج الى مناقشات من قبل الخبراء والفنيين مع تقييم للتجارب في البلدان النفطية واجراء الدراسات الفنية الأولية اللازمة، ان شركات وطنية عملاقة كارامكو وادنوك وشركات نفطية أخرى بدأت بالدراسات والاختبارات في هذا المجال منذ فترة غير قصيرة.
وتبقى على أولويات البرنامج الحكومي الإسراع في تنفيذ مشاريع تحسين البيئة الزراعية عبر استخدام تقنيات الري الحديثة ومشاريع مكافحة التصحر ومعالجة المياه الثقيلة والاستفادة منها للزراعة. ان امام العراق فرصة الانخراط في البحث لاتخاذ التدابير لتعزيز التمويل الميسر في اتجاه الاقتصاد الأخضر الداعم لأولويات التكيف والتخفيف في العراق.
[1] راعي مشروع ظمأ العراق ورئيس اكاديمية العراق للطاقة