06 May
06May

كتب : د. إبراهيم بحر العلوم

في الأول من اذار حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في زيارته لبغداد، من جفاف نهري دجلة والفرات وتعريض الاستقرار في العراق الى حالة اللاستقرار قائلاً انه خطر قائم .

 وبعد اقل من شهرين، جاء التحذير من احدى دول المنبع، ففي الأول من هذا الشهر (أيار) صرح المرشح لرئاسة التركية كمال اوغلو اثناء حملته الانتخابية، ان التأثيرات المناخية  ستكون خطرة على العراق وسوريا، وعلينا ان نتوقع في السنوات القادمة نزوح اكثر من 4 مليون لاجيء عراقي الى تركيا ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لايقاف الجوع والعطش في العراق  وسوريا. 

لا خيار لنا نحن العراقيون بغض النظر عن صحة التنبؤات والدوافع التي تقف خلفها الا اتخاذ اعلى حالات الحيطة والحذر وتوظيف كافة إمكانيات الدولة العراقية على المستوى الحكومي والمجتمعي لمواجهة المخاطر القادمة التي لمسناها بشكل مباشر. ان ما يواجه المجتمع العراقي من تحديات كبيرة بسبب ازمة المياه والتغيرات المناخية ليست وليدة الساعة بل جاءت بفعل تراكمات عقود اُقحم فيها العراق في الحروب والحصار في حين تفرغت دول الجوار لبناء المنظومات المائية. وان التغييرات المناخية التي طرأت بقوة في العقد الأخير زادت الأمور سوءً.

نحن نقدر دور الحكومة في مواجهة تحديات ازمة المياه والتغيرات المناخية وما مؤتمر المناخ في البصرة في اذار الماضي ومؤتمر المياه في بغداد في هذا الشهر الا دليل واضح على اهتمام الحكومة ومحاولة توظيفها للقدرات التنفيذية الوطنية في وضع الخطط اللازمة لمعالجة الأمور بالقدر الممكن وتقليل الضرر والاخذ بجدية التحذيرات القادمة. نحن نقدر الحاجة الكبيرة لمزيد من التنسيق بين المؤسسات الاتحادية والاقليم والمحافظات وضرورة وضع السياسات المائية وتنفيذها بقوة القانون عبر تشكيل المجلس الوطني للمياه وهذا ما دعا اليه السيد رئيس الوزراء يوم امس في افتتاحية المؤتمر، وكذلك نتطلع الى دعم واسناد مؤسساتنا الوطنية لمعالجة مشكلة التلوث جراء المياه الثقيلة التي ترمى في الأنهار. ان مشروع ظمأ العراق، بدأ رحلته في مناقشة التحديات الداخلية مع الوزرات والمؤسسات والخبراء ولابد من تقديم الشكر والامتنان الى التعاون المثمر والبناء مع كافة الجهات الحكومية في امانة مجلس الوزراء والوزارات المعنية وحكومة الاقليم والمحافظات في هذا الشأن.

ان فلسفة مشروع ظمأ العراق تنطلق من هذا الواقع الصعب ولكننا نؤمن ان الامكانيات التي يمتلكها الشعب قادرة على تحويل التحديات الى فرص، وكخطوة متواضعة على هذا الطريق انطلق نشاط هذا المشروع منذ صيف العام الماضي (تموز 2022) في إقامة سلسلة من المؤتمرات والورش والاجتماعات والتقارير الدورية ايمانا منا بالدور المجتمعي في تقليل الضرر وإيجاد الحلول.  

ما نريد قوله ان جحم المخاطر والتحذيرات اكبر بكثير من القدرات التنفيذية والحاجة اليوم كبيرة الى تفعيل الدور المجتمعي للتكامل مع الدور الحكومي في تحجيم الضرر امام الخطر القادم.   وان امام منظماتنا واتحاداتنا ونقاباتنا وقياداتنا ونخبنا مسؤوليات تاريخية كبيرة في مواجهة هذه التحديات سواء الداخلية منها او الخارجية، فمن الوهم ان يتصور احد ان تتمكن الحكومة لوحدها مواجهة الازمة لما يعانيه البلد من مشاكل متراكمة وموروثة ومزمنة. لذا فرسالتنا الأساسية: كيف نتمكن من توحيد الجهود المجتمعية والقيام بحملات ممنهجة ومدروسة ومنسقة وغير متقاطعة مع الجهد الحكومي بل مكملة لمواجهة الكارثة التي تهدد وجودنا؟.  

وعلى صعيد الإقليمي، اننا نؤمن ما لم يتم التعاون الجاد بين الأطراف فسوف تواجه شعوب المنطقة المخاطر بابشع صورها، فالخيارات التي وظفت في المبادرة لمقاربة الازمة في اطارها الخارجي كان جوهرها هو تفعيل المسار الدبلوماسي العلمي والنخبوي TRACK TWO  عبر الانفتاح على النخب والفعاليات الاكاديمية المتخصصة والشرائح المجتمعية في الدول المتشاطئة لحوض نهري دجلة والفرات لتوفير حاضنات فاعلة ومؤثرة تتحسس المخاطر وتخطط لخطوات علمية تتجه لتأسيس مراكز حوكمة لادارة المياه والبيئة كخطوة أولى يمكن ان تتوسع فيما بعد الى نطاق المنطقة. اننا نعتقد ان هذه الخطوة ستلعب دوراَ اساسياً في الإدارة المستدامة وحماية المياه والبيئة ويمكن لها تحقيق الاستراتيجيات الهادفة للبلدان المتشاطئة عبر هذه النخب الفاعلة فخيارتها:

اولاً - العمل على تحسين واستدامة موارد الحوض بغض النظر عن موقع الدول سواء كانت من دول المصب او المنبع، فمصلحة الشعوب تتحقق عند مفهوم تقاسم الضرر والمنفعة كحاجة أساسية لاستدامة الحياة.

ثانياً: تتطلب تعاونا استثنائيا من مجتمعات بلدان الحوض لمواجهة عواقب الإرهاب البيئي، ولابد من الاستثمار الواعي في استراتيجيات التخفيف والتكيف بشكل مشترك والعمل على تطوير أنظمة مراقبة المناخ المائي والبيئي والتنبؤ به وزيادة أنشطة البحث الاكاديمي المشترك حول القضايا التي تهدد حوض دجلة والفرات ومن ابرزها قضايا الاهوار والأراضي الرطبة المهمة في الحوض والتي تعتبر جزء من التراث التاريخي وتلعب دورا أساسيا في الحفاط على التنوع البيئي.

ثالثاً: توجيه الحكومات بكونها نخب فاعلة ومؤثرة بتفعيل المخرجات العلمية والعملية وتشجعها في الاستفادة من الخبرات والمهرات لتحسين التعاون تحقيق الأهداف للإدارة المشتركة المستدامة.

ان مشروع ظمأ العراق بدأ مشواره في هذا الاتجاه بعقد ورش علمية مع دول الجوار لمناقشة تكاملية إدارة المياه اقليمياً،  فقد تم توقيع اول مذكرة مع مراكز النخب والحوكمة في ايران بعد ورشة كانت ناجحة تم عقدها بمشاركة مجموعة من السفراء والاكاديمين والمتخصصين الايرانين من الجامعات ومراكز البحوث الإيرانية بحضور نخبة من المسؤولين والخبراء العراقيين في معهد العلمين للدراسات العليا في النجف الاشرف، ومن المتوقع توقيع مذكرة تفاهم أخرى مع جهات اخرى إيرانية، مما شجعنا للمضي قدما في عقد ورشة أخرى مع الخبراء الاتراك في شهر حزيران من هذا العام ونأمل ان تكون مشاركة متميزة وندوة أخرى مع الاشقاء السوريين لايجاد المساحات المشتركة للتأسيس عليها من اجل حماية شعوب المنطقة المتضررة من شحة المياه وتداعيات المناخ.

اننا نعتقد ان تأسيس مجلس حوكمة للمياه والبيئة للبلدان المتشاطئة يهدف مقاربة قضايا عديدة ومنها ان يهيأ الى بنك للبيانات للمياه والبيئة ليصبح مرجعا للباحثين والأكاديميين في هذا المجال ويؤسس لنظام للمراقبة المشتركة لتتمكن الاطراف من تقييم الحالة بشكل اكثر واقعية ودقة على المستوى الإقليمي ويعزز التعاون البحثي والاكاديمي والتقنيات المرتبطة بالمياه والبيئة لبلورة توصيات غير تقليدية تفيد البلدان مستندة على معلومات وبيانات دقيقة إضافة من الاستفادة من تجارب البلدان المتشاطئة في إدارة المياه والبيئة في الأنهار المشتركة ومعالجة التلوثات واستدامة التنوع البيولوجي وتدارك التأثيرات البيئية منها افاق التعاون في مواجهة التصحر والعواصف الترابية.

قد يبدو المشوار طويل في ظل المخاطر الكبيرة ولكن علينا ان نعي محدودية القدرات التنفيذية طوال العقدين الماضيين في قبال القدرات المجتمعية ان تضامنت وتوحدت من اجل مصالحها الدائمة والثابتة فستكون اقوى من مصالح الحكومات الانية والمتغيرة. فالشعوب اقوى من الحكومات في الحفاظ على مصالحها ومصالح الاجيال القادمة.

بغداد 6 أيار 2023

____________

[1] كلمة في مؤتمر بغداد الدولي للمياه المنعقد في بغداد بتاريخ 6-7 ايار 2023

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن