29 حزيران 2009
تواجه العراق اليوم معضلات عشر، تهدد مستقبله، بل وتهدد بعضها حتى وجوده. ولم يعد من الجائز تجاهلها، أو تأجيل معالجتها، رغم أن بعضها يحتاج لسنين طويلة، ونفقات كبيرة، وجهود مضنية. وقد رتبتها بطريقة عشوائية حتى لا يطغى ما هو سياسي منها على غير السياسي:
- مشكلة المياه: قامت تركيا، في ظل الحرب العراقية الإيرانية، وتصاعد الخلاف العراقي – السوري، في الثمانينات، بتنفيذ (مشروع جنوب شرق الأناضول) الهادف إلى إنشاء أكثر من عشرين سداً على نهري دجلة والفرات، من دون التشاور مع العراق وسوريا، خلافاً للقانون الدولي المتعلق بحقوق الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية. ويتوقع الخبراء الدوليون ألا يحصل العراق عند إتمام هذا المشروع إلا على 20٪ من حصته من المياه.
- اعتماد الاقتصاد العراقي على تصدير سلعة واحدة (الاقتصاد الريعي): فالعراق يستورد كل شيء، ولا يصدر سوى النفط، وقد ظهرت خطورة ذلك على العراق أيام الحصار في التسعينات، وظهرت آثاره السيئة عليه أيضاً في تذبذب أسعار النفط في الفترة الأخيرة.
- صيغة التوافق في الحكم: وهي الصيغة التي استوردها العراق من لبنان، والتي قادته – إي لبنان – إلى سلسلة من الحروب الأهلية، حيث يحتاج فيها تعيين مدير عام أو سفير إلى سلسلة من المفاوضات والمساومات والاشتراطات، ناهيك بأنها بيئة ملائمة لظهور الفساد وتجذره في كل مرافق الدولة. إنها باختصار شديد تنشأ دولة طوائف لا دولة لمواطنيها وتمنحنا القليل من الديمقراطية والكثير من الفوضى (راجع مقالة الكاتب بعنوان العراق: ما أشبه الليلة بالبارحة، هذا أغرب دستور في العالم، الشرق الأوسط، العدد 9238 في 14/3/2004).
- التنازع بين السلطة المركزية وسلطة إقليم كردستان: والحقيقة أن حدوث هذا التنازع أمر طبيعي في دولة انتقلت من نظام شمولي إلى نظام فيدرالي، ولكن استمراره يزيد الأمور سوءً.
- الفساد: وهو اليوم أكثر معضلات العراق خطورة، بسبب انعكاسه على أمن البلاد، وبناء الدولة، وأداء أجهزتها، والثقة بين المواطنين والحكومة. وأقترح على مجلس النواب سن قانون بإعدام كل موظف فاسد من درجة مدير عام فما فوق.
- زيادة السكان: إن العراق واحد من أكثر بلدان العالم زيادة في معدل السكان، وسنوياً ينزل إلى سوق العمل أكثر من نصف مليون عامل جديد، يبحث عن فرصة عمل. فإذا كانت ألمانيا (وهي ثالث دولة صناعية بعد الولايات المتحدة واليابان) غير قادرة على توفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل جديدة سنوياً، فهل يستطيع العراق ذلك! وكيف سيكون الحال بعد عشرين سنة من الآن، عندما يتضاعف عدد سكان العراق، ويصبح ستين مليوناً، وينزل إلى سوق العمل أكثر من مليون عامل سنوياً! فضلاً عن توفير الخدمات لهذا العدد من السكان. فالمدن الأوربية تضاعف عدد سكانها خلال 150 سنة، وبالتالي استطاعت أن توفر كل الخدمات لسكانها. أما مدننا فعندما تضاعف عدد سكانها لأول مرة في النصف الثاني من القرن الماضي، حدث هذا خلال حوالي عُشر ذلك الزمن، الأمر الذي جعلها تفتقر للكثير من الخدمات. وليتصور المرء لو حدث وتضاعف عدد سكان المدن العراقية، خلال العشرين سنة القادمة، وأصبح عدد سكان بغداد حوالي الأربعة عشر مليوناً، كيف ستكون الأوضاع يومئذ؟
- تدهور التعليم: كانت التنمية تقوم على التنمية الاقتصادية الشاملة، أما اليوم فتقوم على التنمية البشرية الشاملة، والتي يشكل التعليم فيها حجر الأساس، فالإنسان هو رأس المال وليس الثروة. والتعليم الحديث يهدف إلى أن يفتح الطالب عقله لا أن يملأ عقله كما كان يفعل التعليم القديم. يقول مثل صربي: الذكي يتعلم، والغبي يحفظ. إن التعليم في العراق يعاني – ومنذ عام 1991 – من تراجع خطير كماً ونوعاً، ومن انتشار ظاهرة الغش والنجاح برشوة، ومن ظاهرة الأساتذة أنصاف الأميين، والتي تشمل عدداً كبيراً من المعلمين والمدرسين وحتى أساتذة الجامعات، ناهيك بالتلاميذ الذين ينجحون من صف إلى آخر وهم لا يقرؤون ولا يكتبون، أو يفعلون ذلك بصعوبة.
- التلوث البيئي: يعاني العراق من تلوث بيئي خطير، وخاصة بغداد والمناطق الجنوبية. ففضلاً عن مخلفات الحروب الكيميائية، والأساليب البدائية للتخلص من القمامة، بحرقها أو بإلقائها في العراء، فإن مدن العراق كافة، وبغداد خاصة، تلقي بفضلاتها في نهري دجلة والفرات، حتى لم تعد مياه النهرين – دجلة والفرات – صالحة للاستعمال البشري.
- الحدود الإدارية بين بعض المحافظات: ارتكب صدام – عام 1987 – واحدة من خطاياه الكثيرة، فأصدر قراراً (عنصرياً طائفياً) قضى بإلحاق حوالي نصف محافظة دهوك بمحافظة نينوى، وثلاثة أرباع محافظة كربلاء بمحافظة الأنبار، وأكمل تقطيع أوصال محافظة كركوك، ملحقاً أكثر من نصفها بمحافظة صلاح الدين. وها نحن نشهد اليوم في أزمة محافظة الموصل الدامية، تداعيات هذا القرار وارتداداته. وكان على مجلس الحكم – عام 2003 – أن يصدر قراراً بإلغاء قرار صدام، أما اليوم فإن تصحيح الأمر يحتاج إلى شبه معجزة.
- التصحر: يعاني العراق، بسبب شحة المياه، وانكفاء الزراعة، وملوحة الأرض، والأساليب البدائية المستعملة في الزراعة، من تصحر شديد، يزحف يومياً على ما جاوره من أراضٍ خصبة، وأدى إلى انقلاب مناخ العراق إلى مناخ شديد الجفاف، كثير الغبار. مع الإشارة إلى أن مناخ الإمارات، وبعد أن قامت باستصلاح ما يمكن استصلاحه من أراضيها، وزراعتها، تحسن بمقدار أربع درجات مئوية.
إن حل هذه المعضلات هي مهمة السياسة، باعتبارها رؤية كاملة فيها اقتصاد قوي، ومجتمع متماسك، وهوية محددة، ومطلب مشروع، وتهديد محتمل.
التنصيصات
التنازع بين السلطة المركزية وسلطة إقليم كردستان: والحقيقة أن حدوث هذا التنازع أمر طبيعي في دولة انتقلت من نظام شمولي إلى نظام فيدرالي، ولكن استمراره يزيد الأمور سوءً.
التلوث البيئي: يعاني العراق من تلوث بيئي خطير، وخاصة بغداد والمناطق الجنوبية. ففضلاً عن مخلفات الحروب الكيميائية، والأساليب البدائية للتخلص من القمامة، بحرقها أو بإلقائها في العراء، فإن مدن العراق كافة، وبغداد خاصة، تلقي بفضلاتها في نهري دجلة والفرات، حتى لم تعد مياه النهرين – دجلة والفرات – صالحة للاستعمال البشري.