محمد عبد الجبار الشبوط
تكرست قناعتي وايماني بعدم صحة خضوع الشعوب للانظمة الدكتاتورية بسنوات قبل ان ينشر جين شارب كتاب "من الدكتاتورية الى الديمقراطية" From Dictatorship to Democracy في عام ١٩٩٣.
والفضل في تولد هذه القناعة وتكرس هذا الايمان على اساس قراني يعود للسيد محمد باقر الصدر الذي فسّر في عام ١٩٧٩-١٩٨٠ قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" بطريقة لم يسبقه اليها احد من المفسرين بحسب اطلاعي حيث كتب يقول في كراسه العظيم "خلافة الانسان وشهادة الانبياء": "ان الخلافة هي اساس للحكم، حيث اناب الله الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون واعماره اجتماعيا وطبيعيا، وعلى هذا الاساس تقوم نظرية حكم الناس لانفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله."
وكان هذا القول اساس قناعتي بصحة ايماني بالديمقراطية، الامر الذي اعلنته في شباط من عام ١٩٩٠ في مقال نشرته في صحيفة "البديل الاسلامي"، وطبعا كان اساس حساسيتي المفرطة من النزعات الدكتاتورية التي كنت المسها هنا وهناك في ادبيات الدعوة وسلوكيات الدعاة، بما في ذلك العنوان المشهور لاحدى النشرات الحزبية، واعني به "الدعوة وحدها"!حتى ذلك الحين كان رفضنا للنظام البعثي يستند الى كونه نظاما كافرا، ظالما، عميلا، اكثر من كونه نظاما دكتاتوريا، وبالمقابل كانت دعوتنا تتركز على اقامة الدولة الاسلامية، او تطبيق الشريعة الاسلامية، وليس من اجل اقامة الدولة الديمقراطية.
بل ان الديمقراطية كانت مرفوضة في اوساط الاسلاميين "لفظا ومضمونا"، كما كانوا يقولون، وكما كشفت ردة الفعل الغاضبة في اوساط الاسلاميين الدعاة بخاصة على مقالي المذكور.
لم يتناول النشاط الفكري للاسلاميين منذ انطلاقة الوعي الاسلامي الجديد في اواخر الخمسينات واوائل الستينات مسألة الديمقراطية، ولسنا نجد على مدى حوالي ثلاثين عاما كتابا اسلاميا لتثقيف الناس بالديمقراطية.
ولا اعرف كاتبا اسلاميا شيعيا تصدى لهذا الامر غير السيد محمد بحر العلوم رحمه الله. ومع ان كتاب "تنبيه الامة وتنزيه الملة" (١٩٠٩) للشيخ محمد حسين النائيني (١٨٦٩-١٩٣٦) كان يمكن ان يكون منطلقا فقهيا للتنظير للديمقراطية وتأصيلها في المجال الفقهي الاسلامي الشيعي، لكن هذا لم يحصل، وبقيت مسألة الديمقراطية بعيدة عن اهتمام الكتاب الاسلاميين الا في حالة الرد عليها، وانحصر الاهتمام بها من قبل العلمانيين الذين استغلوا الفراغ الفكري لكي يذهبوا الى القول ان "العلمانية" و "الرأسمالية" من الشروط المفهومية للديمقراطية؛ وليس الامر كذلك بطبيعة الحال.
وحين بدأت عملية كتابة الدستور العراقي الدائم كان الاسلاميون وراء كتابة جملة "الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع : أ -لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام" من المادة الثانية؛ فيما كان العلمانيون وراء كتابة جملة "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية".
اقصد من هذا ان اقول ان الديمقراطية لم تصبح قضية الاسلاميين حتى ذلك الوقت. اليوم اشعر بنوع من الفرح الداخلي ان الديمقراطية احتلت اخيرا اولوية في اهتمامات الاسلاميين، وان ليس بالدرجة الكافية والمطلوبة، وما زلت انتظر ان تتحول الديمقراطية الى قضية شعبية يناضل من اجلها الشعب العراقي. انني اليوم على قناعة مطلقة بحق الشعوب بالديمقراطية، واعني بها حقها في تقرير مصيرها، والمشاركة السياسية الحقيقية والفعلية والجادة في كل ما يتعلق بشؤونها بما في ذلك حق المطلق في انتخاب مجموعة الاشخاص الحاكمين في التنفيذ والتشريع والادارة، وعدم صحة تولي شخص ما غير منتخب شيئا من هذا المسؤوليات.
وانني لأشعر بالاسى وانا ارى اشخاصا غير منتخبين في مواقع التأثير والمسؤولية، او ارى رضا من قبل الناس على مستويات مختلفة عن هذه الحالة. ان الديمقراطية من حقوق الشعب الاساسية التي لا يجوز التنازل عنها والتهاون بشأنها.