أ. علي هترو حويزاوي
لم يفكر أحد منّا ولم يسأل نفسه: من فرض هذه المناهج بهذه الصورة؟ ومن قسمها؟ ومن وضع هذه الوحدات الدراسية؟ ولماذا أصبحت المناهج التربوية بهذه الصعوبة؟ ولمصلحة من يبقی التلاميذ والطلبة أكبر قدر ممكن من الوقت خارج منزلهم أو يبقون داخل غرفهم؟
كتبتُ كثيرا عن هذا الموضوع وبقيت أبحث عن أصل هذا التحول في المناهج؟! ولماذا ظهر بعد 2003؟
فقادني البحث الی حقيقة الموضوع وأصله وعلاقته بالاحتلال الأمريكي، وهنا أدعو العراقيين جميعا لمتابعة أصل الموضوع:
بعد سقوط نظام البـعث، توجهت سلطة الائتلاف المؤقتة وبالاتفاق مع النظام السياسي الجديد وباشراف اليونسكو و بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الی تغيير المناهج التربوية بما يتناسب مع اجتثاث فكر النظام البعـ.ثـي القـ.ومي وأدلجته السياسية للمناهج، مع اجتثاث أي إساءة للأكراد، ورفع أي عداءٍ تجاه أمريكا و إسرائـ.يل، وبالغعل تم تغييرها بإشراف اليونسكو وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وفي هذه الأثناء تم فرض فلسفة الأمريكان في التعليم، وبينما انشغل وزير التربية (د.علاء الدين العلوان) بالدفاع عن تثبيت معالم الهوية الإسلامية التي أزالتها اللجان، ووصل الأمر الی المشاجرة والخصومة، مرر الأمريكان سياسية التعليم التي يريدونها مقابل تمرير الاحتفاظ بالهوية الإسلامية العامة، أو مقابل انشغال الوزير بالدفاع عن الهوية التي يريدون تذويبها!!
وهنا نأتي للتعرف علی هذه الفلسفة التعليمية، ومتی نشأت؟ ولماذا تم تطبيقها في العراق؟
بدأت هذه الفلسفة مع خسارة ألمانيا أمام الفرنسين في معركة " جينا" عام 1806، إذ اجتمع العلماء ليبحثوا عن سبب خسارتهم، وما الذي يميز الجندي الفرنسي عن الالماني؟!!
ومن بين هولاء المجتمعين، الفيلسوف الالماني" يوهان فيشت" الذي توصل الی تفسير لهزيمة الجندي الالماني، وهذا التفسير أو السبب مرتبط بالبنية الاجتماعية الكلية، إذ رأی أن الفرد الألماني أو الجندي الألماني يفكر، ولديه الوقت للتفكير، وهذا التفكير يقوده الی التردد والتمرد والاعتراض علی أوامر السلطة!!
بينما الجندي الفرنسي يطيع وينفذ بلا تفكير!
وعلی هذا الأساس لابد من تغيير طبيعة الفرد الألماني،وهذا التغيير ا يؤدي الی تغيير المجتمع برمته!!
وهذا لايكون إلا عن طريق تغيير فلسفة التعليم المتبعة، وتقديم فلسفة جديدة قادرة علی تحقيق هذه المتغيرات؛ لذا قدم " فيشت" منهجا للإصلاح التعليمي بحسب وجهة نظره، وبالفعل تم وضع أول نظام تعليمي مركزي إلزامي عام 1819، يقوم هذا النظام علی فلسفة" فيشت" التي تتلخص بالآتي:
- عزل الفرد( الطفل أو الشاب) عن محيطه (الأسرة والمجتمع).
- السعي الی إبعاده عن منزله أكبر وقت ممكن.
ـ إبعادهم عن الثقافة المحلية، أي العادات والتقاليد والطقوس الموروثة.
ـ اشغالهم بالمواد الدراسية المفروضة عليهم، وإبعادهم عن الأنشطة الأخری التي يحبونها.
ـ تدريبهم علی الالتزام والطاعة وتنفيذ الأوامر، بغض النظر عن رغباتهم، فمثلا إذا دق جرس انتهاء الحصة، تنتهي الحصة بغض النظر عن قيمة العمل الذي يقوم به الطفل(يرسم، يكتب، يلقي، يسأل..) ينقطع العمل فورا من دون انتظار.
إن هذا النظام التعليمي الفيشتي الذي ينتزع الفرد من بيئته وطبيعته، ويعمل علی تذويب عناصر تكوين الهوية، هو الأنجع والأرجح في خلق المجتمع القطيعي، المجمتع الموحد الرؤية، تلك الرؤية التي تفرضها السلطة، ولايمكن لأي فرد في هذا المجتمع بالتفكير بعيدا عن الثقافة المفروضة؛ بل ليس باستطاعة هذا الفرد أن يفكر أصلا!! فهو نشأ علی الطاعة، ونشأ علی الأنانية والتفكير بالمصلحة الخاصة المادية وحسب!!
ـ هذه الفلسفة البروسية الفيشتية في التعليم، انتشرت لتكون هي النظام التعليمي في أوربا، وبما أن أكثر صانعي السياسات الأمريكان تخرجوا من جامعات بروسية، استطاعوا وبالضغط علی الكونغرس أن يجعلوا أمريكا تتبنی هذه الفلسفة، ومن أشهر هولاء:
هوراس مان (1796- 1859) ، المعروف أيضا باسم "أبو التعليم الأمريكي". نجح في تطبيق هذا الفلسفة في ولايته ماساتشوستس ليتأسس النظام التعليمي العام الإلزامي علی وفق رؤية" فيشت"
إن الفرد يكتسب ثقافته من محيطه الاجتماعي أو لنقل تتشكل هويته عن طريق ما يتعلمه منذ الطفولة حتی البلوغ،ويشمل ذلك تعلم اللغة والدين والفنون والموسيقی والطقوس والشعائر والعادات والتقاليد...الخ من عناصر تشكيل هوية الفرد، وفي واقع الحال أن الأفراد اذا تُركوا لما يرغبون فيه وبحرية تامة، فهذا سينمي الذات، ومع تنمية الذات تتجذر الهوية، وتتعدد الرغبات والميول، فينشأ مجتمعٌ يصعب قيادته قيادةً مركزية!! وهذا يتعارض مع فكرة قيادة المجتعات وتوجيهها!!