12 Jun
12Jun

 

قال تعالى في كتابه العزيز: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الانعام 152

 

شهدت الجلسات المنعقدة في الأيام الماضية لمجلس النواب العراقي ، مشهدا لم يسبق له مثيل في جلسات برلمانات العالم، نحن لا ننكر بوجود خلافات ومشاجرات قد تحصل بين أعضاء مجلس النواب في كل دول العالم اذا ما طرح مشروع قانوني معين، ولكن المشاهد الغريبة التي رافقت جلسات الانعقاد لم نعهدها في اية جلسة من جلسات مجلس النواب لدولة العراق او لدول أخرى، حيث ترى بين الحين والأخر عضو مجلس النواب العراقي يبث مشهد له مصور من قاعة مجلس النواب يصرح من خلاله ،على انه نجح في تخصيص مبالغ معينة لمنطقة معينة او لفئة معينة قد وعدهم بهذا الامر وكأن لسان حاله يقول (شاهدوني لقد خدمتكم) وكأن الموازنة، غنيمة والشاطر هو من يستطيع ان يغتنم نصيب منها له او لمن يهمه امرهم ممن وعدهم بتحقيق مصالحهم. 

والواقع من الامر هذا المشهد غريب، يعد غير حضاري وغير منصف، لابناء شعبنا ، لم نشهده الا في إقرار موازنة العراق لهذا العام. 

لعل سائل يسأل ماهي الموازنة؟ وما أهميتها للمواطن العراقي؟ 

الموازنة تعني بانها الخطة المالية التي يتم تطويرها من قبل الدولة مع الاخذ في الاعتبار يجب اتباعها للعام المقبل، وغالبا ما يتم اصدار الموازنة في بداية كل عام وهي تعد خطة مستقبلية للعام المقبل كما تعد الأداة الأساسية والمهمة لإدارة السياسات المالية لأية دولة وتعد فرنسا وبريطانيا من أوائل دول العالم التي عملت على تطبيق فكرة الموازنة في الفترة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وعليه فهي خطة لتحديد أفضل السبل لاستغلال الموارد المالية للدولة وتغطية نفقاتها المستقبلية. 

ولكي أكون دقيقة في كتابة هذا المقال فقد قمت بقراءة مشروع موازنة 2023 لأكثر من مرة، ولم اكتف بذلك بل اطلعت على موازنات دول أخرى وخاصة دول الجوار (سوريا، الأردن، مصر) لعام 2023 كما اطلعت على موازنات دول الخليج العربي.

ومن خلال اطلاعي على تلك الموازنات، تبينت لي الأمور التالية: 

 

أولا:. من حيث مدة الموازنة 

لم اجد في أية موازنة من موازنات هذه الدول،  بل في موازنات غالبية دول العالم، دولة تضع موازنتها لأمد زمني مدته ثلاث سنوات قادمة، وان كان قانون الإدارة المالية العراقي يسمح بذلك ، على راي البعض بالرغم من تحفظي على ذلك ، ولكن السؤال هنا هل تستطيع الحكومة العراقية ان تتكهن سلفا ببقاء الأوضاع داخليا وعالميا على ماهي عليه من دون أي تغيير قد يحصل في المستقبل؟ ماذا لو حدثت ازمة اقتصادية عالمية جديدة لم يكن في الحسبان توقعها؟ ماذا لو تعرض العالم لوباء جديد؟ ماذا لو دخل العراق في ازمة سياسية او عسكرية مع دول أخرى؟ 

فهل من الحكمة المضي بواقع ميزانية اعدت لظروف طبيعية كمثل هذه الظروف؟ وهل سيكفي إعطاء الصلاحية لوزيرة المالية كحل لمجابهة هذه التغيرات التي قد تحصل لا سامح الله؟ 

اجد من المعقول، بل والمناسب ان يمضي العراق كما هو متعارف عليه لدى الدول الأخرى بوضع موازنة امدها لا يتجاوز العام الواحد لضمان الدقة والقدرة على مواجهة المتغيرات غير المتوقعة في المستقبل القريب بدلا من جعلها لثلاث سنوات قادمة. 

ثانيا:. تعد موازنة 2023، موازنة انفجارية في قيمتها، حيث رصدت الحكومة العراقية لها مبلغ وقدره 152.2 مليار دولار أي ما يعادل (134,525,919,063 الف دينار عراقي) لتنفيذ بنود هذه الموازنة، وهو رقم مبالغ فيه، اذ لم يتصور لدولة عربية او اجنبية رصدت مثله من قبل ومن بعد لموازناتها، لذا اقل ما يقال عنها انها موازنة انفجارية فعلى سبيل المثال بلغت موازنة الأردن لعام 2023 (16 مليار دولار) ومصر بلغت موازنتها لهذا العام (3 ترليون جنيه مصري أي ما يساوي 97 مليار دولار)، اما سوريا فقد بلغت موازنتها للعام نفسه ب(5,4 مليار دولار).

اذا هي موازنة انفجارية في قيمتها مقارنة بالدول الأخرى ومقارنة  بالسنوات الماضية للعراق.

 

ثالثا:. من حيث أوجه الصرف 

لم يركز العراق في موازنته لهذا العام على رفع مستوى الدخل للفرد العراقي وعلى دعم الفقراء ومحدودي الدخل من أبناء شعبنا، حيث لم نرى في الموازنة أية زيادة تذكر في الأجور او رواتب العاملين في القطاع الحكومي للدولة، كما لم تتضمن الموازنة أي اهتمام بالتامين الصحي للمواطنين، غيب الدعم المطلوب للبطاقة التموينية ومفرداتها، ولم نلحظ اهتمام بواقع سكن وخاصة لمحدودي ومعدومي الدخل، لم نرى في هذه الموازنة أي دعم في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية للمواطن وخاصة اللحوم والثروة السمكية.

لم نشهد في هذه الموازنة أي اهتمام او معالجة للخطر البيئي المقدم عليه العراق لانخفاض مناسيب الأنهار (دجلة والفرات) مما يهدد بكارثة بيئية قادمة ، على خلاف ما وجدته في موازنة سوريا لهذا العام حيث رصدت مبالغ كبيرة لمعالجة مشكلة جفاف الأنهار كما عمدت كل من (_سوريا، مصر، الأردن..) بالاهتمام بدخل الافراد ودعم المواد الغذائية والاستهلاكية لأبنائها.

كما لا يفوتني ان اشير الى ان تلك الدول قد رصدت لموازنتها مبالغ لتطوير التربية والتعليم من حيث مناهج التعليم، اخضاع المدرسين لدورات تدريبية، فتح مدارس دولية، فتح مراكز للبحث العلمي ودعم الطلبة المتميزين والعمل على شراء مستوعبات مجلات ذات معايير عالمية مثل سكوبس وما شابه.

العراق وللأسف لم تشهد موازنته الاهتمام بذلك كما فعلت تلك الدول. 

اما قطاع الصناعة فقد خلت الموازنة من اية إشارة لانشاء مصانع جديدة تغطي حاجة المستهلك العراقي بدلا من الاعتماد على الاستيراد واستهلاك سلع الدول الأخرى. وكأن لسان حالنا يقول اننا مازلنا دولة مستوردة ، مستهلكة للبضائع الأجنبية ولثلاث سنوات قادمة. 

نخلص من كل ما تقدم ان موازنة العراق لعام 2023 هي موازنة انفجارية... مضطربة... مخيبة للآمال.

لم انتهي بعد ....

للحديث بقية سأتناولها في مقال اخر ان شاء الله.

 

 

 

 



 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن