يتجلّى الموقف العراقي تجاه مسألة مياه نهري دجلة والفرات في النقاط التالية:
* إنّ نهري دجلة والفرات نهران دوليان وفق المبادئ والقواعد القانونية الدولية المستقرة. وبالتالي فإنّ السيادة على النهرين سيادة مشتركة بين سوريا والعراق وتركيا. أما إدعاء تركيا بأنّ مياه النهرَيْن هي مياه تركية عابرة للحدود ولها السيادة المطلقة عليها فيعتبر هذا إنتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي وللاعراف الدولية ذات العلاقة.
* ان دجلة والفرات نهران منفصلان قائمان كلٌّ بذاته، وهذا ما يؤكده الواقع العملي والظروف الجغرافية، إذ إن لكل نهر منابعه وحوضه ومساره. وإنّ التقاؤهما بعد آلاف الكيلومترات من المنبع لا يعني أبدًا أنّهما رافدان لنهر شط العرب اللذين يشكلانه لمسافة 190كم. وعلى ذلك فهما نهران مستقلّان بكل المقاييس والحسابات والاعتبارات الفنية والجغرافية والقانونية والتاريخية.
* إنّ تحديد الحصص المائية يجب أن يأخذ في الاعتبار الحقوق المكتسبة والحاجات الاجتماعية والاقتصادية لدول حوض النهر، إذ لا يمكن ان نلغي تاريخ وحضارة عمرها آلالاف من السنين، وما زالت قائمة في وادي الرافدين دجلة والفرات، وما يترتّب على ذلك من حقوق تاريخة وإجتماعية واقتصادية وثقافية. حيث إن فكرة الحقوق المكتبسة أو التاريخية تقوم على أساس الكيفية التي جرى بها اقتسام مياه نهر دولي معين بين دول حوض نهر ما خلال المراحل التاريخية السابقة وهو ما يطلق عليه فقهيًا " بالاقتسام السابق ".
وبذلك تلتزم الدول المتشاطئة باحترام حقوق بعضها في مياه الانهار الدولية أو التي تعبر أراضيها بالحصة نفسها التي اعتادت الحصول عليها في السنوات السابقة، منذ ان استقر السكان على ضفاف النهر. وتُعبر تلك الحصص عن أسلوب الانتفاع العادل الذي ارتضته دول حوض النهر لتوزيع مياه النهر الدولي سنويًا على مر السنين، وأي تغيير في الحصص يؤدي إلى اشكالات تنعكس سلبًا على المجتمعات المقيمة على ضفاف الانهار
* لا تعني قاعدة الاستخدام الأمثل للموارد المائية بأية حال من الأحوال تحديد أصناف الترب، وما يترتب على ذلك من تحديد لنوعية المحاصيل الزراعية وما يؤديّ إلى التدخّل في الشؤون الداخلية للسياسات الزراعية والاقتصادية لكل دولة وهو أمر غير معقول. وترتبط قاعدة الاستخدام الأمثل بضرورة قيام كل دولة بترشيد استخدام المياه والمحافظة عليها وتخطيط استخدامها للاستفادة منها استفادة قصوى من خلال تحسين كفاءة الري والسيطرة على مياه الفيضانات والأمطار. كما لا تتعارض قاعدة الاستخدام الأمثل مع مبدأ قسمة المياه قسمة عادلة بما يؤمن الحاجات الاقتصادية والاجتماعية ويضمن الحقوق التاريخية المكتسبة.
* يرى العراق ضرورة مراعاة قاعدة عدم الاضرار بالغير عند تنفيذ مشاريع الري على النهرين. فتنشئ هذه القاعدة إلتزامًا قانونيًا على دول المجرى المائي الدولي بضرورة التشاور المسبق عند وجود نية لاحداهما لتنفيذ أي مشروع قد يؤثر على دول المجرى الاخرى. وعلى أساس هذا المبدأ جرى التعامل الدولي بين مختلف الدول المتشاطئة. ولكن تركيا أنشأت العديد من مشاريع الري والسدود الضخمة على نهري دجلة والفرات، مما ألحق بالحياة البشرية وبالزراعة العراقية أضرارًا كبيرة بسبب تدني كمية ونوعية المياه المتدفقة التي تطلقها تركيا.
* اعتراض العراق على بروتوكول 1987 بين سوريا وتركيا لأن كمية 500 م3/ثا (أي 15,7 مليار م3/سنة)لا تلبّي سوى نصف الحد الأدنى من احتياجاتها المائية ويترتّب عليه عدم صلاحية الالاف من الهكتارات للزراعة، كما ان استنزاف مياه خزان سد القادسية سيقلّل من كفاءة وإنتاجية الطاقة الكهرومائية للسد() ولذا طالب أن تكون الكمية 700 م3/ثا(22 مليار م3 وهو التدفق الطبيعي لنهر الفرات إلى كل من سوريا والعراق)، واعتبر ان بروتوكول 1987 مؤقت بفترة ملء خزان اتاتورك إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي لتقاسم المياه بما يحققّ المصالح المشروعة للبلدان الثلاثة
* ضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي يحدّد الحصة المائية لكل بلد من البلدان الثلاثة على أسس عادلة ومنصفة، تستند إلى قواعد القانون الدولي وما جرى عليه التعامل بين الدول في مجال استغلال المياه الدولية، إضافة إلى الاحكام القانونية المتعلقة بنهري دجلة والفرات
ومن خلال ما تقدم ثمة وجود تشابه وتطابق بين موقف سوريا والعراق حيال مشكلة المياه مع تركيا، وذلك لانطلاق البلدين من الاسس والمبادئ نفسها في صياغة موقفهما. ولانسجام موقفهما مع الاعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بالمياه الدولية، التي تدعو الدول المتشاطئة لتنمية استخداماتها من مياه الانهار الدولية بشكل عادل ومعقول.
كما نرى أنه من الضروري والمناسب الاطلاع على موقف السعودية من مياه نهر الفرات باعتبارها إحدى دول مجرى نهر الفرات، وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية عام 1997. حيث نصت هذه المادة بأن دول المجرى المائي هي شبكة المياه السطحية والمياه الجوفية، التي تشكّل بحكم علاقاتها الطبيعية بعضها ببعض كلًّا واحدًا، وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة، ويقصد بدولة المجرى المائي دولة طرف في الاتفاقية يقع في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي. حيث إن مساحة حوض نهر الفرات تبلغ 444 ألف كم2. والسعودية تشارك بمساحة الحوض بحوالي 66 ألف كم2 أي بنسبة 15%.
فوفقاً للقانون الدولي يكون للسعودية الحق بالمطالبة بمياه نهر الفرات، ولكن ينحصر حقّها في استثمار المياه الجوفية المتجدّدة من نهر الفرات، حيث ان الحوض الجوفي الذي تقوم السعودية باستغلال مياهه هو حوض مشترك مع العراق، وانخفاض منسوب المياه في نهر الفرات في العراق يؤدي إلى انخفاض في حجم مياه التغذية للحوض المائي الجوفي، وبالتالي إلى إنخفاض المياه المتجددة وإلى استنفاذ المياه الجوفية نتيجة الاستخدام المستمر والذي سيؤدي إلى عجز مائي.
صحيح أن السعودية لم تطالب يومًا بحصتها من نهر الفرات ولم تشارك في اللجنة الثلاثية لأنها ترى أن لا علاقة لها بذلك، إلا أن هناك تخوفًا من مطالبة السعودية بحصّتها من نهر الفرات الامر الذي سيؤدي حتمًا إلى تقليل كمية المياه المقتسمة، وبالتالي يكون على كل من سوريا والعراق مطالبة تركيا بزيادة الحصص المائية لدول الحوض مما يعزّز موقفهما في المطالبة بالحقوق المائية المكتسبة.
كما أن السعودية التي تقوم بالاستغلال التعسّفي للمياه الجوفية قد تصطدم مع العراق بمشاكل كثيرة إذا اضطر هذا الاخير إلى استخدام مخزونه من المياه الجوفية من أجل تغطية حاجاته المائية المستقبلية. عندها ستحدث أزمة مشابهة لتلك التي حصلت بين ليبيا، من جهة والسودان ومصر، من جهة أخرى نتيجة شروع ليبيا بالإستخدام التعسفي لحقها باستنفاذ الاحتياطي الاستراتيجي لمياه مصر والسودان، باعتبار الخزان الجوفي امتداداً للخزان الجوفي المصري والسوداني() وتجنباً لحدوث أزمة متشابهة مستقبلًا بين البلدين فعلى العراق والسعودية تنظيم علاقة استثمار المياه الجوفية بينهما.
ومن كل ما سبق يلاحظ أن نهري دجلة والفرات نهران دوليان بجميع الاعراف والمواثيق الدولية. ولا بد من محاولة دول حوضي النهرين من التوصل إلى اتفاق نهائي لقسمة مياه الفرات. كما أنه من الممكن أن تحاول إيران والعراق من التوصل إلى قسمة عادلة للروافد الايرانية التي تجري وتصب في نهر دجلة ضمن الاراضي العراقية، مما يؤدي إلى حصول العراق على كمية معقولة من هذه الروافد، وبالتالي تقلّ الحصة التي يطالب بها العراق من كل من سوريا وتركيا لانه يكون بذلك قد استعاض عنها بحصة من الروافد الايرانية وقد يكون هذا إحدى الحلول لمشكلة حوض دجلة
كما يلاحظ بأنّ الموقفَيْن التركي والايراني من مياه نهري دجلة والفرات شبيهان لمخالفتهما الاعراف والقواعد الدولية المتعلقة بالأنهار الدولية ولمخالفتهما مبادئ حسن النية وحسن الجوار. في حين أن موقف سوريا يتشابه مع موقف العراق، لانسجامهما مع الأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بالانهار الدولية. فعلى هاتين الدولتين أن توحدا صفوفهما وموقفهما من نهري دجلة والفرات، وأن يعملا على حل مشكلة النهرين على حد سواء دون الاهتمام بمناقشة مشكلة أحد النهرين على حساب النهر الآخر.
وبالتالي يمكن القول، أن الوضع القانوني يعتبر دافعًا للصراع على مياه دجلة والفرات لعدم وجود صيغة كاملة شاملة لتقسيم المياه وضبطها وتوزيعها في إطار اتفاق جماعي ملزم وفقاً لقواعد القانون الدولي ومصالح كل الاطراف. وقد كان هناك عدة اتفاقيات بين البلدان الثلاث، إلّا أن تركيا لم تلتزم ببنود هذه الاتفاقيات. فضلاً عن استخدام تركيا تعبيرات خاطئة تتنافى مع التعريفات المستخدمة في القانون الدولي كتعبير "مياه عابرة للحدود "بدلاً من تعبير"النهر الدولي" وتعبير" استخدام المياه" بدلاً من "قسمة المياه أو توزيع الحصص" وغيره.