15 Apr
15Apr


 كتب : حسين العادلي


• ماتت الدولة الشرقية أو هي في طريقها للموت أو إعادة الإنتاج. 

هذا ما تعيد تأكيده التطورات في مختلف دول المنطقة، فهي بين موت كلي لنظامها السياسي بفعل حركات الثورة والعصيان والتمرد الداخلي، وبين موت/التغيير الذي يجريه قادتها على طبيعتها ونظامها وهويتها، أو ما زالت تعيش مأزق النظام والوحدة والإستقرار. فلم يعد نموذج هذه الدولة صالح للحياة على اختلاف أنظمتها وأيديولوجياتها، والعمل جار لإعادة إنتاجها.

• موت وولادة دول،.. هذه هي سمة الأبرز لحركية التاريخ في منطقتنا، تاريخ يحمل من المتغيرات الجوهرية ما سيطال بنى المجتمعات الشرقية في جوانبها السياسية والمجتمعية والإقتصادية والثقافية كافة، وسيغير من بنية الدولة التقليدية التي قامت منذ بواكير القرن التاسع عشر الميلادي. فرياح التغيير شملت وستشمل دول المنطقة بأسرها، وسيعبّر هذا التغيير عن نفسه بانقلاب شامل أو جزئي لأسس ومعايير وإدارة هذه الدولة أو تلك، فقد انهارت أنظمة بشكل كلي، وتسعى أنظمة أخرى لإعادة إنتاج داخلها السياسي والإجتماعي والإقتصادي.. للخروج بأقل الخسائر الممكنة.

• قد تفلح قيادات بعض الدول بإجراء تغييرات جذرية حقيقية تلبي طموحاً مقبولاً لمعايير الدولة الوطنية مما سيقلل من خطر تداعي النظام العام ووحدة الدول وسلامة مجتمعاتها،.. إلاّ أنَّ الفشل ما زال قائما بتخطي أزمة الدولة هنا وهناك، بفعل حدة انقسام أمم الدول إلى هويات مجتمعية فرعية متحاربة، وبفعل غياب البديل الوطني الناضج والقادر على شغل الفراغ بدل الإتجاهات المتطرفة، وبفعل الفشل التنموي وعدم التأهيل المجتمعي السياسي والثقافي الذي قاد إلى العدمية السياسية، وبفعل صراع الأجندات الكبرى إقليمياً دولياً.

• بموت الدولة انكشفت تناقضات أمتها الوطنية، وهذا هو وصف المشهد الحالي لأمم الشرق الأوسط،.. لقد انبعثت جميع القوميات والطوائف والإثنيات والإيديولوجيات لتعبر عن نفسها وخصوصياتها ورؤيتها وإرادتها، في مشهد يسوده الخلاف البنيوي والصراع الدموي تجاه جميع قضايا الدولة المراد إعادة إنتاجها. وهو أمر طبيعي إلاّ أنه غير صحي، فهو طبيعي لأنَّ مشروع الدولة لدينا قام واستمر على وفق مقومات الإستبداد والتمييز والأدلجة، فحطم وحدة أمّة الدولة وفشل ببنائها وفق معايير المواطنة والمشاركة والتنمية وأبقاها تقليدية غير مؤهلة. وهو غير صحي كونه يجري وسط تناقضات مجتمعية اقتصادية ثقافية حادة وصراع هويات غرائزي واحتراب مصالح وأجندات كوني.

• أمم الشرق الأوسط اليوم تمر بمرحلة اكتشاف وبناء الذات السيادية، إلاّ أنه إكتشاف وبناء في لحظة مرضية وقلقة وخطرة ومصيرية،.. فهي لحظة تاريخية مريضة ومأزومة، بسبب أنّ المجتمعات تمارس الإكتشاف من موقع الذات العرقية الطائفية الإثنية السياسية المتضخمة والمندفعة بجنون للتعبير عن الخصوصية والمصلحة بعد عقود التمييز والقهر والحرمان. وهي لحظة قلقة لا يمكن التأسيس عليها لتشظيها واستلابها وانفعالها بغريزتها العاطفية المطلبية غير المعقلنة، وهي خطرة كونها موهمة وإلغائية تحول دون اكتشاف المشترك الوطني والمصالح الكلية لإعادة بناء الدولة من جديد، وهي مصيرية كونها تأسيسية وتجري وسط توظيف مصالحي تآمري إقليمي دولي.

• دول الشرق الأوسط تعيش المخاض، فإما أن تلد دول وطنية موحدة عادلة وناجحة، وأما أن تفترسها دويلات عرقية وإمارات طائفية وكيانات إثنية لتشكل خرائط سيادية جديدة، وأما أن تعيد إنتاج الفشل باعادة إنتاج أنظمتها القديمة، وأما أن تبقى تعيش الصراع والفوضى والفساد والإستلاب. 

ولقواها ونخبها ومجتمعاتها الخيار، وعليها الإختيار.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن