17 Nov
17Nov


نبيل ياسين


الذين انتشوا وتشفوا بمستوى خطاب حسن نصر الله يحق لهم هذا التشفي. والذين أصيبوا بخيبة الأمل ، والذين كانوا ينتظرون مفاجأة العيار الثقيل التي تضمنها الانتظار والشائع عن نصر الله وخطاباته ذات المصداقية السابقة والفعل الذي يلحق القول، واصيبوا بخيبة الأمل يحق لهم الشعور بمرارة هذه الخيبة ، خاصة وان العالم، نعم العالم، بشرقه وغربه كان ينتظر الخطاب بدء من سماعات البيت الأبيض وسماعات نتينياهو الى سماعات أوروبا وآذان فلسطين المفتوحة لسماع ما يفتح لهم بوابة الامل المنتظرة.

لا يمكن تصور ان قائدا بحجم حسن نصر الله يلقي نفسه بتهلكة نهاية مزرية كالتي انتهى بها الخطاب. ولا يمكن لمقاوم شديد المراس وعنيد التحدي يعول عليه المقاومون ، وبضمنهم أولئك الذين يقاومون بالكلمة والذين يقاومون بالرجاء والذين يقاومون بالتمني ان يستسلم عبر خطاب  يمكن ان يعده كثيرون خطاب النهاية لهذا القائد.

علينا ان نطرح التصورات التي تشير الى هذه النهاية حتى الآن، اذ ربما تكون هناك مفاجأة جديدة، وكل ما سأقوله هو احتمالات تتمتع بنسب متفاوتة من الإمكان.

لبنانيا ، يواجه حسن نصر الله وحزب الله تحديات هي الأكثر خطورة. فاللوم اليومي والقاء الفشل السياسي اللبناني، الذي تساهم فيه العوامل الإقليمية، عربيا على الأكثر، على حزب الله ، تأثير مباشر وقوي على موقف الحزب الذي يواجه حملات عنيفة مدعومة إقليميا ودوليا، تختلط فيها عوامل دينية وطائفية قوية يستمر خلالها القاء اللوم عليه بتوريط لبنان في حرب بينه وبين إسرائيل.

وعربيا هناك انعكاس كامل على الحزب بسبب التوترات المستمرة بين دول الخليج وبلدان عربية أخرى ، أي بين جبهتين  معالمهما واضحة تشترك في توتيرها وتسخينها دول عربية وأوروبية إضافة الى الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذه  التوترات تسعى لإضعاف موقف الحزب لبنانيا وعربيا قدر تعلق الامر بسوريا والعراق.

لبنانيا وعربيا تعني أيضا اشتراك دول أوروبية إضافة الى إسرائيل وامريكا في العامل الثالث ، أي العامل الدولي الذي يحاصر لبنان سياسيا واقتصاديا لإظهار حزب الله بانه السبب فيما آل اليه لبنان في وضعه الاقتصادي المتدهور.

في خضم هذا الوضع يجد حزب الله نفسه في حصار مثلث الأضلاع يستهدف تحجيمه واضعافه وحتى إخراجه من المعادلة السياسية اللبنانية ، وهو هدف بعيد المنال ولا يمكن تحقيقه. وهذه الحقيقة معروفة لدى الجميع، خاصة وان الحزب يمتلك إمكانيات عسكرية لا يستهان بها لبنانيا وإقليميا.

كل ذلك يجري مع الموقف الإقليمي والدولي المعادي لإيران ، والمستمر في الضغط بشتى الطرق الدعائية والسياسية والعسكرية معا. فوجود حاملات الطائرات لا تستهدف حماية إسرائيل التي اتضح بانها بحاجة الى حماية أمريكية وأوروبية مباشرة عسكريا، وانما لإشعال المنطقة حيث اجازت أمريكا لإسرائيل إبادة الفلسطينيين لتوسيع إسرائيل وضم قطاع غزة اليها، فضلا عن شق قناة بن غوريون بديلا عن قناة السويس ومرور البديل عن طريق الحرير الذي تم حرمان العراق منه وانما تستهدف أيضا حرمان منطقة الشرق الأوسط من العودة الى النفوذ الروسي كما كانت عليه في النصف الثاني من القرن العشرين. تبدو الحرب بشكل صريح حربا أميركية بقدر ماهي حرب إسرائيلية بحيث التحمت مصالح الدولتين التحاما دفع الولايات المتحدة  لاستخدام اساطيلها البحرية للخروج من ازمتها أولا والتغطية على فشلها في أوكرانيا وحيرتها امام الصين في مضائق تايوان ولذلك تعمل بجدية لتهديد منطقة الشرق الأوسط التي يكاد زمامها ان يفلت من يديها ، خاصة بعد ورطة الدول المطبعة مع إسرائيل والتي صنعها يوم السابع من تشرين الأول في الهجوم -الصدمة من غزة. والذي من شأنه ان يوقف التفكير بعملية التطبيع الى أجل غير مسمى.

يلوح واضحا الاستعداد للحرب الشاملة التي واجه التهديد بها والاستعداد الأمريكي لها الشرق الأوسط ، واولها لبنان التي تعاني من المساحة الضيقة عسكريا التي سمحت بها قواعد الاشتباك بعد حرب ٢٠٠٦ والتي لا تتجاوز خمسة كيلومترات مع تحديد نوع الأسلحة استنادا الى القرار الدولي ١٧٠١ لعام ٢٠٠٦ وما بعد ذلك اعتبر خطوطا حمراء تعرضت للعبور المحدود في القصف المتبادل بعد طوفان الأقصى وفق نظرية الدم بالدم والمدني مقابل المدني.

يعير حزب الله اهتماما بردود الفعل الدولية واللبنانية المحكوم بتأثيرهما ، عكس إسرائيل التي تحتقر ردود الفعل وتتحداها عن قصد وإصرار لتلغي مفعولها، فقامت بقصف المستشفيات والمنازل وقوافل الجرحى ( الذين يفترض انهم خرجوا من ساحة الحرب حتى لو كانوا جنودا) وفق معايير إنسانية قديمة. فالإجهاز على الجريح خسة ونذالة بالمفاهيم الأخلاقية قبل العسكرية. ورغم ان ٦٦٪ من الرأي العام الأمريكي والاوروبي والعالمي ينادون بوقف الحرب على غزة ، أي اغلبية تقترب من الثلثين وفق المعايير الديمقراطية للأغلبية الا ان أمريكا وإسرائيل تحتقران الرأي العام العالمي وتواصلان مسح وابادة الفلسطينيين في  ظل فرض نظام مخيف من قمع حرية الرأي والتعبير وإلغاء حقوق الانسان وخرق القوانين والدساتير التي دفعت أوروبا ثمنا تاريخيا باهضا لإقرارها وتطبيقها ، وبروز التمييز العنصري والديني والثقافي بشكل يفصح عن عودة الى عهد ما قبل الحداثة والليبرالية السياسية. أي ما قبل الديمقراطية الحديثة.

من المرجح ان ايران وحزب الله يريان في بروز حماس كقوة إقليمية ، بعد بروزها كقوة فلسطينية ، تلبية لطموحات وآمال جديدة تبدو كافية ، عسكريا، لتكون بمضاهاة حزب الله في لبنان. اما الولايات المتحدة فإنها تنافق من اجل عدم خسارة الانتخابات في العام القادم. فمن الواضح ان كل زيارة لوزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل تحمل معها تصريحا منافقا مثل طلبنا من إسرائيل توخي الدقة في القصف من اجل المدينيين بينما تصعد إسرائيل في نفس الوقت قصفها الوحشي للمنازل والمستشفيات وسيارات الاسعاف والأطفال والنساء .

العالم يتغير نحو الأسوأ والأكثر انحطاطا  ، ومن لا يدرك ذلك فهو نائم او مخدر أيديولوجيا وعاطفيا.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن