كتب : د. راجي نصير
لا شك ان الشهادة هي أرقي المراتب التي يمكن ان يصل اليها الانسان.. لكن ثمة اسئلة تراود الكثيرين.. الى متى نبقى مشاريع "شهادة"؟ ولماذا نبقى ننزف الدماء من اجل الاخرين؟، وما الذي جناه ذوي الشهداء من تضحيات ذويهم واحبابهم؟
حين دخل صدام حربه ضد ايران ١٩٨٠-١٩٨٨، كان من بين شعاراته انه يقاتل نيابة عن الامة العربية، ودفاعا عن " البوابة الشرقية"، وكان يطالب ب" تحرير الجزر الاماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى"، وبقينا ثمان سنوات ننزف شبابا من اجل البوابة الشرقية والجزر الإماراتية، وتبين فيما بعد ان الجزر باعتها الامارات الى شاه ايران، وان الدخول اليها متاح للمواطنين الاماراتيين والايرانيين بهوية الاحوال المدنية، وان الامارات واحدة من اكبر الاسواق التجارية للبضائع والتجار الإيرانيين، طوال سنوات الحرب العراقية - الايرانية!!.. وان " البوابة الغربية" مفتوحة لاسرائييل، فهم " الاخوة " ونحن الغرباء!
وبعد غزوه للكويت وقفت " الامة العربية" ضد صدام، فغير شعاره ليقول انه يقاتل نيابة عن " الجمع المؤمن" ضد " قارون الكويت"، وسمى نفسه " عبد الله المؤمن"، وكان علينا ان نموت مقطعين اشلاءً في صحراء حفر الباطن، وعلى اكتاف الطريق الدولي السريع، نيابة عن الجمع المؤمن هذه المرة!!، رغم ان أحدا من الاخوة المؤمنين – ان وجدوا – قد كلفنا بهذه المهمة التطوعية!، واثناء مفاوضاته مع أمريكا بعد الغزو، قالها طارق عزيز وزير خارجية صدام صريحة وواضحة لوزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، وفي محاضر موثقة ومنشورة " هل هذا جزاءنا منكم.. ونحن قاتلنا ثمان سنوات دفاعا عن مصالحكم الاستراتيجية في المنطقة؟!، وبعد ان يأس من العفو الأمريكي عنه، التفت صدام الى إيران برسائل موثقة ومنشورة أيضا، لرئيسها رفسنجاني يقول فيها ان بعض دول الخليج دفعته للحرب مع إيران! وقالت له انها ستقتسم رغيف الخبز معه!، وعادت نفس الدول لترغم ضحايا صدام على ثمن مغامراته الغبية من قوتهم عدا ونقدا! غير ابهة ولا شاكرة لضحايا " القادسية الثانية" و" البوابة الشرقية للامة العربية"!
ثم فرض علينا ان نموت جوعا في حصار قاتل، ناكل فيه نوى التمر والزجاج والتراب، في أكياس بيضاء يقال انها أكياس طحين، ونلبس الملابس الممزقة، فيما طعام النفط مقابل الغذاء كان يذهب الى الفلسطينيين، لان صدام كان يعيش هوس " البطل القومي" الذي عاد اليه ثانية بعد ان نزع لباس قائد الجمع المؤمن!
وبعد اسقاط صدام عام 2003، كان علينا ان نموت بالمفخخات والمفخخين، نيابة عن " العالم الحر"!، لان أمريكا تريد ان تبني في العراق، " نموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد"!
وبعد احتلال داعش لثلث أراضي العراق عام 2014، خرج علينا السياسيون بمقولة اننا " نقاتل الإرهاب نيابة عن العالم والإنسانية"، رغم ان داعش كانت مؤامرة دولية وإقليمية بامتياز، وان أحدا في العالم لم يطلب من ان نقاتل الإرهاب نيابة عنه!
ومازلنا مشاريع موت مؤجل، ونرفع باستمرار شعار " نموت ويحيا الوطن".. فمتى نرفع شعار " نعيش ويحيا الوطن"؟