بقلم د. علي اليعقوبي
يُشير الفلاسفة الى ان هناك قيماً جوهرية في الطبيعة البشرية يتمتع فيها جميع الناس بحقوق متأصلة لا تُمنح عن طريق التشريعات القانونية الوضعية و انما تستمد اصالتها من الله -عز وجل- او الطبيعة او من العقل كلُ حسبَ معتقده الفكري.
تجلت هذه الفكرة بشكل واضح في الفيلم السينمائي الجميل (نداء البــــــرية) المُستوحى من رواية الكاتب الامريكي جاك لندن و الذي أبدع في اخراجه المخرج الامريكي مايكل ساندر. ترتكز فكرة الفيلم حول كلب منزلي أليف يربيه احد قُضاة المدينة و لكونه كلب القاضي سيكون مٌدللا بشكل استثنائي ، لكن مالم يكن في الحُسبان ان يتم سرقة هذا الكلب من قبل مجموعة تبيعه للمُنقبين عن الذهب في ولاية اللاسكا ذات الطبيعة الثلجية و الباحثين عن كلاب قويه لجر عرباتهم وتحمل الظروف المناخية الصعبة. و هنا تتغير حياة هذا الكلب المُدلل ليتم تطويعه لحياة جديدة مختلفة تماما عن سابقتها. ما يهمنا من دروس هذا الفيلم فكرة اساسية ترتكز الى تطويع المخلوقات لمنطق العُنف و القهر و هو الذي استسلم له (الكلب) عندما تم التلويح له بالعصا فأضطر خائفاً الى الخنوع لمالكه الجديد الذي بات منتشياً بهذا النصر. و لكن يُحالف الحظ الكلب مرة اخرى ليحظى بمالك جديد يكون هذه المرة عجوزا حكيما يُعيده لحياة الفطرة التي تأبى الظلم و القهر ، فيدخله بمشهد دراماتيكي الى الغابة ليلتقي بابناء جنسه و يتذوق طعم الحرية التي لم يعرفها سابقاً لا في دلاله عند القاضي و لا في عبوديته لمالكه السابق الذي كان يضطهده بعصاه. و هنا يصف هذا العجوز الحكيم حياة كلبه الجديدة بقوله (اي قيود تؤطرك بعدما ذقت طعم الحرية). و حينما يعود المالك السابق لُيُحاول قهر الكلب مرة اخرى ملوحا له بالعصا التي يرى فيها منطقا لا يُهزم ينتفض الكلب لحريته رافضا الخنوع و يقتل هذا المالك في مشهد مثير للدهشة ، ليُلبي (نداء البرية) و يعيش بحرية في الغابة مع ابناء جنسه.
لقد مرت البشرية بأدوار متكررة من الظُلم و الاضطهاد مارستها الانظمة الدكتاتورية ضد الشعوب في تحد للفطرة الانسانية و لحقوقها المتأصلة في الحياة الكريمة ولكن الثابت ان النهاية لن تكون ابداً في صف هذه الانظمة و ان الشعوب ستنتفض حتما لكرامتها. و قد يحاول البعض عبثاً ان تعود عقارب الساعة الى الوراء متعللين بإخفاقات تتعثر بها التجارب الناشئة و بأمثلة شاذة كالفوز القائم على تزوير الحقائق الذي حظي به ابن دكتاتور الفلبين السابق في الانتخابات الاخيره عام 2022 لتعود عائلة ماركوس للسلطة بعد 36 عاما من الثورة الشعبية على فسادها و ازاحتها. ارتكز تزوير الحقائق في هذه الانتخابات على تصوير عهد الدكتاتور الاب للشباب الناشئ على انه عهد سلام و ازدهار مستغلين الاف مواقع التواصل الاجتماعي في حملة غير منصفة تناست الاف المعارضين الذين تعرضوا للقتل و التعذيب.
لذا بات من الضروري بل و الحتمي حماية (نداء فطرتنا) ببناء ذاكرة حقيقية لشبابنا واجيالنا الناشئة تُعرفهم بويلات الدكتاتورية و تمنحهم حصانة فكرية امام سيل المواقع الكاذبة و تستنهض فيهم القيم الطبيعية و الفطرية الرافضة للقهر و العبودية.