محمد عبد الجبار الشبوط
اظهرت عملية ٧ اكتوبر البطولية الشجاعة ان مصطلح "نكبة" ليس حكرا على العرب الذين اخترعوه بعد هزيمة عام ١٩٤٨، ومثله مصطلح "النكسة" الذي اخترعه المرحوم جمال عبد الناصر بعد هزيمة عام ١٩٦٧. فما حدث في ٧ اكتوبر هو في حقيقة الامر نكبة ونكسة امنية وعسكرية بالنسبة لاسرائيل. واظهر ببساطة ان إسرائيل لن تكون بامان ما دامت تحتل فلسطين، واعني بفلسطين ما كانت تعنيه طوال ١٤ قرنا، اي تلك الارض الواقعة ما بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط، وهو تعريف تعترف به حتى غولدا مائير. اتضح جليا انه بالامكان اختراق جدار الامن الاسرائيلي، وهذه هي النكبة والنكسة الاسرائيليتان. قالها توماس فريدمان، الصحفي والكاتب الاميركي اليهودي: "إسرائيل في خطر"، وهذا يفسر جانبا من الهجمية والقسوة في رد نتنياهو اليميني المتطرف، كما يفسر الدعم اللامحدود الذي قدمته لاسرائيل الطبقة الرأسمالية الحاكمة في بعض الدول الغربية.
الان الخيارات محدودة امام الرأسمالية الغربية وحليفتها التقليدية الصهيونية. هذه هي الخيارات المتوفرة:
اما استمرار الاحتلال الصهيوني للارض الفلسطينية سواء المباشر او غير المباشر. وهذا يعني استمرار الصراع والحرب ووجع الرأس بالنسبة لاسرائيل بوصفها الموقع المتقدم للرأسمالية الغربية.
او انهاء الاحتلال. وهذا هو الخيار الذي قدمه حكيم العراق الامام علي السيستاني اذا قال تعقيبا على احداث غزة الاخيرة: "إنّ إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم - المستمرة منذ سبعة عقود - بنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة، ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة". (١١ تشرين الاول ٢٠٢٣)
ماذا بعد انهاء الاحتلال؟ لم يفصل السيد. لكن بامكاننا ان نقدم بعض الاجوبة.
مقترح الدولتين لا ينهي الاحتلال. لان إسرائيل حتى بحدود عام ١٩٤٧ الاصلية حسب قرار التقسيم للامم المتحدة، هي دولة محتلة، ناهيك عن الاراضي الاخرى التي قضمتها في الحروب اللاحقة.
مقترح الدولة الواحدة هو وحده الذي ينهي الاحتلال. الدولة الاسرائيلية نظام عنصري مثل دولة روديسيا السابقة وهي دولة لم يعترف بها العالم اقيمت في جنوب افريقيا في الفترة من عام ١٩٦٥ الى عام ١٩٧٩ وكانت تعرف باسم روديسيا. ثم قرر المجتمع الدولي تفكيكها واقامة دولة علمانية على انقاضها باسم زيمبابوي. مقترح الدولة الواحدة في فلسطين يقضي بتفكيك الدولة العنصرية واقامة دولة علمانية فيدرالية ديمقراطية عصرية تعددية تضمن حقوق الانسان و توفر الاساس الدستوري والسياسي والقانوني لان يتعايش المسلمون واليهود والمسيحيون بسلام في ظل دولة واحدة. لا يقضي هذا الحل بطرد اليهود ورميهم في البحر وبخاصة اولئك الذين ولدوا بعد عام ١٩٤٨.
يقول البعض ان هذا الحل حالم ولا يمكن ان يتحقق. حسنا! دعكم منه. ولكن ما هو البديل؟ استمرار الاحتلال.اي استمرار"مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة". وبين هذا وذاك يبقى الحل الحالم اهون من استمرار نزيف الدم. غاية ما في الامر يجب التمسك بهذا الحل حتى يتحقق. شهدت هذه المنطقة قيام دويلات مسيحية اوروبية مغلقة اثناء الحروب الصليبية التي شنها المسيحيون الاوروبيون من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 - 1291). و تضمنت هذه الدول الأربع كونتية الرها (1098-1150) وإمارة أنطاكية (1098-1287) وكونتية طرابلس (1102-1289) ومملكة بيت المقدس (1099–1291). غطت مملكة بيت المقدس ما يُعرف الآن بإسرائيل وفلسطين والضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق المجاورة. وغطت الولايات الشمالية الأخرى ما يعرف الآن بسوريا وجنوب شرق تركيا ولبنان. لكن تم في نهاية المطاف تفكيك هذه الدويلات العنصرية الدينية المغلقة. تواجه منطقة الشرق الاوسط حاليا نفس المشكلة وهي قيام كيان عنصري ديني مغلق. وهذا لا يمكن ان يستمر. والسياق التاريخي يقضي بتفكيك هذا الكيان واقامة الدولة العلمانية الديمقراطية التعددية على انقاضه. هذا هو الحل الذي يبدو حلما. لكن هذا الحلم سبق ان تحقق مرات عديدة في التاريخ. والقبول بالحلم افضل من استمرار الحروب!