15 Nov
15Nov


محمد عبد الجبار الشبوط

منذ عام ٢٠١٤ والحياة السياسية العراقية تتعرض الى الهزات، هزةً اثر هزة: احتلال داعش لمدن عراقية، وصول الكاظمي الى رئاسة الحكومة، واخيرا وليس اخرا: الاطاحة برئيس السلطة التشريعية (رابع اربعة) محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية على خلفية جريمة "مخلة بالقيم"، ولم استخدم التعبير القانوني "مخلة بالشرف" حتى لا ادخل في نقاش عقيم حول الفعل الذي ارتكبه الحلبوسي وهو التزوير. والتزوير في عرف الدولة العراقية جريمة كبيرة عقوبتها "العزل" من الوظيفة العامة. والفرق بين "العزل" و "الفصل" ان الاول يسري على كل دوائر الدولة، فيما الثاني يتعلق بدائرة الموظف المفصول فقط. 

 الفصل عقوبة موقتة استنادا الى  حكم المادة (8/سابعا/ب) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة  1991 .

اما العزل فيكون بتنحية الموظف عن الوظيفة نهائيا ولا تجوز اعادة توظيفه في دوائر الدولة  وذلك حسب  (المادة(8/ثامنا)من القانون المذكور.

علما ان التزوير من الجرائم المخلة بالشرف استنادا" للمادة (21/أ/6) من قانون العقوبات وبالتالي فهي غير مشمولة بالفصل ومن ثم يتعين الذهاب الى العزل استناداً الى حكم المادة (8/ثامنا") من القانون المذكور لكون الموظف ارتكب فعلا" خطيرا" يجعل بقاءه بالوظيفة مضرا" بالمصلحة العامة.

وعليه فان انهاء عضوية الحلبوسي في مجلس النواب وبالتالي انهاء رئاسته للبرلمان بمثابة انقلاب سياسي كبير على خلفية جريمة مخلة بالقيم وبالشرف معا لا يتصور ان يقدم عليها احد اربعة من موظفي الدولة الكبار. نحن "نعزل" الموظف الصغير عن وظيفته، وهذا طرد ابدي، اذا ارتكب فعل التزوير لاحدى وثائقه الرسمية. ولا يمكن ان تقوم لهذا الموظف قائمة في كل دوائر الدولة. فما بالك اذا ارتكب هذا الفعل رئيس السلطة التشريعية للدولة المسؤولة عن تشريع القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية الاتحادية، والهيئات المستقلة، والمحافظات؟! علاقة الموظف بالدولة تقوم على اساس ومن خلال اوراق تسمى "الوثائق الرسمية". ومنه نستنتج انه اذا كانت الاوراق صادقة فان العلاقة ستكون صادقة، واما اذا كانت الاوراق مزورة فان العلاقة ستقوم على اساس الكذب والخداع وهو فعل لا ينتظر حصوله من قبل رابع اربعة من موظفي الدولة الكبار و هم: رئيس السلطة التشريعية، رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، رئيس المحكمة الاتحادية.

جرائم اي واحد من الاربعة توجه الضربة القاضية لثقة الشعب بالدولة، وهي دليل على انهيار منظومة القيم العليا الحاكمة على الدولة (بما فيها عامة الشعب والجهاز الوظيفي للدولة). ومنظومة القيم العليا هي القاعدة التي قد لا تكون مرئية او مكتوبة للدستور والقوانين وتصرفات الدولة والافراد. وانهيار منظومة القيم معناه انهيار التسويغ الاخلاقي للدولة. وهذا ما يذكرني بقول الشاعر احمد شوقي: انما الامم الاخلاق ما بقيت، فان همُ ذهبت اخلاقهم ذهبوا. لا تبقى الدولة بذهاب منظومة القيم، بل تنهار وتسقط ويستبدل بها الله دولة اخرى ذات قيم واخلاق. 

ان انهيار منظومة القيم العليا للدولة والمجتمع هو اكبر خطر تتعرض له الدولة، وهو القاعدة الاساسية لكل المفاسد الاخرى بما فيها الفساد السياسي والفساد المالي، وهو الامر الذي عمل عليه النظام البعثي منذ اللحظات الاولى لاستيلائه على السلطة في عام ١٩٦٨ حتى سقوطه في عام ٢٠٠٣، وهو ما تعاني منه الدولة العراقية منذ قيام نظام المحاصصة في ذلك العام والى اليوم. 

لا يتحقق الاصلاح الحقيقي ولا تستعاد الثقة بين الشعب والنظام السياسي ما لم يتم اعادة بناء وترميم منظومة القيم العليا في المجتمع والدولة حتى يصبح العمل بموجب القوانين العادلة التزاما اخلاقيا قبل ان يكون خوفا من العقوبة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن