حدوث الظواهر الطبيعية، سواء المشروطة بالعقاب، أو غير المشروطة، هو نوع من الحوار والجدل بين الإنسان والطبيعة التي تسيِّرها إرادة الله، أو نوع من لفت النظر للبشر ودفعهم باتجاه معين، ربما فيه خير لهم؛ فرب ضارة نافعة (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)). وهذا ليس خطاباً غيبياً وحسب، بل هو ثابت إنساني أيضاً، جربته البشرية وتأكدت من صدقيته عملياً على طول التاريخ.
والأصل أن الزلازل والخسف والبراكين والخسوف والكسوف والفيضانات والأعاصير وغيرها، هي ظواهر كونية طبيعية تحدث وفق القوانين الكونية الصارمة الجامدة التي وضعها الله (تعالى)، لكي تسير كل جزئيات الكون في إطارها، دون أي تخلف وعصيان وتمرد، ومثالها البسيط: ((لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)).
ولم يثبت عقدياً أن وقوع الظواهر الكونية الطبيعية مشروط بالعقاب، إلّا إذا كان هناك نص صريح على بعضها كونها عقاباً إلهياً، كما حدّثنا القرآن بأنها جاءت عقاباً لأقوام فسدوا واستخفوا بالأنبياء وعصوا أوامر الله، أو وجود عقوبات معينة أخرى غير منصوص عليها، تقع بواسطة هذه الظواهر، دون ان نعيها، ولكن يبقى أن العقاب بواسطة هذه الظواهر ليس قانوناً عاماً، بل قانون خاص بحوادث معينة.
أما الظواهر غير المنصوص عليها؛ فمسكوت عنها، ومنها التي وقعت بعد عصر النبوات، وانتهاء عصر المعاجز، إذ لايشترط فيها العقاب. وبكلمة أخرى؛ لايوجد نص صريح يعمم جزاء العقاب الإلهي بواسطة الظواهر الكونية الطبيعية، عدا الحوادث الخاصة المنصوص عليها، أو ما لانعيه من غيرها. أما الروايات الواردة في هذا المجال؛ فينبغي مراجعتها، والتعرف على ظروفها قبل أسانيدها ودلالاتها.
والظواهر الكونية الطبيعية لا تشبه ــ غالباً ــ السنن الإلهية التاريخية المشروطة، أي المعادلات الاجتماعية التي إذا توافرت شروطها، أدت الى نتائج معينة ((ولو أن أهل القرى آمنو واتقوا.. لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض))؛ ففتح البركات مشروط هنا بإيمان الجماعة وتقواها، ولكن لايمكن إسقاط هذا الشرط على الظواهر الطبيعة الكونية؛ فإذا فسد الناس ــ مثلاً ــ زلزل الله بهم أو خسف الأرض؛ فالموضوعان مختلفان، لأن الأول يرتبط بقوانين كونية، جعلها الله جامدة صارمة، ولايمكن للإنسان الإخلال بها أو أن يتسبب في تغيير معادلاتها، إلّا في حالات نادرة، كإحداث خلل في التوازن البيئي وزيادة التلوث ـــ مثلاً ــ ، والثاني يرتبط بقوانين اجتماعية مرنة ترتبط بفعل الإنسان، وتنتج ظاهرة إنسانية أيضاً، ولاتؤدي الى وقوع ظاهرة طبيعية كونية، أي أنها جزاء دنيوي طبيعي لأعمال الإنسان، وهو ما تنبه اليه علماء الاجتماع وفلاسفة التاريخ في حديثهم عن صعود الحضارات والمدنيات أو انحدارها وموتها، أمثال ابن خلدون وتوينبي وشبنغلر، كما تحدث عنها القرآن بدقة قبلهم بمئات السنين.