28 Oct
28Oct


كتب : جعفر الحسيني 

1 . مرت الحروب العربية الاسرائيلية  بمرحلتين ، الاولى : الحروب التقليدية ، وفيها كانت إسرائيل هي المنتصر . الثانية : حين اتخذت حركات المقاومة  اسلوب حرب العصابات بعد الثمانينات ، وفيها انهزمت إسرائيل ثلاث مرات ، الاولى حين انسحبت من جنوب لبنان دون قيد أو شرط لأول مرة في تاريخها ، والثانية حين حاربت حزب الله عام 2006 وأوقفت الحرب بعد أن فشلت في تحقيق أي أختراق حقيقي ، والثالثة يوم 7 تشرين أول أكتوبر وهي موضوع مقالتنا هذه . فللنصر ثلاثة وجوه : تدمير الخصم أو أستسلامه أو أجباره على الانسحاب ( كسر ارادة الخصم ) ( وحرب فيتنام أفضل مثال على الوجه الاخير حيث انهزمت أمريكا).

2 . التاريخ لم يبدأ يوم 7 اكتوبر ، وماحدث لايحتاج لتفسير أو تبرير . يقول الصحفي الاسرائيلي جدعون ليفي - في "هآرتس" 11 أكتوبر  : إن وراء كل ما حصل، الغطرسة الإسرائيلية. مضيفا: فَكرنا أنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع ثمناً ولن نُعاقب على ذلك أبدا. نستمر دون عائق . نعتقل، نقتل، ننكل ، نسلب ... نطلق النار على الأبرياء، نقتلع الاعين ونهشّم الوجوه، نطرد ، نهجر ، نصادر ، نسرق، نخطف أشخاصا وهم نيام من أسرّتهم، ونقوم بتطهير عرقي، أيضا نواصل الحصار غير المعقول على غزة .

3 . يوم 7 تشرين الاول أكتوبر سقطت كل ركائز الامن القومي الاسرائيلي : الجيش الذي لا يقهر ،الموساد ثالث مخابرات بالعالم ،أقمار إسرائيل الصناعية ، القبة الحديدية ،شبكات الجواسيس المنتشرة في الضفة الغربية وغزة ، التقدم العلمي ،

المستوطنات المسلحة جيدًا ، السور التقني المحيط بغزة ، إلاسلحة النووية .

لتسطع حقيقة أو بديهية : لا أمن ولا سلام بالاحتلال أو مع الاحتلال !!!!

4 . ان إسرائيل الان أمام مأزق حقيقي ، وهي مطالبة برد سريع ، فعليها أن تحتل غزة والا فان أركان هزيمتها تكون قد أكتملت . يقول الجنرال الاسرائيلي الاحتياط عاموس ملكا : ( الاجتياح مهلكة والغاؤه هزيمة . ويضيف : جلسنا سنوات طويلة داخل القطاع ، ولا نزال جالسين أيضًا في الضفة الغربية ، ورغم ذلك لم نهزم الفلسطيني لحد اختفائه ) .  ان احتلال غزة وسحق حماس مهمة صعبة  ، وفي عام 2014 ولخمسين يوما حاولت إسرائيل أن تجتاح غزة ولكنها فشلت ، فكيف وغزة 2023 أكثر استحكاماً من غزة قبل عشر سنوات ! مع الاشارة ان مساحة قطاع غزة 360 كم2 وطولها 41 كم وعرضها 6 - 12 كم .

5 . في كل معارك التحرير والاستقلال ، تكون خسائر الشعوب باهضة وباهضة جداً ، بسبب اختلال ميزان القوى الشديد ، فالشعب الفيتنامي قدم ثلاثة ملايين ضحية مقابل 60 ألف جندي أمريكي ، والجزائر قدمت أكثر من مليون في مقابل 23652 فرنسيا . لكن في الحالتين  انهزم الاحتلال وانتصرت الشعوب.

6 . ان اتهام الكفاح الفلسطيني بانه عميل مرة لعبد الناصر ومرة للاتحاد السوفيتي وأخرى لايران ، وهو أمر حصل ما يشابهه مع كل حركات المقاومة في العالم ، لايغير من جوهر القضية وهي ان الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم  الذي تصنفه الامم المتحدة اليوم بأنه تحت الاحتلال . و حتى لو خسرت غزة هذه المعركة ، فان القضية الفلسطينية جاءتها - يوم 7 تشرين - دماء جديدة وعوامل دفع تاريخية ، وهي كافية أن تجعلها حية حتى معركة قادمة . 

7 . لم يكن الغرب منحطاً وعنصريًا كهذه المرة . وليس ثمة غرابة في الامر ، فقد مُنحت أرقى جوائزه للسلام وأشهرها ( نوبل ) مرة لبيغن المطلوب للقضاء البريطاني بتهمة الارهاب وبطل مذبحة دير ياسين التي راح ضحيتها 360 فلسطينياً ، وأخرى لصاحب نظرية تكسير عظام الفلسطينيين رابين ، وأيضًا لابو القنبلة النووية الاسرائيلية بيريز !!!!! المفارقة البشعة الاخرى ، لم تحتج ولا دولة واحدة ولا الامم المتحدة 

على ( قانون يهودية دولة إسرائيل) العنصري - الصادر في 19 تموز 2018 - القائم على اغتصاب الارض والتهويد والاستيطان والتمييز بين المواطنين على اساس الدين . تصور لو صدر مثل هذا القانون في بلد آخر كالعراق مثلًا لقامت الدنيا ولم تقعد !!!!!

8 . لم تعد القضية الفلسطينية القضية المركزية للشعوب العربية المشغولة بقضاياها وهموم عيشها ، فقد تغيرت أولوياتها ، وزاد الطين بلة ثمة انقسام شديد بسبب دعم ايران لحماس وعلاقة الاخيرة بالاخوان المسلمين . الانكى من هذا ان بعض الانظمة العربية تقف على مسافة واحدة من إسرائيل وحماس ، والبعض الاخر أقرب لإسرائيل، وهذا يحدث  لاول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي علنًا وهو تطور خطير جدًا. عموما ان الرأي العام العربي - وكما قال هيكل ذات مرة - يعيش في غيبوبة .

9 . ثمة ثقب كبير في المشهد الفلسطيني ، وهو أخطر العوامل المؤثرة على الصراع في غزة ، وقد يتغير الامر مع  احتدام المعركة البرية .فالضفة الغربية نأت بنفسها عن الصراع ، أو بكلمات أدق لم تتحرك كما ينبغي . ربما بسبب  ما قامت به إسرائيل فيها من أعتقالات ومداهمات واغتيالات . وربما أيضا  بسبب هيمنة فتح - المتنافرة مع حماس - على الضفة ، ودعم ايران لحماس ، والتماهي مع الموقف العربي ، لكن الاكيد ان الضفة الغربية هي الاكثر معاناة من غزة ، فاسرائيل قضمت 42 ‎%‎ من مساحتها، وسيطرت على 87% من مواردها و90% من غاباتها و49% من طرقها ، فضلا عن نهب أراضي المواطنين وطردهم من مساكنهم فقد بنيت 49% من المستوطنات على أراض فلسطينية ذات ملكية خاصة. . ومنذ عام 1968 جمدت إسرائيل عمليات تسجيل الأراضي للفلسطينيين .

10 . للاسف ان العقل العربي يجمح عند النصر ويخبو عند الهزيمة ، والعرب الان بين موقفين متطرفين : الاول يرى إسرائيل كيانا واهنا ، والثاني : يرى من المستحيل مواجهتها . وهكذا هو الافراط والتفريط ، في غياب اللغة العلمية الرصينة . ان إسرائيل بلا شك قوة كبرى ، وهي تتقدم الى الامام بقوة ، واعتبارًا من عام 2012 أحتل اقتصادها المرتبة 16 بين 178 دولة .وهي عدو ذكي وشرس ومؤمن بقضيته  ، ومن ثم فان المعركة معه ليست سهلة ، لكن الانتصار عليه وهزيمته كقوة احتلال ممكنة .

11 . ان الكلام عن دخول ايران في الحرب يدخل في باب اللامعقول السياسي  - وانا هنا أصف الاشياء ولا أبررها - فالحرب لاتقع بين دولتين الا في حالة إختلال ميزان القوى . ومما يتصل بهذه النقطة فان ايران قدمت أقصى مايقدمه حليف لحليفه  : المال ، والسلاح ، والخبرة ، والتدريب ، والاستخبارات ، والتشويش الاليكتروني ( الحرب السبرانية ) ، والاعلام ، والدعم السياسي . وهنا لابد من الاشارة الى ان تكتيكات حرب العصابات هو أهم ما قدمته ايران لحلفائها .

12 . ان المعركة وبسبب الثقب الفلسطيني ، والتواطء الرسمي العربي ، والانحياز الدولي بل ومشاركة قوات امريكية في معركة غزة ، ستنتهي بنصف نصر وبنصف هزيمة ، لكن نصف نصر للجيش الاسرائيلي هزيمة ، ونصف هزيمة لحماس نصر . لذلك اما أن ينتهي الاحتلال أو على العالم أن ينتظر الاسوأ ولو بعد حين . ان من العار على إسرائيل ان تغطي  هزائمها بمهاجمة المدنيين الآمنين ، هكذا فعلت بقانا وببيروت وهكذا تفعل بغزة ، ولولا ذلك لكانت هزيمتها كاملة .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن