د. راجي نصير
مازال الرد الإيراني المتوقع على القصف الإسرائيلي لقنصلية طهران في دمشق في الأول من نيسان الجاري، يثير الكثير من التحليلات والتكهنات والسيناريوهات، بعد مرور قرابة أسبوعين على قصف القنصلية الإيرانية بطائرة الشبح الامريكية المتطورة اف 35، وسط تكتم إيراني، وقلق امريكي واسرائيلي، وترقب دولي واقليمي.
لا شك ان نتنياهو وحكومته الأمنية عندما اتخذوا قرار قصف القنصلية الإيرانية وسط دمشق، كانوا يعرفون جيدا ان المكان المستهدف يعتبر ارضا إيرانية بحسب القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية العالمية، ويعلمون ان إيران لن تسكت، ولن تستطيع المرور على الحادث مرور الكرام، وهنا نجد انفسنا امام عدة تفسيرات للقرار الإسرائيلي الذي نفذ مع سبق الإصرار والترصد، منها:
اما على الجانب الإيراني، فثمة أسئلة يطرحها الكثيرون: هل سترد إيران؟، متى ترد؟، أين ترد؟، وكيف ترد؟، الإجابة على هذه الأسئلة، او رسم سيناريوهات محتملة للرد الإيراني، يحتاج الى معرفة بالعقلية الإيرانية، وطبيعة التفكير السياسي والعسكري الإيراني. ولابد من الإشارة في هذا المجال الى بعض الحقائق: ان المدرسة الدبلوماسية الإيرانية معروفة تاريخيا بالنفس الطويل، والمناورة، وهي تنطوي على قدر عالي من الواقعية والبراغماتية السياسية، بعيدا عن الانفعال والشعاراتية. التفكير الإيراني في الاعم الاغلب تفكير استراتيجي طويل الأمد وبعيد النظر.
اتخاذ القرار عند الإيراني يتم بهدوء وبحسابات دقيقة، ومن جميع الجوانب، وهو يبقى يفاوض حتى الدقيقة الأخيرة. ان العقيدة الحربية للحرس الثوري الإيراني تعتبر القتل ربح وليس خسارة، لأنه شهادة في سبيل الله، وان تحقيق الأهداف يتطلب تضحيات بالتأكيد. ان إيران تعتبر نفسها في حرب شاملة ومستمرة مع أمريكا واسرائيل، عسكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا وإعلاميا ونفسيا، وبالتالي يمكن ان تستثمر التحديات في ميدان ما، لتحقيق انتصار في ميادين أخرى. ان إيران تخضع منذ قرابة 40 عاما لحصار وعقوبات اقتصادية شديدة اضرت كثيرا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد. وبناءً على ما تقدم يمكننا القول ان إيران لم تقرر الرد او تنفيذ الضربة بعد، او ربما ستنفذها على مراحل خاصة وهي تمتلك اكثر من خيار، او ربما هي تحاول إنهاك الكيان الصهيوني نفسيا، وتعميق جراجه النفسية في غزة بعد طوفان الأقصى، او انتظار تراخي الاستعدادات الإسرائيلية والأمريكية الشديدة المتخذة حاليا، وربما هي تعمل على ملفات موازية غير معلنة، اما الحديث عن انتظار اكمال الاستحضارات الايرانية او نقل معدات او ما شابه ذلك، فهو كلام غير مقنع لعدة أسباب، منها:
ويمكن وضع بعض السيناريوهات للرد الإيراني المحتمل: السيناريو الأول: ان يكون الرد بضربة عسكرية قوية تنفذ من داخل الأراضي الإيرانية، باعتبار ان الضربة الإسرائيلية استهدفت ارض تعتبر في القانون الدولي ارض إيرانية، وهو بالتأكيد سيكون بالصواريخ او المسيرات او كلاهما معا، لكنه سيصطدم ببعد المسافة التي قد تسمح لإسرائيل وامريكا باكتشاف الأهداف ومن ثم التصدي لها، اضف الى ذلك ان الصواريخ والمسيرات ستمر بالتأكيد في أجواء دول عربية، وهذا قد يضيف إمكانية رصد إضافية باعتبار ان اغلب الدول العربية والخليجية المحتملة هي حليفة للولايات المتحدة، وتضم قواعد أمريكية بإمكانيات تقنية وتجسسية متطورة، الا اذا استخدمت ايران أجيال متطورة وغير معروفة مسبقا، وهو امر غير مستبعد في ضوء تجربة حزب الله العسكرية بعد طوفان الأقصى.
السيناريو الثاني: ان يكون الرد الإيراني من محاور للمقاومة قريبة من إسرائيل، مثل لبنان وسوريا والعراق، او اليمن عبر البحر، والرسالة في هذه الحالة ستكون اقل اثرا مما لو تمت الضربة من الأراضي الإيرانية، لكنه مثل هذا الرد سيبقي الصراع تحت السيطرة وضمن قواعد الاشتباك الموجودة حاليا، ويمنع تطوره الى حرب شاملة. السيناريو الثالث: ان الرد الإيراني سيكون على مراحل، وبأسلوب حرب الاستنزاف طويلة النفس، وفي أكثر من مجال، وما يرجح هذا الاحتمال عملية احتجاز السفينة التي تحمل العلم البرتغالي في مضيق هرمز، اليوم السبت 13 نيسان الجاري، والتي قالت إيران انها إسرائيلية الملكية. السيناريو الرابع:
توجيه ضربات بالصواريخ والمسيرات للقواعد الامريكية في سوريا والعراق، وسفنها في البحر الأحمر، لكن هذا الرد سيحقق رغبة نتنياهو بتوريط إيران وامريكا في مواجهة عسكرية مباشرة. السيناريو الخامس: التفاوض على ملفات حيوية مثل إيقاف الحرب في غزة، والذي سيكون في حال تحققه هزيمة قوية عسكريا وسياسيا لإسرائيل، ولرئيس وزراءها، وأجهزتها الاستخبارية المضخمة إعلاميا، والتي فشلت في كشف سيناريو 7 أكتوبر 2023، وفشلت حتى الان في الوصول الى مكان وجود الاسرى في قطاع صغير المساحة مثل غزة تم تدميره بشكل شبه كامل. وربما يتم التفاوض على رفع العقوبات الاقتصادية، والذي سيكون مكسبا إيرانيا كبيرا في حال تحققه.
ان سيناريو الرد المفتوح والمتعدد قد يكون الأفضل والاقرب في ضوء الواقع الجيوسياسي الإيراني، كما ان خيار التفاوض تحت التهديد سيكون مؤلما لإسرائيل، التي تحاول التمسك بأكذوبة الردع، رغم ان عملية طوفان الأقصى وما بعدها قد كشفت عورتها العسكرية والاستخبارية، وفشل قبتها (الحديدية) المزعومة، وهشاشة اقتصادها، لأنها ستحرم نتنياهو من جر المنطقة والعالم الى حرب مفتوحة تسمح له بالتنفس، وتجنب الضربات التي تلقاها، وإدخال ايران وامريكا في مواجهة مباشرة، كما هو هدف الضربة التي وجهت للقنصلية الإيرانية في دمشق.