13 Apr
13Apr

د. راجي نصير

مازال الرد الإيراني المتوقع على القصف الإسرائيلي لقنصلية طهران في دمشق في الأول من نيسان الجاري، يثير الكثير من التحليلات والتكهنات والسيناريوهات، بعد مرور قرابة أسبوعين على قصف القنصلية الإيرانية بطائرة الشبح الامريكية المتطورة اف 35، وسط تكتم إيراني، وقلق امريكي واسرائيلي، وترقب دولي واقليمي. 

لا شك ان نتنياهو وحكومته الأمنية عندما اتخذوا قرار قصف القنصلية الإيرانية وسط دمشق، كانوا يعرفون جيدا ان المكان المستهدف يعتبر ارضا إيرانية بحسب القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية العالمية، ويعلمون ان إيران لن تسكت، ولن تستطيع المرور على الحادث مرور الكرام، وهنا نجد انفسنا امام عدة تفسيرات للقرار الإسرائيلي الذي نفذ مع سبق الإصرار والترصد، منها: 

  • محاولة جر إيران الى مواجهة عسكرية قد تجعلها عرضة لضربة عسكرية من جانب أمريكا او حلف الناتو.


  • توريط الولايات المتحدة الامريكية في الحرب التي تحاول أمريكا جاهدة تجنب التورط بها بشكل مباشر والاكتفاء بدور الداعم العسكري والسياسي لإسرائيل، خشية تعرض مصالحها وقواتها في المنطقة للخطر، خاصة وان الكثير من قواعدها العسكرية في المنطقة هي في مرمى الصواريخ والمسيرات الإيرانية.


  • تدويل الحرب في غزة للخروج من عزلتها الدولية بعد تزايد الضغوط على تل ابيب بسبب الفظائع التي ارتكبتها بحق المدنيين، بل وحتى الصحفيين وفرق الإغاثة الدولية.


  • السعي لافتعال ازمة خارجية تغطي فيها على اجتياح رفح، وإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء المصرية.


  • محاولة الهروب من مستنقع غزة، بعد مرور ستة أشهر من حرب التدمير الشامل، فشلت خلالها إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، وفي مقدمتها تحرير الاسرى او القضاء على حركة حماس، فما زالت حماس تقاتل والأسرى في قبضتها، وهي تتفاوض بعناد لإطلاق سراح سجناء الشعب الفلسطيني مقابل إطلاق سراح الاسرى.


  • إطالة امد الحرب، وبالتالي استمرار بقاء نتنياهو في السلطة، لان كل المؤشرات تقول ان حكومته ستسقط بعد وقف الحرب مباشرة.


  • اشغال الراي العام الإسرائيلي، الذي يواصل التظاهر للمطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو، بأزمة خارجية لصرف انتباهه ولو بشكل مؤقت.


 اما على الجانب الإيراني، فثمة أسئلة يطرحها الكثيرون: هل سترد إيران؟، متى ترد؟، أين ترد؟، وكيف ترد؟، الإجابة على هذه الأسئلة، او رسم سيناريوهات محتملة للرد الإيراني، يحتاج الى معرفة بالعقلية الإيرانية، وطبيعة التفكير السياسي والعسكري الإيراني. ولابد من الإشارة في هذا المجال الى بعض الحقائق: ان المدرسة الدبلوماسية الإيرانية معروفة تاريخيا بالنفس الطويل، والمناورة، وهي تنطوي على قدر عالي من الواقعية والبراغماتية السياسية، بعيدا عن الانفعال والشعاراتية. التفكير الإيراني في الاعم الاغلب تفكير استراتيجي طويل الأمد وبعيد النظر. 

اتخاذ القرار عند الإيراني يتم بهدوء وبحسابات دقيقة، ومن جميع الجوانب، وهو يبقى يفاوض حتى الدقيقة الأخيرة. ان العقيدة الحربية للحرس الثوري الإيراني تعتبر القتل ربح وليس خسارة، لأنه شهادة في سبيل الله، وان تحقيق الأهداف يتطلب تضحيات بالتأكيد. ان إيران تعتبر نفسها في حرب شاملة ومستمرة مع أمريكا واسرائيل، عسكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا وإعلاميا ونفسيا، وبالتالي يمكن ان تستثمر التحديات في ميدان ما، لتحقيق انتصار في ميادين أخرى. ان إيران تخضع منذ قرابة 40 عاما لحصار وعقوبات اقتصادية شديدة اضرت كثيرا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد. وبناءً على ما تقدم يمكننا القول ان إيران لم تقرر الرد او تنفيذ الضربة بعد، او ربما ستنفذها على مراحل خاصة وهي تمتلك اكثر من خيار، او ربما هي تحاول إنهاك الكيان الصهيوني نفسيا، وتعميق جراجه النفسية في غزة بعد طوفان الأقصى، او انتظار تراخي الاستعدادات الإسرائيلية والأمريكية الشديدة المتخذة حاليا، وربما هي تعمل على ملفات موازية غير معلنة، اما الحديث عن انتظار اكمال الاستحضارات الايرانية او نقل معدات او ما شابه ذلك، فهو كلام غير مقنع لعدة أسباب، منها: 

  • ان إيران في حالة حرب شبه معلنة مع أمريكا وإسرائيل، وبالتأكيد لديها استعدادات وسيناريوهات مسبقة للرد.


  • ان الترسانة الإيرانية من الصواريخ والمسيرات أصبحت رقما عالميا صعبا، والمسيرات الإيرانية التي غيرت توازنات القوى في حرب أوكرانيا، تستطيع بالتأكيد الاستجابة لمتطلبات الامن القومي الإيراني.


  • ان الأرض الإيرانية واسعة المساحة ومتنوعة التضاريس، ما يسمح لطهران بهامش واسع في اختيار مكان تنفيذ الضربة ومن أكثر من اتجاه.


  • ان بعض الضربات الصاروخية التي شنتها إيران في سوريا والعراق سابقا، نفذت من مديات مقاربة للمسافة بين إيران وإسرائيل، والبعض قرأ فيها آنذاك رسائل لتل ابيب.


ويمكن وضع بعض السيناريوهات للرد الإيراني المحتمل: السيناريو الأول: ان يكون الرد بضربة عسكرية قوية تنفذ من داخل الأراضي الإيرانية، باعتبار ان الضربة الإسرائيلية استهدفت ارض تعتبر في القانون الدولي ارض إيرانية، وهو بالتأكيد سيكون بالصواريخ او المسيرات او كلاهما معا، لكنه سيصطدم ببعد المسافة التي قد تسمح لإسرائيل وامريكا باكتشاف الأهداف ومن ثم التصدي لها، اضف الى ذلك ان الصواريخ والمسيرات ستمر بالتأكيد في أجواء دول عربية، وهذا قد يضيف إمكانية رصد إضافية باعتبار ان اغلب الدول العربية والخليجية المحتملة هي حليفة للولايات المتحدة، وتضم قواعد أمريكية بإمكانيات تقنية وتجسسية متطورة، الا اذا استخدمت ايران أجيال متطورة وغير معروفة مسبقا، وهو امر غير مستبعد في ضوء تجربة حزب الله العسكرية بعد طوفان الأقصى. 

السيناريو الثاني: ان يكون الرد الإيراني من محاور للمقاومة قريبة من إسرائيل، مثل لبنان وسوريا والعراق، او اليمن عبر البحر، والرسالة في هذه الحالة ستكون اقل اثرا مما لو تمت الضربة من الأراضي الإيرانية، لكنه مثل هذا الرد سيبقي الصراع تحت السيطرة وضمن قواعد الاشتباك الموجودة حاليا، ويمنع تطوره الى حرب شاملة. السيناريو الثالث: ان الرد الإيراني سيكون على مراحل، وبأسلوب حرب الاستنزاف طويلة النفس، وفي أكثر من مجال، وما يرجح هذا الاحتمال عملية احتجاز السفينة التي تحمل العلم البرتغالي في مضيق هرمز، اليوم السبت 13 نيسان الجاري، والتي قالت إيران انها إسرائيلية الملكية. السيناريو الرابع:

 توجيه ضربات بالصواريخ والمسيرات للقواعد الامريكية في سوريا والعراق، وسفنها في البحر الأحمر، لكن هذا الرد سيحقق رغبة نتنياهو بتوريط إيران وامريكا في مواجهة عسكرية مباشرة. السيناريو الخامس: التفاوض على ملفات حيوية مثل إيقاف الحرب في غزة، والذي سيكون في حال تحققه هزيمة قوية عسكريا وسياسيا لإسرائيل، ولرئيس وزراءها، وأجهزتها الاستخبارية المضخمة إعلاميا، والتي فشلت في كشف سيناريو 7 أكتوبر 2023، وفشلت حتى الان في الوصول الى مكان وجود الاسرى في قطاع صغير المساحة مثل غزة تم تدميره بشكل شبه كامل. وربما يتم التفاوض على رفع العقوبات الاقتصادية، والذي سيكون مكسبا إيرانيا كبيرا في حال تحققه. 

ان سيناريو الرد المفتوح والمتعدد قد يكون الأفضل والاقرب في ضوء الواقع الجيوسياسي الإيراني، كما ان خيار التفاوض تحت التهديد سيكون مؤلما لإسرائيل، التي تحاول التمسك بأكذوبة الردع، رغم ان عملية طوفان الأقصى وما بعدها قد كشفت عورتها العسكرية والاستخبارية، وفشل قبتها (الحديدية) المزعومة، وهشاشة اقتصادها، لأنها ستحرم نتنياهو من جر المنطقة والعالم الى حرب مفتوحة تسمح له بالتنفس، وتجنب الضربات التي تلقاها، وإدخال ايران وامريكا في مواجهة مباشرة، كما هو هدف الضربة التي وجهت للقنصلية الإيرانية في دمشق.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن