كتب – عبد العليم البناء
يحفل المشهد الإبداعي الثقافي والفني العراقي في الخارج كما في الداخل، بالحضور الفاعل والحيوي والعمق والتأثير لعديد المبدعين العراقيين، وعلى مديات عدة برز مبدعون عراقيون كانوا في صدارة هذا المشهد بعطاءات متميزة كان لها الصدى الواضح، فضلاً عن حصدهم للعديد من الجوائز والمراكز المتقدمة فكانوا بذلك الند الإبداعي الرصين، الذي تلمسه الكثير من الفاعلين والنشطاء في مجالات الثقافة والفنون في البلدان الأوربية وقارات العالم المختلفة، وكان من ضمنهم المبدع الأصيل إستناد حداد الذي بدأت خطواته الواثقة من داخل بلده العراق ليحلق، بعد هجرته، في فضاءات الإبداع بأكثر من جناح إبداعي في أستراليا، وتحديداً مدينة (بيرث) حيث يقيم، والتي شهدت صولاته الإبداعية الرصينة في أكثر من مجال إبداعي.
فالمبدع إستناد حداد هو مخرج وكاتب، عمل في المجالات المتنوعة للمسرح والسينما والتلفزيون والباليه، كتب الشعر والنقد التشكيلي والسينمائي، وعمل في الصحافة العربية في العراق والأردن والإمارات العربية وتونس والمملكة العربية السعودية، وحصل على دبلوم في الفنون والإخراج السينمائي ، ثم هاجر إلى أستراليا في آب (أغسطس) 2005، ومنذ ذلك الحين درس الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وله تجارب مسرحية مميزة سبق أن عرضها وشارك بها في أكثر من مهرجان داخل وخارج أستراليا، وكان آخرها مسرحيته (محكمة الأرواح) التي شارك بها في مهرجان (مهرجان چيونگچي المسرحي الدولي)، الذي أقيم بين الثامن والثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 في كوريا الجنوبية، بعد سلسلة من المشاركات بعدد من العروض المسرحية في دوراته السابقة، وحاز عنها على أكثر من جائزة..
ومن أجل تسليط الضوء على هذا العرض المسرحي (محكمة الأرواح) الذي قدمه إستناد حداد في تحدي إبداعي مغاير وغير مألوف شكلاً ومضموناً، كما سنرى، عبر حوارنا معه عن هذه المسرحية، التي كانت من تأليفه وإخراجه، وتوقفنا فيه عند أكثر من محطة، وابتدأناه بسؤالنا الآتي:
* ما الفكرة التي تنطوي عليها المسرحية ؟ وهل هي ناطقة باللغة العربية أم الانكليزية أم غيرها؟
- إعتمدت النص الأوغاريتي الأثري من حضارات شمالي سوريا الموجود حالياً في متحف اللوفر بباريس، وفكرته أن الإنسان بعد الموت تذهب روحه لمحكمة الأرواح وفيها قاضي الأرواح يسأل الروح أسئلة حياتية وبعدها يعطية نتيجة المحاكمة، والطريف أن المحكمة لا علاقة لها بالدين بل بالأخلاق وماذا فعلت تلك الروح من خير أو شر في حياتها. وأعتقد أننا بحاجة لمثل هذا الخطاب في وقتنا الراهن لمواجهة عصر التفاهة الذي نحيا فيه الآن. بالنسبة إلى لغة المسرحية إخترت العربية مع ترجمتها بالإنكليزية، ومن عادتي أن تكون نصوصي بلغة البلد الذي يستضيف العمل، لكننا تأخرنا في تقديمها باللغة الكورية، في أستراليا أقدمها بنسختين، بالعربية إذا توفر الممثل العربي، أو بالإنكليزية إذا توفر ممثل أسترالي، وهكذا..
* إذا كان الأمر كذلك فكيف عالجتها دراميا؟ وما المعادل الصوري الذي اعتمدته في معالجتها؟
- النص في الأساس مكتوب بشكل محاورة بين إثنين وهذا سهل الأمر علي في إعدادها للمسرح، وبعدها عالجته بطريقتي التي أعتمدها دائماً، في أغلب أعمالي، مستفيداً من خلفيتي السينمائية والشعرية والتشكليلية، بمعنى أدخلت أقل ما يمكن من قطع الديكور مستنداً لفن (المينيمال) في اللوحة، وهو فن التبسيط والاختزال ووضع أقل مايمكن في فضاء المسرح معتمدا على كتلة الممثل، وهنا استعنت بفن النحت بمعنى أن يكون الممثل والفضاء هما الأساس في معالجة النص.
أحيانا يكملها قطعة ديكور صغيرة واحدة تؤدي لي جميع الأغراض ولها دلالات عدة، وفي الانارة أعتمد دائماً الأسود والأبيض والظلال مستنداً لفن التصوير والسينما بالأسود والأبيض. في هذه المسرحية قدمتها في الفضاء الخارجي وكانت الخلفية هي جدار مقوس منحوت في الطبيعة يرمز لذاكرة الجنود في الحرب أعتقد يقابله عندنا نصب الجندي المجهول.
هذا التقشف في الأدوات على مستوى التقنيات ينطبق على النص أيضاً، فالنص مكثف ومختزل لجعله مسرحية قصيرة جداً، وهذا أيضاً له مرجعية عندي من خلال عروضنا الطلابية والمسرح المدرسي، الذي يعتمد البساطة والإيجاز والاختصار، وأعتقد اننا في عصر يبحث عن الإيجاز والسرعة، وأيضاً من ملاحظتي الحياتية رأيت أن البيوت المعاصرة ترفض وضع المزيد من القطع الاستهلاكية ورميها ليتسع المكان، وهذا مهم بالنسبة للعين والرؤية البصرية عندما تزيح عنها هذه الملوثات البصرية، فإنك تتوجه مباشرة الى الجمال الذي يحيطك، هكذا عالجت جميع نصوصي المسرحية، وحتى في بيتي..
* وما الرسائل التي تريد إيصالها من خلال هذا العرض ؟ وعلى ماذا كنت تراهن في تقديمها؟
- هذا العرض يقدم رسائل عدة من خلال النص التاريخي الأوغاريتي، منها قدم للحياة الخير والجمال والإهتمام بمن يشترك معك على هذه الأرض، من بشر وحيوانات ونباتات، أنت جزء من الطبيعة التي لا يحق للبشر أن يدمرها ففي شرعهم أقصد الأوغاريت أنت تحاسب على قطف وردة أو حبس عصفور أو قتل حيوان، أما الصلاة والعبادة فهي من إختصاص الرب أي بينك وبين الخالق.
* وماذا عن خياراتك على صعيد الممثلين، والفنيين، والتقنيين، ومن الجهة التي دعمت ومولت هذا العرض؟
- نحن نعمل هنا بمبدأ الهواة لأننا فنانون مستقلون لا ننتمي لفرقة محترفة أو رسمية ولا تدعمنا أي جهة لا عراقية ولا أسترالية ، وقدمنا العمل بدون ذكر إسم أي دولة ولهذا جاء خيار الممثلين من المحترفين المتطوعين للعمل مجاناً وهم قلة، منهم الدكتورة المسرحية المعروفة والشاعرة فيفيان گلانص، والدكتورة بثينة من فرنسا وهي طبيبة، والممثلة التونسية الشاعرة حنين عباسي، ومن أستراليا عائشة، ونوال الكناني، وباسم صالح، وحسين المضري، ومن كندا مونيكا، وفي هذا العمل لايوجد تقنيين لقد إعتمدت على إضاءة الجو العام والمكان.
* وهل هو العرض الاول لك الذي يشارك في هذا المهرجان؟ وهل تنافس فيه مع عروض أجنبية أخرى؟ وهل سبق أن قدمتها في البلد الذي تقيم فيه أين؟ ومتى؟ وكيف؟
- تقريباً سنوياً أشترك في (مهرجان چيونگچي الدولي)، وهذه مشاركتي الرابعة، فالأولى كانت عام 2020، بمسرحية (مدن صامتة) تأليفي شعرياً وإخراجي وحصلت على شهادة وجائزة أحسن إخراج، والثانية عام 2021، بمسرحية (غيوم) تأليفي وإخراجي وحصلت المسرحية على خمس جوائز، ومسرحية (حياة مجففة) عام 2022، وحصلت على شهادة تقديرية، وكل هذه المسرحيات مستقلة وبدون دعم من أي جهة أو دولة.
وفي هذا العام شاركت معنا دول عدة، منها الدولة المضيفة كوريا الجنوبية، والصين وإيران وكندا وأنا.. وهذه المسرحية جديدة لم أقدمها بعد في أستراليا، وأنتظر الموافقات الرسمية لتقديمها.
* كلمة أخيرة؟
- أتمنى أن أجد المكان المناسب الذي يستضيف عروضي الخارجة عن نمطية العروض المألوفة مسرحياً لكي تصل رسالتي لجمهورنا العراقي والعربي، كما فعلت كوريا الجنوبية وتونس بتضييفنا خدمة للمسرح العراقي والعربي وإلا سنبقى نغرد خارج السرب..!